نادية سعد الدين
بيروت- أكد مشاركون في مؤتمر عربي، عقد مؤخراً في بيروت، ضرورة "بناء منظومة تعليمية متكاملة تعزّز قيّم المواطنة والتنوع وقبول الاختلاف، لمواجهة أنماط التطرف المتنامية، خلال السنوات الأخيرة، والمهدّدة للسّلم المجتمعيّ والأمن والاستقرار".
ودعا، زهاء خمسين خبيرا وباحثا في السياسات التربوية والتعليمية بالمنطقة، إلى "تجديد الخطاب الديني"، عند ربطه "بالإصلاح التربوي لمواجهة التطرف في المجتمعات العربية"،
واعتبّر المشاركون أن التطرف، الموّلد تبعاً للعنف والإرهاب، والعابرّ لساحات الفضاء العربي والدوليّ، يرتبط "بسّياقات فكرية منغلقة تصطدم مع منظومة القيّم والمفاهيم المؤسسة لدولة المواطنة المدنيّة والديمقراطية"، بينما يبقى "خطاب الكراهية" سنداً أساسياً للفكرّ الظلاميّ الضيّق.
وأفادوا بأن "إصلاح التربية والتعليم لا يستقيم بدون تحقيق إصلاح مجتمعيّ شامل"، مما يتطلب، بحسبهم، "ثورة تربوية"، تتضمن "تطوير المناهج التربوية في البلدان العربية".
وطالب المؤتمرّون "بتشكيل شبكة عربية للتربية بهدف تنسيق الجهود وتبادل الخبرات، وتحقيق الأنسّنة والمواطنة الحاضنة للتنوع"، تزامناً مع إيجاد "هيئات وطنية مستقلة بعيدة عن التجاذبات السياسية والمذهبية لتقويم المنظومة التربوية التعليمية في بلدانها وضمان التزامها بمعايير الجوّدة".
من جانبه، رأى الأمين العام لمنتدى الفكر العربي، محمد أبو حمور، أن "الحديث عن محاربة التطرّف يدور، في مجمله، حول معالجة الأعراض والأسباب"، دونما الأخذ بالنواتج والحلول.
وقال إن إشكاليات "غياب فرص العدالة والتمييز والتهميش والأوضاع المجتمعّية الصعبّة وفقدان الأمل بالمستقبل"، تعدّ أحد أهم مسوّغات التطرّف والإرهاب المتعدّدة والتي تطال مختلف المجالات.
وأعرّب، أبو حمور، عن أسفه "لتحول محاولات التغيير السلمية في الوطن العربي إلى حروب دموية"، معتبراً أن "العالم العربي يعيش اليوم في حالة إحباط"، مما يستدعي "التعاون لمواجهة الإرهاب".
وأكد أهمية "الإرتقاء بالتعليم من التلقين إلى الإكتشاف، وذلك لتعزيز المناعة لدى الطفل تجاه أي أفكار متطرفة".
وقد بحثت جلسات المؤتمر السّبع، المكثفة والممتدّة خلال يومين، في "ماهيّة التطرف وأدواته وجذوره"، و"مقتضيّات الإصلاح التربوي لمواجهته"، بموازاة أدوات المجابهة المجتمعيّة الأخرى، وذلك بالاستناد إلى خبرات متنوّعة من الدول العربية.
بيدّ أن المنظومات التربوية والتعليمية في المنطقة العربية تعاني، وفق المشاركين، من جملة تحديات، في ظل بيئة عربية إقليمية تشهد "غياب الرؤية الإستراتيجية الواضحة، والإفتقار للحريات والعدالة الاجتماعية، وعدم احترام الرأي والاختلاف، فضلاً عن الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية المأزومة".
ومن هذا المنطلق؛ دعت النائب بهيّة الحريري، خلال كلمة ألقتها أمام المؤتمرين، إلى "إصلاح شامل لمناحي الحياة، الاقتصادية والثقافية والاجتماعية والبيئية، لضمان توفير بيئة آمنة ومضادّة لموجات التطرف السائدة في العالم الآن".
وأرجعت "أنماط التطرفّ المتمايزّة، والمتنامية مؤخراً، إلى فشل إقامة الدولة المدنية الحديثة، بكل أسبابها، وفي مقدمتها العدالة التربوية والنهوض التربوي"، نظير "الدور الأساسي للتعليم في تحقيق النهوض والاستقرار في المجتمعات".
ودعت إلى "عملية نهوض حقيقية من أجل بناء الدولة المدنية الحديثة، دولة المواطنة والعدالة وحقوق الإنسان، بعيداً عن التسلط والفساد والفشل والضياع".
ويأتي عقد المؤتمر في إطار مشروع "الاستراتيجية الوطنية للتربية على المواطنة والعيش معاً"، لمؤسسة "أديان"، التي احتفلت مؤخراً بمرور عشر سنوات على تأسيسها وفق أهداف تعزيز ثقافة المواطنة، ونشر مبدأ احترام الاختلاف، وتثمين التنوع.
بدوره؛ رأى رئيس مؤسسة "أديان"، الأبّ فادي ضو، أن "الإصلاح التربوي مسؤولية وطنية شاملة"، انطلاقاً من "مبدأ الشراكة بين القطاع العام والمجتمع المدني".
وشدد على أهمية "تدريس مادة الفلسفة في المقرّرات المدرسية العربية، لحيوّية دورها في تكوين المنهجية الفكرية لدى الطالب، والمرتكزة على الحسّ النقدي والحوار العقلاني والقدرة على التعامل الإيجابي مع الإختلاف وحرية الفكر والتعبير، في وجه التطرف".
وتوقف عند ضرورة تضمين "المكونيّن العربي والوطني للمادة، لجهّة تعزيز وعي الطالب لانتمائه إلى بيئته وتشجيعه على الانخراط في إشكالياتها الفكرية الراهنة".
واعتبر أن "التنوع سبيل للتنمية والابداع وأحد عوامل بناء الوحدة"، موضحاً بأن "موضوع الإدارة الراشدة للتعددية في المجتمعات ليس خياراً بديلاً عن المواطنة وبناء العلاقة السليمة بين المواطن والدولة، بل يقع في صلب المسار".
إلى ذلك؛ خلص المشاركون، في توصياتهم التي تأطرّت ضمن "إعلان بيروت"، إلى ضرورة "تعزيز الشراكة بين المؤسسات التربوية الرسمية والمجتمع المدني والخبراء، في عملية صياغة المنظومة التعليمية، والمشاركة في وضع السياسات والبرامج التربوية".
ودعوا إلى "تمحور المنظومة التعليمية حول المتعلم، وتطوير أداء المعلم وتأهيله ليكون ميسّراً للحصول على المعرفة وقادرا على بث قيم المواطنة ومنع التمييز ومواجهة التطرف وقبول التنوع والاختلاف".
وركزوا على "الإهتمام بالتكوين الشامل للمتعلم وإدماج المكونات الثقافية والفنية والإبداعية والرياضية في المنظومة التعليمية".
من جانبها؛ طالبت مديرة معهد "المواطنة وإدارة التنوع"، نايلا طبارة، "بإيجاد قاعدة للسياسات التربوية تؤسس لمواطنة حاضنة للتنوع".
وأشارت إلى "دور التربية للإجابة على المشهد القاتم اليوم"، تزامناً مع "تحديد الإشكاليات في المجتمع العربي، واقتراح الحلول الجريئة لمواجهة الصعوبات والمعوقات، لاسيما في مجالات التاريخ والتربية المدنية والفلسفة ومادة الدين".
في حين؛ تنادى مستشار السياسات في مؤسسة "أديان"، زياد الصايغ، إلى "إعدادٍ منهجي علميّ لاستعادة نقاء الإعتدال، وجوهريَّة الاقرار بالحقّ في الاختلاف، وفهم غِنى التنوّع والتفكر بإدارةٍ سليمة لَه تحترِم حقوق الأفراد وتصون ضماناتِ الجماعات".