"لسعة أمل": قصص نجاح لأشخاص من خلفيات مختلفة تؤكد أهمية الأمل

جانب من فعالية "لسعة أمل" على مسرح قصر الثقافة أول من أمس - (من المصدر)
جانب من فعالية "لسعة أمل" على مسرح قصر الثقافة أول من أمس - (من المصدر)

غيداء حمودة

عمان- لم تقف أم محمد، الأم لستة أطفال أكبرهم في سن التاسعة، حائرة أما وفاة زوجها وهو في الثالثة والثلاثين من عمره.
حينها، قررت أم محمد، وهي سيدة لم تكن تحمل أي شهادة وليس لديها أي مصدر دخل ولا ضمان، أن هذه العائلة بحاجة إلى قبطان وليس نظرة شفقة، وتصرفت مع أولادها بحكمة وتسلحت بالأمل والإيمان، وعملت في الخياطة، ودرست مع ابنتها الوسطى في المدرسة، وصبرت وعلمت أولادها أهمية أن يكملوا تعليمهم وأن يصبحوا وقتها قادرين على العطاء وليس فقط الأخذ.
نجاح أم محمد تمثل في نجاح أولادها، فزكريا حصل على المركز الأول في التوجيهي في المملكة وهو الآن يعمل في أميركا مع شركة "جنرال موتورز"، ومحمد يملك شركة لها فروع في دول عدة، ووداد تعمل في منظمة دولية، ونهاد ناشطة في العمل الانساني، وليلى تعمل في مجال حقوق الأطفال.
قصة أم محمد كانت إحدى قصص مسرح الفكر الجديد الذي أقيم أول من أمس على مسرح قصر الثقافة تحت عنوان "لسعة أمل"، والذي قدم قصصا واقعية لأشخاص من خلفيات وأعمار مختلفة، سعوا نحو تحقيق إنجازات وأحداث فروقات في عالمهم وعالم من حولهم.
الشاب محمود الخضور، ذو الـ24 ربيعا، مصاب بالشلل الرباعي بحيث لا يستطيع الحركة أو الكلام، منذ إصابته الذي لازمته منذ الصغر، تسلح بالأمل، وعمل بدعم من والديه، وأكمل دراسته في المدرسة، وهو الآن طالب في الجامعة يدرس تقنيات وحوسبة.
إنجازات محمود لم تقف هنا، بل أنشأ مبادرة على "فيسبوك" تحت عنوان "أنا زيك وحقي مثل حقك" التي تؤكد حق أصحاب الإعاقات المشروع في تلقي التقبل من المجتمع، كما ألف كتاب "خربشات متمردة" الذي يحث على الأمل والحب والطموح.
محمود جلس على كرسيه المتحرك في عرض "مسرح الفكر الجديد" الذي أقيم مساء أول من أمس على مسرح قصر الثقافة تحت عنوان "لسعة أمل"، وخاطب الجمهور من خلال كتابته على جهاز اللابتوب "لقد خلقت لأكون منقوص الجسد لكني كامل العقل، لكن والدي زرعا في حقيقة أني لم أخلق عبثا، وكبرت مع الأمل وحب الحياة".
وخلال حديثه مع مؤسس مسرح الفكر الجديد، الناشط الاجتماعي ماهر قدورة، عقد معه محمود صفقة "لسعة أمل" والتي مضمونها "كسر ثقافة الخوف من الاختلاف"، فهو مؤمن بنفسه، وواثق من قدرته على إحداث تغيير في عالمه.
التصفيق علا لمحمود من الجمهور، ليأتي صوت يعرب عنابي وصور له على الشاشة تبين مشكلة الوزن الزائد الذي كان يعاني منها؛ اذ كان وزنه 181 كغم.
وحول معاناته مع السمنة، قال يعرب "لم يستطع أحد رؤية معاناتي مع هذا الوزن سواء في الحركة أو صعود الدرج أو ركوب السيارة، أو حتى في شراء الملابس".
أما المعاناة الأكبر لديه فقد كانت النوم؛ اذ لم يكن يستطيع النوم أكثر من 2 أو 3 ساعات، وعند النوم كان يحلم بأن يستيقظ ويكون نحيفا، إلا أنه سرعان ما يستيقظ ليجد نفسه سمينا.
وبعد 48 عاما من العيش مع هذا الوضع، تحدث يعرب كيف خسر 90 كغم، بعد أن أيقن أن مشكلته الأساسية كانت هي إدمان الطعام، وقام بالبحث في الأمر، وكيف يمكن أن يتخلص منه، بعد أن حاول من خلال طرق عدة لخسارة الوزن ولم تنجح.
قصة يعرب الملهمة، شكلت نموذجا لكثيرين يريدون تحقيق الانجاز نفسه الذي حققه، وهو أيضا ما دفع زوجته لأن تخسر 25 كغم.
التحفيز والأجواء الايجابية كانت حاضرة من مدخل المسرح، وانتشرت زوايا التصوير المختلفة التي تفاعل معها الناس بشكل كبير. ومن هذه الزوايا التصوير بطاقة حساب "لسعة أمل" التي كتب عليها "تنتهي صلاحية البطاقة بانتهاء الطاقة لبناء أحلامك- نوع الحساب: جاري- الاسم: ملسوع".
واستضاف "لسعة أمل" سمو الأميرة دينا مرعد مدير عام مؤسسة الحسين للسرطان في حوار لها مع ماهر قدورة.
وعند سؤالها عن سبب اختيارها للعمل مع مرضى السرطان، قالت سموها "المرض هو من اختار عائلتي؛ حيث أصيب ابني راكان وهو في عمر الثالثة باللوكيميا".
وبينت كيف أصابها الاحباط والاكتئاب في البداية، إلا أنها قررت أن تكون "افضل أم في المستشفى الذي تعالج فيه ابنها" وبحثت عن المعلومات وقرأت، ومدت ابنها بأهم فيتامين على ما وصفته، وهو "فيتامين الحب".
وتحدثت سموها عن الدعم الذي تلقته من العائلة والأصدقاء، والذي كان أحد أسباب نجاة ابنها ووصوله إلى الجامعة اليوم. واعتبرت أفضل لقب لها "أم لابن ناج من السرطان"، مع اعتزازها طبعا بلقب "أميرة".
وعرفت سموها الأمل بكونه "المحرك والفرشاة التي ترسم لنا الطريق في الحياة".
وفي حديثها مع الشباب، شددت سموها على أهمية ترك السلبية والتدخين، وقالت "إن السلبية هي سرطان بحد ذاته يجب مواجهته".
مؤسس "فكر جديد" الناشط الاجتماعي ماهر قدورة، تحدث في بداية العرض، وذكر قصصا عدة لأشخاص تسلحوا بالأمل وحققوا نجاحات عديدة وعالمية، منهم المتسلق الأردن مصطفى سلامة الذي وصل إلى أعلى قمم العالم، والمخرج ناجي أبونوار الذي وصل بفيلم "ذيب" قبل أيام إلى الأوسكار، ورفيعة عناد، ابنة البادية الأردنية التي صممت على تحقيق حلمها وعملت على إضاءة 80 بيتا في منطقتها من الطاقة الشمسية، وصلاح الدين أبو الشيخ عالم الرياضيات الذي أطلقت ناسا اسمه على كوكب جديد تم اكتشافه.
وبين قدورة "هؤلاء لم يقفوا عند خط معين، بل انتقلوا من حالة التمني إلى مساحة الأمل".
وأضاف "انهم يعرفون أن الطريق صعب وهم واقعيون، لكن الأمل بالنسبة لهم مثل الأكسجين، ونقصه سيجعلنا نعيش معاناة".
وقال "إن الأمل قناعة تولد داخلنا بأن الغد أفضل من اليوم، وأننا قادرون على التأثير في المخرجات". وأضاف "أن الأمل قرار، وأسلوب حياة، وقابل للتعلم، وهو المحفز للاستيقاظ صباحا والبدء بمواجهة الحياة".
وتوجه إلى الشباب قائلا "إنه قرارك، هل تريد أن تكون شخصا متسلحا بالأمل ولديك حلم وطموح، أم شخصا غير مؤمن بقدراتك وثقتك بنفسك مهزوزة؟".
التفاعل كان يتزايد خلال العرض الذي حضره حوالي 1200 شخص، سواء بشكل مباشر مع الجمهور أو على قنوات التواصل الاجتماعي. ووصلت انطباعات هاشتاغ "#لسعة_أمل" على "تويتر" إلى 25 مليون انطباع، كما وصل عدد المعجبين بصفحة "فكر جديد" على "فيسبوك" إلى 985 ألف معجب.
وكان العرض نفسه قد قدم في وقت مختلف لحوالي 1300 طالبة وطالب من مبادرة "إنجاز" لبث الايجابية وأهمية التسلح بالأمل لديهم.
من جهته، أكد الرئيس التنفيذي لشركة "زين" الأردن، أحمد الهناندة، أهمية ما تقوم به مبادرات "فكر جديد" وعملها على نشر التفكير الإيجابي وفتحها لآفاق جديدة للشباب.
وأشار إلى توافق رؤية شركة "زين" ومبادراتها مع رؤية وأهداف "فكر جديد"، مبيناً أن ذلك ما دعاهم لعقد اتفاقية شراكة استراتيجية مع "فكر جديد".
وأضاف الهناندة "نعتبر خلق بيئة ملهمة للتفكير الإبداعي للشباب الأردني ودعمهم للوصول إلى التغيير الإيجابي من أهم أولوياتنا؛ حيث تحرص زين دوماً على توفير كل ما من شأنه تحفيز الشباب لإطلاق ما بداخلهم من إبداعات وطاقات إيجابية، كونهم بناة المستقبل".
د. سهيل جوعانة الذي يعمل في مجال التدريب والموارد البشرية ونشر الإيجابية دائما، كان من بين المتحدثين في مسرح الفكر الجديد في نسخته الـ11.
وروى جوعانة قصته عندما أصيب قبل أشهر بورم سرطاني نادر نسبة الاصابة به في العالم لا تتعدى 2 %، وبين كيف هنا واجه نفسه، وسأل نفسه بشكل حقيقي "هل ستتبع ما يقوله للناس، وهل أنت قادر على ذلك؟".
ووجد جوعانة أن الحل الوحيد هو المواجهة والتسلح بالأمل واستئصال الورم كليا، ووصف تجربته بأنه "شعرت بنبضات الأمل وسط آهات الألم".
وختم حديثه قائلا "نحن محاطون بأورام من التصرفات السلبية في المجتمع"، وقال "لقد وجدت أن الأمل هو الورقة الرابحة الوحيدة، وهي في النهاية ثلاثة أحرف: (أ) (ل) (م)، وأنت مسؤول عن كيف تريد أن ترتبها: ألم أم أمل".
أما شيرين سبانخ، وهي نائب المدير العام لمتحف الأطفال الأردن، فتحدثت عن أهمية إيمان كل فرد بقدرته على التغيير وكيف يمكن للفضول وحب التعلم إحداث تغيير في العالم.
وحول أهمية المحتوى الذي نقوم بنشره على وسائل الإعلام الاجتماعي ومدى إمكانية أن يحدث فرقا في حياة الكثيرين، تحدث زياد الباروني المختص بالمحتوى عن قصة صورة "أصغر علي" من باكستان، الذي كان يعمل على نطاق ضيق في صنع الأحذية، إلا أن نشر صورة له على "فيسبوك" ومقطع فيديو من عمله أدى إلى قيام شخص بطلب طلبية منه نتج عنها قيام أصغر علي بتوظيف 3 أشخاص من قريته وفتحه لشركة خاصة لذلك.
وقال الباروني "تخيلوا الفرق الذي يمكننا إحداثه من خلال صورة أو مقطع فيديو!".
ومن المتحدثين كانت الطفلة جنى طنطش، التي شاركت من قبل في "فكر جديد مدارس"، وتحدثت كيف قررت المساهمة والعمل من أجل دعم مؤسسة الحسين للسرطان؛ حيث قامت بصنع الاكسسوارات من الخرز وبيعها بمبلغ 455 دينارا والتبرع به لصالح مركز الحسين للسرطان.
وأشارت إلى استفادتها من مسرح "فكر جديد مدارس"، الذي طور مهاراتها وصقل شخصيتها.
يذكر أن "مسرح الفكر الجديد" هو إحدى مبادرات "فكر جديد" التي أطلقتها مؤسسة الجود للرعاية العلمية وتضم مهرجان الفكر الجديد و"مسرح جديد" في المدارس والجامعات.

اضافة اعلان

[email protected]