هو راشد يا أم البطل..

لم يكن موسم أعراس، فمن أين أتى الفارس يزهو في ليله بأغنيات الشهيد، وهو يطبع آخر قبلاته على خد أمه الأرض.. وطنه الذي منحه أغلى ما يملك؛ الروح.
لم يكن موسم أعراس، فكيف تداعت الأردنيات إلى أغنيات الوطن، وهن يستذكرن سربا من شهداء سبقوه إلى المجد، ويدارين دموعا غزيرة بالزغاريد.. لا تحزني يا أمه، فراشد سابق الموت، ورمى بروحه رخيصة لأجل عيون الوطن.اضافة اعلان
يذكره رفاقه الذين أقسم معهم قسم الدم، حين هاج كمارد، حالفا بأن لا ينام ليلة قبل أن يطهر التراب من رجس يوشك أن يلم به، ويدير النار عن وجوه أطفال أسلموه مفاتيح أمنهم، فكان لهم الحامي الأمين.
لا تحزني يا أمه؛ فالأمهات يعرفن أكثر من غيرهن. يدركن، منذ أسابيع الحمل الأولى، هوية الكائن الذي يتململ في أحشائهن.. وأنت عرفت أن من أطلقت عليه اسم راشد، كان مشروع شهيد نذرته للوطن.
وأن هذا الصغير في ملامحه العز والكبرياء. بطل صغير، سيكبر يوما ليكون قناصا ماهرا، كما قلت “راشد ما قنصُوه هو قناص قنصهم”، عرف طريق الشهادة فمشاه ولم يهبه، وقد كان رآه من قبل آلاف المرات، حين كان ما يزال صغيرا، وهو يتدرب على البطولة.
أراد راشد أن تفخري به، وجميع الأردنيات، وأن تظل سيرته عطرة في أفواه الجميع، وأن يصبح حكاية أردنية من حب خالص، تتسامر به الصبايا، وينذرن لروحه تراويدهن الخجلى.
في صدور بيوتنا، ستنتصب صوره الشامخة كجبل، وسوف يقرأه التلاميذ نشيد حب في طوابيرهم الصباحية، ويتغنون بالفتى الجميل الذي ألقى على الموت رداءه، وخطفه بعيدا عن إربد، لكي لا تفجع الأمهات بوابل حقد بسبب أشخاص نسوا كثيرا أنهم يتشاركون مع أهل المدينة هواء الشمال.
راشد مضى، ليسوق الموت بعيدا عن أهله، ولكي يظل هذا الوطن الجميل آمنا، وهل غير الدم الطاهر الزكي ضريبة لذلك!
راشد حمل روحه على كفه، لكي ينام الأردنيون في بيوتهم آمنين، فافرحي بولدك الذي عاش بطلا ولوح لنا مغادرا وهو يضع البطولة عقدا من فخار حازه إلى الأبد.
هو لم يرتضِ أقل من الكرامة في الحياة وفي الممات، فكان الارتقاء إلى جنات الخلد مصيرا طيبا.
 هو راشد يا أم البطل. هو الفتى الذي هبط الملك الهاشمي إلى القبر ليواريه، ابنا من أبنائه الذين لا ينساهم على مدى الأيام.