بينما يتراكم الضغط على الاقتصاد الوطني في ظل تعدد الظروف التي اجتمعت على تثبيط أدائه في السنوات الأخيرة يدعو خبراء إلى تفعيل مبدأ الشراكة مع القطاع الخاص كوصفة للخروج من "عنق الزجاجة".
ويجمع خبراء على أن قدرة الحكومة على الإنفاق على المشاريع الرأسمالية باتت شبه "مشلولة" في ظل انشغالها بتوفير النفقات الجارية مثل رواتب العاملين والمتقاعدين وغيرها.
وتقدر قيمة النفقات الرأسمالية للعام الحالي بما يناهز 1.5 مليار دينار أو ما نسبته 13.9 % من النفقات العامة مقارنة مع 9.86 مليار للنفقات الجارية، علما بأن النفقات العامة المقدرة تبلغ 11.4 مليار.
ويلفت الخبراء إلى أن أفضل الطرق لتوفير التمويل للمشاريع الرأسمالية هو فتح باب الشراكة مع القطاع الأردني الخاص عبر نظام "bot" للستثمار الفائض المالي في مشاريع تعود بالفائدة الحقيقية على الاقتصاد الوطني.
ويؤكد هؤلاء الخبراء لـ"الغد" أن التوجه إلى مشاريع الـ Bot يساهم في تخفيف العبء على الميزانية العامة ورفع الطاقة الإنتاجية وكفاءة الأداء إضافة إلى رفع مستوى الخدمات إضافة إلى توفير وظائف للمواطنين، وترشيد الإنفاق العام.
ولفت هؤلاء إلى حاجة الأردن إلى مشاريع جديدة للنهوض بالبنية التحتية التي استنزفت خلال العقود الماضية، إضافة إلى مشاريع تنموية وتشغيلية تساعد في حل مشكلة البطالة.
وبغية الاستفادة من مشاريع الـBot في تطوير البنية التحتية والخدمية في الأردن، دعا الخبراء إلى ضرورة تمكين القطاع الخاص للقيام بدوره الريادي في تحقيق عملية التنمية الاقتصادية، اضافة إلى معالجة مشكلة البروقراطية، وترجمة قانون الشراكة بين القطاعين على أرض الواقع.
ويقصد بمشاريع الـBOT مشاريع البنية الأساسية التي يتم تنفيذها من قبل القطاع الخاص في أي دولة بعد حصوله على ترخيص من جهة حكومية لتنفيذ مشروع معين، على أن يقوم المستثمر في القطاع الخاص بعد الانتهاء من المشروع بتشغيله وإدارته بموجب الامتياز الذي منحته إياه الدولة، ويكون ذلك محددا بمدة زمنية معينة تتراوح عادة ما بين 30-40 عاما، على أن يتم تمليك الحكومة هذا المشروع بعد انتهاء المدة الزمنية و Bot اختصار لثلاث كلمات هي: بناء (Build) – تشغيل (Operate) – نقل الملكية (Transfer).
ويشار إلى أن مجلس الوزراء كان قد أقر في شهر تموز (يوليو) قانون مشروعات الشراكة بين القطاعين العام والخاص لسنة 2023، والذي جاء لرفع تنافسية الأردن لجهة استقطاب المزيد من الاستثمارات وتحفيزها.
وبموجب مشروع القانون، تعتبر وزارة الاستثمار المرجعية الرئيسة لإدارة مراحل مشروعات الشراكة وطرح عطاءاتها، بالتنسيق مع الجهات الحكومية المعنية، وستنشأ وحدة لمشروعات الشراكة بين القطاعين العام والخاص تحت مظلة الوزارة مع تحديد مهامها وصلاحياتها خلال مراحل مشروعات الشراكة.
وقال وزير تطوير القطاع العام السابق ماهر المدادحة إن "الواقع الاقتصادي في الأردن لا يسمح للحكومة تنفيذ أي مشروعات كبرى، ما يجعل الحاجة ضرورية للتوجه نحو صيغة مشاريع الـ Bot من أجل التخفيف أولا من الأعباء المالية التي تتطلبها هكذا مشاريع، وثانيا من أجل تحسين البنية التحتية التي انهكت خلال العقود الماضية".
وأكد المدادحة أن تنفيذ هذه الصيغة من المشاريع له أثر إيجابي مهم على الاقتصاد الوطني إذ يعزز من فرص النمو الاقتصادي وتوفير المزيد من فرص العمل، إضافة إلى تخفيض العبء المالي على الموازنات الحكومية، فضلا عن تعزيز الاستثمارات، محذرا أن التأخر عن التوجه إلى هذه الصيغة من المشاريع قد يكون له أثر سلبي على حالة إدارة الاقتصاد الوطني والنشاط الاقتصادي لدينا.
وشدد المدادحة على أن الحكومة مطالبة بتعزيز دور القطاع الخاص الريادي في عملية التنمية وإفساح المجال أمامه للدخول في مشاريع الـ Bot.
وأوضح مدادحة أن مشاريع الـ Bot تتميز أنها لا تقتصر على نوع محدد من المشاريع إذ يمكن من خلالها تنفيذ مشروعات متنوعة تدعم وتحقق التنمية الاقتصادية.
ودعا الحكومة إلى ضرورة تغيير فلسفة الادارة الاقتصادية التي تتبعها والتوجه دون تردد لهذا النمط من المشاريع، والعمل بقانون الشراكة بين القطاعين الجديد.
واعتبر الخبير الاقتصادي مفلح عقل أن التوجه إلى هذا النوع من المشاريع بات ضرورة ملحة لسد الفجوة التنموية والخدمية محليا إذ أن التوسع في هذه المشاريع من شأنه أن يساعد في الارتقاء بالبنية التحتية والخدمية، لافتا إلى أننا في الأردن تأخرنا كثيرا عن الركب في هذا المجال.
وأضاف أن قيام هذا النوع من المشاريع يساهم في التخفيض من حجم الالتزامات على الموازنة العامة إضافة إلى تخفيف العبء على المديونية العامة إذ يساعد في الحد من الاقتراض الخارجي الذي تلجأ له الحكومة عادة لتوفير التمويل اللازم لتنفيذ بعض المشاريع، إلى جانب مساعدتها في الحد من مشكلة البطالة من خلال خلقها مزيدا من فرص العمل.
وبين عقل أن تنفيذ مشاريع BoT محليا تصطدم بتعقيدات التمويل، إضافة إلى عدم وجود الخبرة والمعرفة الكافية من قبل الجهات الحكومية للتعامل مع هذا الملف، إضافة إلى المعيقات البيروقراطية، مشيرا إلى أن قانون الشراكة الجديد بين القطاعين العام والخاص يعد خطوة جيدة ويمكن أن يساعد مستقبلا في التغلب على هذه التحديات.
وحول نوعية المشاريع التي يمكن تنفيذها في الأردن أكد الحاجة الى مشروعات في قطاع المياه والنقل إضافة إلى بناء المستشفيات والمدارس وغيرها من المنشآت، موضحا أن هذه المشاريع يمكن لها أن تمدد أيضا حتى إلى القطاع الصناعي كمشروعات المصانع، معتبرا أن القطاع الخاص المحلي لديه القدرة على تنفيذ هذا النوع من المشاريع.
إلى ذلك، قال الخبير الاقتصادي وجدي المخامرة إن "هذا النمط من المشاريع سائد بشكل كبير في مختلف دول العالم وتمكنت كثير من الدول من خلاله النهوض بالبنية التحتية لديها، ولا بد في الأردن أن ننخرط بهذه المشاريع وأن نتوسع بها كذلك في ظل محدوية القدرات الحكومية في الإنفاق على المشاريع".
وأكد المخامرة أن أهمية هذه المشاريع تكمن في أنه يتم تمويلها دون المساس بموازنة الدولة وهذا ما يفسر تفضيل كثير من الدول في التوجه لتنفيذ مشروعاتها من خلال هذا النوع ، اضافة إلى انها تعتبر بديل عن الاستثمارات الاجنبية
واعتبر مخامرة أن هناك أردنيا فرصة كبيرة لتنفيذ العديد من المشاريع المهمة والنوعية من خلال صيغة هذه المشاريع كمشروع الناقل الوطني الذي نحاول منذ سنوات تنفيذه ولم ننجح، إذ يمكن للأردن الاستفادة من هذا النوع من البرامج في تنفيذ مشاريع ضخمة ونوعية كمشروع النقل الوطني الذي طال انتظار تنفيذه، إضافة إلى تطوير شبكات الطرق وإنشاء سكك حديد، عدا عن إمكانية تدشين مشاريع تنموية وتشغيلية.
ولفت مخامرة إلى أنه على الرغم من أن بعض هذه المشروعات يمكن تنفيذها من قبل القطاع الخاص المحلي كشبكات الطرق، إلا أن بعض المشروعات الضخمة تحتاج إلى موارد وإمكانات كبيرة لا يمكن تنفيذها إلا من قبل شركات عالمية كالسكك الحديد ومشروع الناقل الوطني؛ لقدرة الشركات العالمية والدولية على تحمل الكلفة المالية وتحمل إداراتها واستقطاب التكنولوجيا العالمية الخاصة بتنفيذها.
اقرأ المزيد :
ماذا بعد صدور قانون مشاريع الشراكة بين القطاعين العام والخاص؟