آلهة الخصوبة والخير تعود إلى اليمن بعد 11 عاماً من تغربها في أميركا

    صنعاء- أقامت وزارة الثقافة والسياحة بالمتحف الوطني بصنعاء احتفالية خاصة بمناسبة تسليم واحدة من أهم القطع الأثرية المفقودة وهي عبارة عن تمثال رخامي لآلهة الخصب (ذات حميم) التي يعود تاريخها إلى القرن الرابع الميلادي، والذي تم تهريبه من متحف عدن "420 كلم جنوب صنعاء" في العام 1994م إبان حرب الوحدة والانفصال حينها.

اضافة اعلان

   وفي الاحتفالية التي حضرها العديد من الآثاريين والمهتمين تم تسليمها لوزير الثقافة والسياحة القطعة الأثرية للدكتور عبدالله سالم باوزير رئيس الهيئة العامة للآثار، مؤكداً على الاهتمام الكبير الذي أولاه الرئيس علي عبدالله صالح لاستعادتها مع العديد من القطع الموجودة خارج اليمن والتي تم تسريبها من البلاد بطرق غير مشروعة خلال فترات ماضية، مشيراً إلى انه سيتم إعادة هذه القطعة الثمينة من التاريخ اليمني العريق إلى مكانها في متحف عدن، حيث وضع مكانها الآن صورة فوتوغرافية التقطت له قبل سرقتها من المتحف.

   يشار إلى أن آلهة الخير والخصوبة كانت ضمن معبد الإلهة "ذات حميم" في مديرية دوعن محافظة حضرموت والذي يتكون من مجمع تعبدي يضم أربعة مبان، بنيت أساساتها من الأحجار وجدرانها من الهياكل الخشبية التي ملئت فراغاتها باللبن لتصبح الجدران قوية، ويعتبر اللبن الطين المادة الرئيسية للبناء في حضرموت منذ ما قبل القرن السابع قبل الميلاد، وجدران هذا المعبد أقيمت بهذه المادة، ويتميز بخفته وقوة تماسكه، ولم يكن اللبن فقط المادة الوحيدة، بل كان للأخشاب مكانة مهمة في بناء الجدران والسقوف.

   وفي هذا المجمع التعبدي عُثر أثناء التنقيب على بقايا هياكل خشبية وساعدت النيران التي التهمت المعبد على حفظ تصاميم هياكل الأخشاب واستعملت أعمـدة خشبية ذات مقاطع دائرية ومستطيلة ومربعة، وكان المعماريون يضعون على أسس البناء الحجرية أعمدة قصيرة متوازية تفصل بينها فواصل غير كبيرة، وعليها توضع عوارض خشبية طويلة ومع هذه العوارض توضع أعمدة خشبية مقاطعها دائرية وأقطارها حوالي (12 سم)، وتربطها في أسفل وفي أعلى عوارض خشبية والتي بدورها مثبتة بأعمدة طويلة وبهذا يشكل الهيكل الخشبي التي تستند عليه جدران اللبن.

   وقد تم عمل نموذج تخيلي للكيفية التي كان بها هذا المجمع التعبدي الذي يكاد أن تكون معالمه اليوم مطموسة. وقد عثرت البعثة الآثرية أثناء التنقيب في هذا المعبد على الكثير من النقوش وجدت متناثرة داخل مباني المعبد، في واجهة الجدران التي غطيت بقطع حجرية مصقولة منحوتة بشكل جميل ومتقن، وملصقة واحدة جنب الأخرى، بطريقة متناسقة، وعليها حفرت النقوش المكرسة للإلهة التي يتحدث فيها أصحابها عن تقديم القرابين للمعبد، ويضعون أنفسهم وأولادهم وما يملكون تحت حمايتها، ويحتمل أن الأحجار المنحوتة والمصقولة التي تغطي الجدران، وقد عملت على حساب المتعبدين لهذه الإلهة في هذه المدينة وخصوصاً العائلات الغنية وبعض الأسر ذات الوجاهة، ومن بين كتّاب هذه النقوش يبدن بصورة خاصة نساء كثيرات، ولهذا فإن تقديم الأحجار المصقولة للزينة الجدارية للمعبد كانت تعد تضحية للإلهة وتقديم قربان لها، لذا فالنقوش التي كتب عليها ( فلان الفلاني قدم ضحى للإلهة ذات حميم)، ولم يوضح ذلك الشخص ماذا قدم بالضبط، فهي لا تدعو للدهشة لأنه في الواقع قدم مبلغاً من المال لتجهيز جزء من الحجارة للزينة الجدارية للمعبد، وهو الجزء الذي كتب عليه إهداؤه، وهكذا كان ما يقدمه المتعبدون عبارة عن تجهيزات معمارية ومواد بناء وغيره، أما المتعبدون الأغنياء والوجهاء، فقد قدموا مبالغ مالية سخية لتغطية أجزاء كبيرة من الجدار بالأحجار المصقولة للزينة الجدارية.

   ومن خلال معطيات النقوش، فقد وقف معبد الإلهة ( ذات حميم )، متحدياً للزمن لفترة تزيد على ستة قرون قبل أن يتعرض للهدم والتخريب وعلى امتداد هذه الحقبة الزمنية أعيد بناؤه وترميمه وتغيير قطاع الحجارة التي تزين جدرانه مراراً وتكراراً، والنقوش التي تعود إلى الفترة المتأخرة والتي قدمت معطيات أكثر تفصيلاً في محتواها، كالنقش الذي قدمه شخص يدعى(ث م أ ك هـ م و) وهو نقش وجد في جدران المعبد الداخلية، وفي مثل هذه النقوش المتأخرة، تتحدث عن تقديم قرابين لتحقيق ما وعد به الشخص الإلهة، أو لأجل تقديم اعتذار لما أرتكبه الشخص من أخطاء أو ذنوب.

   وقد تعرض هذا المعبد للخراب بنيران الحروب، وكثيراً من النقوش حملت معها آثار الحريق، واحترقت أعداد كثيرة منها.