"جرش" .. ثقافة الفرح

في جرش.. تقرع الأجراس إيذانا ببدء الفرح، رمزاً لحياة يتمسك بها الأردنيون، يجسدها أمن وطنهم، واستمرار عطاء أهله، واحتضان زوارهم بكل قيمهم النبيلة.
فمن بين جنبات المدينة العتيقة، تتفتح نوافذ الإبداع؛ ثقافة وفناً ومحبة، تبث فسحة أمل رغماً عن كل الظلام الدامس الذي يحيط بنا، بمآسيه وأوجاعه. ورغم أعداء الحياة، الذين وقفوا منذ بداية المهرجان، بالمرصاد، مطالبين بإلغائه، وكأنهم يريدون الرجوع بنا إلى الوراء آلاف السنين؛ ولربما كانت الحياة آنذاك أكثر انفتاحا مما يزعم هؤلاء.
في جرش.. يمشي الزائرون وقد غشيهم الحب والانبهار في أروقة المدينة التاريخية التي بُعثت فيها الحياة؛ وصنوها الثقافة والفنون، غير مبالية بطارئي فكر ظلامي ظنوا أنهم يستطيعون فرض السواد.
هكذا كان مهرجان جرش الذي أقيم هذا العام، كما في السنوات القليلة الماضية، في ظل أوضاع عربية صعبة، مهرجان تنوير حقيقي، رداً واضحاً على كل أعداء الثقافة والرقي. تماماً كما جسد “جرش” رسالة طمأنينة لكل محبي الأردن، مواطنين وعرباً وأجانب، بأنه سيبقى واحة الأمان لكل من يعيش على أرضه أو يزوره.
ولذلك، لم يكن غريبا أن يبدي كل فنان يقف على مسارح جرش، تقديره للأمن والسلام اللذين ينعم بهما وطننا، في وقت تشتعل الحروب والاقتتالات في دول مجاورة.
في الدورة الواحدة والثلاثين للمهرجان، قُدمت نماذج إبداعية في الفكر والثقافة. فأهم نجوم الأردن والعالم العربي وقفوا على مسرح يصنع النجومية. وشاركت أهم الفرق المحلية والعربية والعالمية، وأقيمت الأمسيات الموسيقية والشعرية، وقُدمت المسرحيات وعروض الأوبرا.
ومع كل ذلك، كان المهرجان فرصة ثمينة لأهالي جرش، من أصحاب المهن والحرف، لعرض منتوجاتهم، وبالتالي تسويق المنتج السياحي الأردني عموما، بما ينعش المنطقة اقتصاديا وتنمويا.
على امتداد عمر “جرش” المديد، كان المهرجان وسيبقى منارة للثقافة والإبداع اللذين ينهضان بالإنسان، فيكونان بالتالي الدواء المحصن من أوبئة الانغلاق والتطرف، وهو ما قد يفسر موقف من يحاولون إجهاض هذا المهرجان، بعد أن غدا واحدا من أهم المهرجانات العربية، وواجهة الأردن الثقافية، وضمن المحطات الأهم للأدباء والفنانين العرب. لكن أحدا لن يستطيع الوقوف في وجه الإبداع وفي وجه الفرح، طالما بقي بيننا أشخاص يؤمنون برسالة الإنسانية وسموها، وأزعم أن هؤلاء أغلبية الأردنيين.
شكرا من القلب لكل القائمين على مهرجان جرش للثقافة والفنون منذ الدورة الأولى وحتى الدورة الواحدة والثلاثين، في مكان يتغنى بالحياة عاما تلو عام. والشكر خصوصاً لرجل واجه كل التحديات والعراقيل على طريق استمرار المهرجان وتميزه، هو المدير التنفيذي محمد أبو سماقة.
ومثل ذلك الشكر أيضاً لرجال ونساء أجهزتنا الأمنية الذين سهروا بكفاءتهم المعروفة والمعهودة على أمن المهرجان، فحصنوا فرحه من كل منغص، واستحقوا تقدير واحترام وإعجاب الزوار جميعا.
“جرش” كان وسيبقى منارة في وجه الإرهاب الفكري، والتطرف والفكر الظلامي. وهو يثبت ذلك الآن أكثر من أي وقت مضى، بنجاحه في زمن يحاول فيه أعداء التنوير والإنسانية والفرح محاربة الفن، وقتل كل ما هو جميل بأعيننا وأرواحنا!

اضافة اعلان