‘‘من أجلكم‘‘.. حملة تسعى لوقف عنف المدارس ضد الأطفال

رسم يصور العنف الممارس بحق الأطفال
رسم يصور العنف الممارس بحق الأطفال

نادين النمري

عمان - دوامة من العنف المدرسي، عاشها الطفل زكريا، بدأت عندما كان في الصف الثالث الابتدائي، وتعرض لضرب مبرح على يد معلمه، فانتهت بتسربه من المدرسة في الصف الخامس.
تروي والدة زكريا معاناة ابنها أمام مجموعة نساء، قررن الوقوف في وجه العنف المدرسي ضمن حملة "من أجلكم"، التي أطلقتها مؤسسة رواد التنمية.
تقول الأم "لا يختلف ابني عن غيره من الأطفال. كان مستواه الأكاديمي جيد، غير انه مفرط في الحركة، ولم يعرف أستاذه التعامل معه، ما جعله عرضة للعنف باستمرار. في أحد الأيام سحبه الأستاذ من اذنه، وضرب رأسه بالطاولة حتى سال الدم من جبينه".
وأضافت "عاد ولدي للمنزل ونفسيته محطمة، ومن يومها كره المدرسة والدراسة. لم أعرف حينها كيف اتصرف، فنقلته الى صف آخر، لكن المشكلة استمرت، وكذلك استمرت حالة خوفه من المدرسة، بعد ذلك نقلته الى مدرسة أخرى ومن دون أي نتيجة، فكره المدرسة"، لافتة إلى "أن الاساتذة ايضا لم يتعاملوا على نحو مناسب مع ولدها حتى وصل الصف الخامس، فانقطع عن الدراسة".
وأشارت إلى أنها منذ ذلك الحين وهي تحاول إدماج طفلها في المدرسة مجددا "لكنه يرفض قطعيا، فالعنف الذي تعرض له، اثر على مستواه الاكاديمي ومسلكه، وما زلت أحاول بناء  ثقته بنفسه، وقد ادمجته في نواد رياضية، لكن لا شيء يغني عن اعادته للمدرسة".
تتحدث ام زكريا عن مخاوفها على ابنائها الآخرين قائلة "ابني الصغير سيبدأ الدراسة في الصف الأول العام الحالي. اشعر بخوف شديد، من تعرضه لنفس المعاناة التي عاشها شقيقه. أحاول البحث عن مدرسة مناسبة، توفر له بيئة آمنة، لكن يبدو هذا الهدف مستحيل".
بعد معاناة ابنها الأكبر مع العنف المدرسي، قررت ام زكريا الانضمام الى حملة "من اجلكم" للحد من العنف في المدارس عن طريق توعية الامهات بحقوق أبنائهن.
تضم الحملة أهالي تعرض اطفالهم للعنف المدرسي، أكانوا من أهالي حملة البيوت الآمنة التي اطلقتها مؤسسة الرواد سابقا او غيرهم،، إذ تمكنت الحملة من الوصول الى 12 مدرسة، واستفاد منها 165 طفلا، بينما بلغ عدد التدخلات الناجحة والتي أوقفت على نحو تام 48 حالة.
"من أجلكم".. انطلقت بدعم من رواد التنمية ومركز العدل للمساعدة القانونية، وكلت 9 فرق ضاغطة من الأهالي والمتضامنين معهم، للتدخل الاداري والمسائلة القانونية في 48 قضية عنف واقعة على الاطفال بين عمر 6 الى 12 بـ12 مدرسة في منطقة جبل النظيف بعمان الشرقية عن طريق ممارسة الأهالي لحق المساءلة الإدارية والقانونية.
تتشابه قصص الأمهات في معاناتهن جراء تعرض أطفالهن للعنف، فقصة زكريا تتشابه على نحو كبير مع قصة علي، الذي طلب منه أستاذه قراءة نص، فلم يتمكن الطفل من القراءة، كون العائلة كانت في حالة حداد، إثر وفاة فرد من العائلة، برغم محاولة علي تبرير تقصيره في الدراسة، لكن الأستاذ رفض التبرير، وضرب الطفل ضربا مبرحا، انعكست الحادثة سلبا على الطفل الذي بات يكره المدرسة والدراسة.
حالة مصطفى، كانت مختلفة قليلا لجهة تدخل الأب لحل كي ينصف ابنه، تقول أم مصطفى إن ابنها عاد للمنزل في أحد الايام، وآثار ضرب واضحة على وجهه، فعلمت ان الاستاذ هو من تسبب بها لأن ابنها لم يكن قد حفظ درسه.
ولفتت الى ان زوجها تدخل لدى المدرسة في اليوم التالي، فاعتذر الأستاذ عن تصرفه غير التربوي والمهني، لكن برغم تجاوز الطفل لهذه المشكلة، الا انه يحدث امه كل يوم عن حالات لأطفال يتعرضون للضرب يوميا على يد أستاذه.
المديرة الاقليمية لمؤسسة رواد ومنسقة الحملة سمر دودين، بينت لـ"الغد" كيفية اطلاقها للمبادرة، قائلة انه "في العام 2012 عملت مؤسسة رواد على اطلاق حملة بيوت آمنة للحد من العنف ضد الاطفال في المنازل، وتمكنت الحملة من وقف العنف البدني في 165 بيتا، ووصلت إلى 600 بيت، تحولت جميعها الى بيوت آمنة من العنف".
وأضافت دودين "عبر لقاءاتنا مع الأهالي، شعرنا بمدى المهم من العنف الممارس ضد اطفالهم في المدارس على أيدي اساتذتهم"، من هنا جاءت "من أجلكم"، التي تضم امهات وأهالي عانى ابناؤهم من العنف ويسعون للخلاص منه.
وتابعت استهدفت الحملة الأطفال بين سن 6 و12 و"تمكنا من التدخل في 12 مدرس، وكذلك بـ197 حالة، نجحنا في وقت العنف مع 48 حالة، لكن لم ننجح في 69 أخرى".
وبينت دودين أنه عملت على توثيق الحالات والاستماع لاصحابها، فـ"في الحالات التي نجحنا فيها، لمسنا تعاونا من ادارة المدرسة، كما مارسنا تكتيكات تربوية وإرشادية وقانونية في تلك الحالات".
واستعرضت تحديات عدم النجاح في كل الحالات الكبيرة، وتبين أنه 18 لم تنجح في 69 حالة، نتيحة لعدم تعاون الإدارة والفريق التربوي مع الاهل، وفقدان سيطرة بعض الأمهات اثناء الحوار، ما اضعف قضيتهم الى جانب الخوف الكبير من اي اجراء فيه شكوى في قضايا العنف الجسدي والجنسي.
وأشارت إلى صعوبة التدخل في مدارس الذكور من الامهات لأسباب اجتماعية، الى جانب تعزيز الحل عبر ضغط اسر ممتدة و تخجيل الاهل او تخويفهم على حساب التدخل القانوني.
وحول اسباب عدم تجاوب المدرسة مع الأمهات في الحملة، اظهرت دودين ان الاسباب تتوزع بين الأمهات وإدارة المديرية والمعلم.
وتبين فيما يخص الأمهات بأن تدخلهن كان هجوميا وهي تدخلات تمت في بداية الحملة قبل حصول الامهات على التدريب والارشاد والتمكين القانوني، وبحالات أخرى لم تنسق الامهات مع فرق الدعم بالشكل الكافي، حسب دودين.
اما الجزئية المتعلقة بالمعلمين، قالت دودين "إن الاستاذ غالبا ما يمارس ضغطا على ادارة المدرسة لإقناعهم أن الطفل مذنب، الى جانب القناعة الراسخة لدى معلمين، بان العنف البدني والاساءة اللفطية والعاطفية، السبيل الافضل للتربية".
وفيما يخص مسؤولية المدرسة، فهي تكمن في "تفضيل ادارة المدارس لرواية المعلم على رواية الأهل، ورفض تدخل الاهل، الى جانب صعوبة دخول الأم الى مدارس الذكور تحديدا" على ما أضافت دودين.
واوضحت دودين أنه في كثير من الحالات كان الخوف من الفضيحة سببا في عدم التلبيغ  في حالات العنف الجنسي، او الخوف من دخول المخافر الامنية، او الخوف من المساءلة القانونية، وجهل الاهل بالقوانين وغيرها.
وحذرت دودين من خطورة انتشار العنف في المدارس وآثاره السلبية على الاطفال، خصوصا لآثاره النفسية في بث الخوف ونزع الكرامة، والتسبب بالقلق والتوتر والاكتئاب، مؤكدة  أن هناك حاجة ماسة لوقف هذا الأسلوب في المدارس.
وقالت "للاسف خاطبنا قسم حماية الطفل من الإساءة بوزارة التربية والتعليم في أكثر من مرة، للتنسيق للحملة ومساعدتنا في تجاوز التحديات، لكن لم يستجب لطلبنا، وتمت المماطلة في البداية الى أن وصلنا رفض لطلبنا، دون بيان الأسباب".

اضافة اعلان

nadeen.nemri@alghad.jo