طلبتنا معاول بناء لا هدم!

حين نشاهد، كما هي حالنا اليوم، صورا وفيديوهات لا يمكن وصفها إلا بأنها "مرعبة"، لمئات من طلبة المدارس يحرقون الإطارات ويغلقون الطرق، ويخربون الممتلكات العامة.. اعتراضاً على مناهج معدلة أو على تبني نظام الحصص بدلا من الساعات، فإننا نوقن إزاء ذلك أننا في وضع يرثى له تعليمياً!اضافة اعلان
هل هؤلاء هم بناة المستقبل الذين يفترض أن يعمروا الوطن بعقولهم وأيديهم؟! هل هؤلاء من نعوّل عليهم لمواجهة كل التحديات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية الحالية والمستقبلية، بإنجازهم وإبداعهم؟!
سلوكيات أولئك الطلبة للتعبير عن احتجاجهم، في كثير من مناطق المملكة، هي سلوكيات مستفزة ومحزنة في آن، إذ تشي أننا أمام جيل لا يحترم منارة العلم بأفعاله، فيضرب عرض الحائط بقيم تربوية وتعليمية، والأخطر أنه لا يقيم وزنا للقانون!
أهكذا تتصرف أجيال المستقبل؛ امتناع عن الالتزام بالدوام المدرسي، واحتجاج أمام المدارس بوسائل وطرق مرفوضة، تقوم خلالها بترويع مواطنين آمنين! ومع ذلك، للأسف، ثمة أياد تمتد لهم للاستمرار في ما يقومون به، يرى أصحابها في الطلبة محض أدوات ووقود في حروبهم!
طلبة صغار يتعلمون ثقافة الشارع السلبية بكل ما فيها، بل ويجدون ممن يُفترض أنهم "تربويون ومعلمون" يصفقون لهم، لتحقيق مكاسب شخصية بعيدة كل البعد عن نبل المهنة وقدسيتها.
أما الآباء والأمهات، فيمثلون قضية أخرى. فهم يدركون جيدا ما يقوم به أبناؤهم الطلبة، لكن منهم من لا يحرك ساكنا، بل ويقف سعيدا بطفله وهو يخرب ويعبث ويحتج بأسوأ الطرق، ويتغيب عن دراسته! فيما واجب الأهل البديهي أن يقفوا بوجه أبنائهم حين يتصرفون بهذا الشكل، بل وأن يمسكوهم من أيديهم ويعيدوهم إلى صفوفهم الدراسية.
في دولة المؤسسات وسيادة القانون، لا يجوز أن يكون الطلبة وسيلة للضغط، يحاول من يستخدمهم تحقيق مكاسب خاصة، ثمنها المعروف تدمير أي منجز تعليمي، وكل ما يساهم في تنمية تفكير الطلبة وتوسيع مداركهم وتعزيز مهاراتهم.
وزارة التربية والتعليم هي المسؤولة، أولا وأخيرا، عن تكييف العملية التربوية بما يخدم مصلحة الطلبة. ولن يكون ما نراه اليوم من مشاهد مستفزة يتم دفع طلبة إليها، سببا للتراجع عن التغيير والتطوير والإصلاح. فما نراه هو أعمال تخريبية، خرجت عن إطار الاحتجاج القانوني السلمي، وبما اضطر الجهات الأمنية إلى التدخل بشكل حاسم، واستدعاء أولياء أمور لتوقيعهم على تعهد. ويا ليتنا لم نصل إلى هذا الحد!
حق مئات آلاف الطلبة أن ينالوا تعليما جيدا، هذا إن لم يكن متميزا، يعبد لهم طريق المستقبل، ويسلحهم بأدوات تنفعهم. ومن ثم، فإن من حقهم أن يكونوا في عهدة معلمين مؤتمنين يؤسسون لهم نجاحا باهرا يلمسونه على المديين القريب والبعيد.
نعايش ضعفا عاما في نظامنا التعليمي، يشعرنا أننا نخسر الحاضر والمستقبل، بل وحتى الماضي. مع ذلك، فليس لنا إلا أن نتمسك بالأمل أن تصلح حال التعليم، سبيلاً وحيداً لإنقاذ أجيال المستقبل، وبما يعني إنقاذ وطننا وصونه مزدهراً للأبد.