وفيات العمل تنبه لضعف إجراءات السلامة بالمنشآت

رانيا الصرايرة عمان- منذ مطلع هذا العام، تنذر إجراءات السلامة العامة في عدد كبير من المصانع بضعف كبير، وذلك بعد أن قضى أربعة عمال وأصيب 76 آخرون في ثماني حوادث تتعلق بضعف إجراءات السلامة العامة المطبقة في أماكن العمل منذ مطلع العام وحتى الآن، وهو ما يطرح سؤالاً كبيرا حول جدية الحكومة في متابعة هذا الملف وحسمه على الرغم من تكرار مثل هذه الحوادث. وكان آخر هذه الحوادث قبل أيام، عندما وقعت حادثتان في مصنعين داخل مدن صناعية مؤهلة بسبب عدم توفر شروط الصحة والسلامة المهنية في مكان العمل بحسب ما يذكر خبراء، الأولى كانت يوم السبت الماضي حيث تعرضت 60 عاملة في أحد المصانع في المفرق للاختناق، والحادثة الثانية كانت أول من أمس في مصنع في دير ابي سعيد نتج عن انفجار بويلر، ما تسبب بإلحاق حروق في أوجه وأيدي 16 عاملة بعضهن ما زلن في المستشفى حتى اللحظة. وهاتان الحادثتان لم تكونا الوحيدتين خلال العام الحالي، ففي شهر كانون الثاني (يناير) الماضي، توفي عامل في مصنع في دير علا نتيجة إصابته أثناء العمل، وفي الشهر ذاته توفي سائق يعمل في أمانة عمان أثناء انزلاق مركبته في العاصفة الثلجية، وهذه تعتبر إصابة عمل. وفي شهر شباط (فبراير) الماضي توفي عامل وافد يعمل في قطاع الإنشاءات بعد سقوطه من إحدى العمارات قيد الانشاء، وأما الشهر الماضي، فشهد وفاة عامل أثناء قيامه بتعليق يافطات لأحد مرشحي الانتخابات البلدية، وبعد هذه الحادثة بأيام قليلة اصيب اربعة عمال في قطاع الكهرباء بعد انفجار في محطة الصبيحي. أما في الشهر الحالي، الذي لم ينته بعد، فشهدت بدايته إصابة ستة عمال بحروق واختناق نتيجة حريق شب في محل للحلويات. وخلال العام الماضي، رصدت جمعية تمكين للمساعدة القانونية وحقوق الإنسان تسعة أخبار تتعلق بحوادث العمل، حيث كانت هناك 17 حالة وفاة لعمال، من بينها أربعة لعمال أردنيين، وحالة لعامل مصري، و4 لعمال من الجنسية الباكستانية، وعاملان يحملان الجنسية اليمنية، وست حالات وفاة من جنسيات عربية لم يجر تحديدها، وكذلك جرى رصد إصابة عمل واحدة. وفي حالات الوفاة والإصابة التي جرى رصدها في قطاعات الإنشاءات، رصدت اربعة حوادث عمل، وثلاثة في قطاع الخدمات، وفي قطاعي الزراعة والمطاعم رصدت حالة لكل منهما. وبين آخر تقرير صادر عن المؤسسة العامة للضمان الاجتماعي، أن عدد حوادث العمل والأمراض المهنية بلغ في العام 2019 لمشتركي المؤسسة 10072 حالة، منها 1428 إصابة عند الإناث، و14 % في صفوف العمالة الوافدة. ويعد قطاع الصناعات التحويلية الأكثر هشاشة في تطبيق معايير الصحة والسلامة المهنية، إذ إن 32.3 % من إصابات العمل تحدث فيه، ويليه قطاع تجارة الجملة والتجزئة بنسبة 17.1 %، وفي قطاع الفنادق والمطاعم بلغت النسبة 9.7 %، أما في قطاع الإنشاءات فبلغت 5.5 %، وتتوزع باقي الإصابات على القطاعات الأخرى. مديرة "تمكين" لندا كلش علقت على هذه الأرقام بالقول إن الرصد جاء بناء على الأخبار التي جرى تداولها في وسائل الإعلام، لكن من خلال المشاهدات والمتابعات نتوقع أن يكون الرقم أكبر من ذلك، لأن العديد من أصحاب العمل يحملون العامل تكاليف العلاج، وجزء منهم ينهي خدمات العمال حال إصابتهم، فيما يقوم آخرون بتحمل تكاليف العلاج من دون إبلاغ المؤسسة العامة للضمان الاجتماعي. وبالرجوع الى حادثة اختناق العاملات في مصنع في المفرق السبت الماضي، فتشير التفاصيل الأولية إلى ان الحادثة حصلت جراء استنشاقهن مادة تستخدم لأغراض التنظيف. وأكدت عاملات لفريق تمكين أن غياب معايير السلامة العامة تسبب بحالة الاختناق، حيث إن تنظيف المصنع باستمرار يكون أثناء تواجد العاملات في العمل، ما أدى سابقا لتعرض عدد منهن للاصابة بالتحسس ولأكثر من مرة، فيما أكدت أخريات أن هذه الحادثة هي الثانية، حيث تعرضت العاملات لنفس الظروف قبل ما يقارب العامين أو يزيد قليلا. وفي تفاصيل الحادثة، قالت إحدى العاملات إنه "تم استخدام مادة "الأسيد" بالخطأ من قبل عاملات النظافة، مشيرة إلى أن العاملات لا يستطعن القراءة ولم يميزن المادة، لكونها موجودة في عبوات داخل حمامات المصنع، حيث تم خلطها بمواد تنظيف إضافة إلى الماء وسكبها على الأرض لغايات التنظيف، ما تسبب بإصابة عدد من العاملات بالاختناق. بدوره، عزا وزير العمل نايف استيتية الذي زار المستشفى الذي أقامت فيه العاملات، حالات الاختناق إلى سوء استخدام مواد التنظيف حيث تم خلط مادتين معا، مؤكدا أن الوزارة كانت اتفقت مؤخرا مع المصانع على توفير مشرف صحة وسلامة مهنية في كل مصنع، مع الإشارة إلى أن الوزارة أعطت مهلة للمصانع لتوفير المشرف حتى نهاية أيار (مايو) المقبل. أما رئيس المجلس النوعي للصحة والسلامة المهنية والبيئة فراس شطناوي فيؤكد أن خطورة المواد الكيماوية لا تتوقف عند استعمالها أثناء التفاعل أو خروجها كمنتج نهائي أو جانبي فقط، بل أيضاً في تناولتها وخلطها وتخزينها، "لذلك فإن أول خطوة يمكن أن تساهم في تخفيف حد الخطورة، هي معرفة هذه المواد الكيماوية من حيث خواصها الطبيعية والكيماوية، ونتائج تفاعلها مع المواد الأخرى، بالإضافة الى معرفة طرق التداول والتخزين لكل مادة". وقال: "تمت معرفة مخاطر المواد الكيماوية وكيفية التعامل معها، من خلال نشرة السلامة الموجودة مع كل مادة كيماوية، حيث تشمل محتوياتها وخواصها الفيزيائية، ومعلومات حول المخاطر الصحية للمادة، والخطوات المتبعة في الحالات الطارئة، والاحتياطات الواجب اتباعها أثناء المناولة والتخزين". أما الخبير في مجال الصحة والسلامة المهنية الدكتور محمد الزعبي فيؤكد أن توفير معايير للصحة والسلامة المهنية يجب أن تكون من خلال منظومة كاملة يتشارك في تعزيزها الجميع، لا ان توضع على كاهل صاحب العمل وحده، مبنيا أنها عملية مكلفة يجب أن تساهم فيها الحكومة، ليس فقط بوضع القوانين وإنما بمساعدة أصحاب العمل على توفير شروط الصحة والسلامة المهنية.

إقرأ المزيد : 

اضافة اعلان