لم يعد مشهد انغماس أكثر الناس في شاشات هواتفهم الذكية في البيت والشارع والعمل، بمناسبة وغير مناسبة أمرا مستغربا، فالجميع يرتبط بشبكة الإنترنت كما ترتبط الساعة بعقاربها.
من يتواصل مع أصدقائه عبر مختلف التطبيقات، ومن ينجز أعماله عبر الشبكة، ومن يمضي وقتا بالتسلية والترفيه والبقاء على شبكات التواصل الاجتماعي كلهم ينجزون ذلك عبر هواتفهم الذكية المتصلة بالإنترنت، فيما أصبح كثيرون يعتمدون على "النت" كوسيلة للاتصال بمصادر التعليم والحصول على الأخبار، الأمر الذي وصفه خبراء بأنه يعكس ضرورة الخدمة التي باتت تشكل "رئة "المجتمع والاقتصاد مع التحول الرقمي في كل المجالات.
وأكد خبراء أن الإنترنت أصبح خدمة أساسية لا غنى عنها لا سيما مع دخول الجيل الخامس وتوفير سرعات عالية وتعمق استخدام تقنيات حديثة مثل الذكاء الاصطناعي، ما يطرح تساؤلا كبيرا فيما إذا كانت حياتنا ستتحول كلها إلى "افتراضية" بالكامل خلال السنوات المقبلة.
وشددوا على أهمية تطويع الإنترنت لخدمة الاقتصاد وحياتنا وتجاوز سلبياتها ومخاطرها السيبرانية.
وقال الخبراء إن تزايد استخدام الإنترنت في الأردن يرجع لعدة أسباب منها توافر شبكات وخدمات متعددة في السوق المحلية تتيح خدمات الإنترنت عريضة النطاق والانتشار الكبير للهواتف الذكية وتطبيقاتها وزيادة وعي الناس بأهمية وقوة الإنترنت في التواصل والعمل وهو ما اثبتته بشدة جائحة كورونا.
ووفقا لأرقام رسمية سجلت حركة الإنترنت عبر مختلف الشبكات اللاسلكية والسلكية في الأردن خلال العام الماضي كاملا قرابة 5 مليارات جيجا بايت، بزيادة نسبتها 127 %، وذلك لدى المقارنة مع حجم استهلاك الإنترنت المسجل في العام 2019 (ما قبل الكورونا) والذي بلغ وقتها قرابة 2.2 مليار جيجابايت.
وأكد نائب الرئيس التنفيذي في شركة " اورانج الأردن" رسلان ديريانية أن المتابع لقطاع الاتصالات يرى التغير الملحوظ في حياتنا الاجتماعية والعملية في الأردن مقارنة بشكلها قبل نحو عقدين من الزمن عندما كانت الشبكات محدودة.
وقال ديرانية "اليوم بوجود الإنترنت أصبحنا نتواصل اجتماعيا عبر منصات التواصل الاجتماعي، ونتابع الأخبار عبر الإنترنت، ونتعلم ونبحث ونطور مهاراتنا عبر مختلف المواقع والمنصات التعليمية، أصبحنا نشتري ونتسوق عبر الإنترنت وندفع إلكترونيا ونتنقل عبر تطبيقات النقل الذكي ونتابع أمور حياتنا العملية واليومية بتطبيقات وبرامج لا حدود لها، اعتقد أن الجيل الجديد من الشباب المولود بوجود الإنترنت ستكون جل حياته عبر الإنترنت".
وأكد أن الكثير من الرياديين والشباب استطاعوا خلال السنوات الفائتة من إطلاق مشاريعهم بالاعتماد على الشبكة العنكبوتية.
وأشار إلى أن كل ذلك تحقق مع الانتشار الواسع اليوم لشبكات الإنترنت السلكية "الفايبر" واللاسكية بالجيل الثالث والرابع ما جعل الجميع يندمج بالخدمة ويعتمد عليها في كل جزئيات حياته مع توافر تطبيقات لا حدود لها باتت تعالج كل معاملاتنا وحياتنا.
وأكد أن إطلاق خدمات الجيل الخامس بما يوفره من سرعات وسعات عالية سيسهم في زيادة نشر الإنترنت ونشر تطبيقات لا حصر لها في مختلف القطاعات.
وقال مدير مركز ضمان الجودة والاعتماد في جامعة الأميرة سمية للتكنولوجيا الاستاذ المساعد مهنا مهنا، إن هناك تزايدا في استخدام الناس للإنترنت يوما بعد يوم عازيا الأمر إلى توسع رقعة الاتصال العالمي بالإنترنت ووصوله لمناطق نائية، وتزايد انتشار الهواتف الذكية، ومبادرات الإدماج الرقمي الحكومية.
وأشار مهنا إلى من أسباب تزايد استخدام الإنترنت نمو وسائل التواصل الاجتماعي، وتزايد خدمات التحول الرقمي المقدمة عبر الإنترنت، والاعتماد بشكل أكبر على محركات البحث عبر الإنترنت، بالإضافة إلى الاتصالات الصوتية والمرئية والنصية عبر الإنترنت.
وقال "أدت هذه العوامل إلى وصول المزيد من الأفراد إلى الإنترنت من أجل الاتصال والمعلومات والترفيه والشبكات الاجتماعية".
ويوجد في الأردن 7.6 مليون اشتراك للهاتف الخلوي معظمها تستخدم تطبيقات التواصل الاجتماعي، فيما يبلغ عدد مستخدمي الإنترنت بمختلف تقنياتها السلكية واللاسكية حوالي 11.3 مليون مستخدم.
ويرى المهندس الاستشاري التقني الإستراتيجي هاني محمود البطش أن الإنترنت اليوم أصبح يشكل "مستودعا هائلا للمعلومات" بما تحويه من كم هائل من البيانات المتاحة ما له من تأثير عميق على المجتمع، بما في ذلك الأخبار والبحوث والموارد التعليمية.
وقال البطش "لقد سهلت مستودعات المعرفة على الناس التواصل، والترفيه، والتعلم، والتسوق، وأتاحت الإنترنت للشركات الوصول إلى جمهور عالمي وإجراء المعاملات عبر الإنترنت والقيام بالأعمال، كما أتاحت للناس التواصل مع الآخرين من جميع أنحاء العالم وتبادل المعلومات والأفكار".
وأشار إلى أن الكم الهائل من البيانات المتاحة على الإنترنت صارت تمثل عامل تمكين رئيس للتحول الرقمي. وقال البطش "عملية استخدام التكنولوجيا لتحسين طريقة عمل الشركات أصبحت تعتمد البيانات، ويمكن للشركات تحسين عملية اتخاذ القرار وأتمتة المهام وتخصيص الخبرات وتطوير منتجات وخدمات جديدة يمكن أن يؤدي ذلك إلى زيادة الكفاءة وتحسين خدمة العملاء وفرص جديدة للنمو".
وبين البطش "الدراسات العالمية تظهر أنه من المتوقع أن يصل عدد مستخدمي الهواتف الذكية في جميع أنحاء العالم إلى 5.7 مليار بحلول عام 2025".
وأكد استمرار مشغلي الاتصالات في عمليات استثمار البنية التحتية الجديدة، مثل كابلات الألياف الضوئية وشبكات الجيل الخامس ومراكز البيانات.
وأكد البطش أن الكم الهائل من البيانات المتاحة على الإنترنت له عدد من الفوائد المحتملة، بما في ذلك: تحسين عملية صنع القرار، وزيادة الكفاءة من خلال استخدام البيانات لأتمتة المهام والعمليات، مما يوفر الوقت والمال، وتحسين خدمة العملاء من خلال استخدام البيانات لفهم المتعاملين بشكل أفضل وتزويدهم بتجربة أكثر تخصيصا، يمكن للشركات استخدام البيانات لتحديد فرص جديدة للنمو والابتكار.
وقال "يمكن للحكومات استخدام البيانات لتتبع اتجاهات الجريمة وتخصيص الموارد بشكل أكثر فعالية، كما يمكن للعلماء استخدام البيانات لتتبع التغيرات البيئية وتطوير حلول لمواجهة تغير المناخ".
ومن جانب آخر أكد البطش انه يمكن ان يصاحب توليد الكم الهائل من البيانات المتاحة على الإنترنت عددا من التحديات، بما في ذلك: خصوصية البيانات وتحيز البيانات؛ مما قد يؤدي إلى نتائج غير دقيقة أو مضللة، ويمكن أن يكون الحجم الهائل للبيانات المتاحة عبر الإنترنت مربكا ويصعب إدارته والبيانات التي يتم جمعها عبر الإنترنت قد تكون عرضة للقرصنة والتهديدات الأمنية الأخرى، بالإضافة الى ان استخدام البيانات يثير مخاوف أخلاقية حول كيفية جمعها واستخدامها ومشاركتها.
وقالت الأكاديمية الخبيرة في علوم البيانات الدكتور زهر الساعي "خدمة الإنترنت لم تعد من الكماليات لا بل أصبحت خدمة أساسية لا غنى عنها".
وقالت "المستخدمون من جميع أنحاء العالم والأردن ينشطون على الإنترنت بشكل متزايد في كل دقيقة وساعة ويوم، وذلك يولد كما هائلا من البيانات الضخمه المتنوعة والسريعة التي تزداد يوما بعد يوم، مما يطرح تحديات كبيرة وفرصا هائلة في نفس الوقت".
وأكدت الساعي أن البيانات الضخمة المتولدة عن الإنترنت أصبحت تشكل " نفط العصر الحالي"، بما توفره من معلومات جديدة لاتخاذ القرارات في مختلف القطاعات، مشيرة إلى أن الاستثمار في البيانات يعد اليوم هو الحل الأمثل لكثير من التحديات التي يواجهها العالم ومنها التحديات المناخية، مؤكدة على تزايد التوجه اليوم لتبني واستخدام تطبيقات الذكاء الاصطناعي التي تعد بتغييرات كبيرة في طريقة استخدامنا للإنترنت.
ويصف استاذ علم الاجتماع الدكتور حسين الخزاعي الإنترنت بأنه أصبح بمثابة " الرئة" للاقتصاد وللمجتمع في تواصله الاجتماعي في كل الأوقات، وهو ما اثبتته أزمة كورونا وقت الحجر المنزلي.
وقال "الاستخدامات المتزايدة للإنترنت يجب أن تطوع برشد لخدمة الأفراد والمجتمع والاقتصاد، والتعامل معها بمسؤولية وانتباه لتجنب سلبياتها المحتملة وخصوصا على شريحة الصغار، مع الحرص على أن لا تفصلنا بشكل كبير عن واقعنا الاجتماعي والعلاقات الوجاهية اللازمة لترابط المجتمع والأسرة".
الخبير في مجال الاتصالات والتقنية وصفي الصفدي يرى تنوعا في استخدام الإنترنت في الأردن والعالم وفي جميع تفاصيل حياتنا، التواصل الاجتماعي مثل واتساب، فيسبوك، انستغرام، ماسنجر، وغيرها الكثير من التطبيقات التي قدمت مزايا سرعة التواصل، تقليل كلف الاتصال، المشاركة اللحظية مع الاصدقاء، نشر محتوى، التسويق والوصول إلى قاعدة زبائن جدد تحقيق دخل من خلال الإعلانات.
وتظهر أرقام محايدة أن عدد حسابات الأردنيين على مختلف شبكات التواصل يقدر حاليا بنحو 21 مليون حساب. وأشار إلى أن من أبرز الخدمات التي يقبل عليها الأردنيون مثل يوتيوب، نشر محتوى، مشاهدة محتوى، فيديوهات وغيرها من البرامج التعليمية والتثقيفية ووسيلة لتحقيق الدخل من الخدمة من خلال الدعايات داخل المحتوى الذي يتم مشاهدته، كما أشار إلى خدمات وتطبيقات للاتصال المرئي والعمل عن بعد والتعليم عن بعد مثل " زووم" و " تيمز".
اقرأ المزيد :
تعرَف على الحالة "الرقمية" في الأردن