تتوالى المشاهد المغلفة بقالب روحاني مميز قبيل أيام عدة، وصدحت العديد من الأناشيد والأهازيج من مكبرات الصوت في الإذاعات المدرسية، وزينتها الكلمات الطفولية التي تحاكي حب النبي عليه الصلاة والسلام، وترسيخ السير على خطاه في الأخلاق الحميدة التي جاء عليه السلام لـ"إتمامها"، لنكون خير أمة أخرجت للناس.
اليوم، الذي يصادف ذكرى المولد النبوي، بحسب التقويم الهجري في الثاني عشر من شهر ربيع الأول من عام الفيل، كما هو متعارف عليه، يحرص الكثيرون على أن يكون هذا اليوم ذا ميزة خاصة، يحتفي به المسلمون من كل بقاع العالم، كل حسب عاداته وتقاليده، إذ قد تقوم بعض الدول الإسلامية بعمل احتفالات ومحاضرات وندوات تتحدث عن النبي الكريم، وسرد سيرته العطرة.
وفي الأردن، وفي كل عام من هذا التاريخ الهجري، يتم الإعلان عن عطلة رسمية في هذا اليوم، لتسارع الكثير من الجهات الرسمية والأهلية إلى تنظيم الفعاليات المختلفة التي تحاكي المناسبة العطرة، بقالب روحاني، تكثر فيه الاقتباسات للأحاديث النبوية، عدا عن الطقوس الأخرى التي تتميز بها دول العالم الإسلامي.
وتبدو مظاهر الاحتفالات واضحة في المدارس والمؤسسات التعليمية والجمعيات الخيرية، وفي المساجد كذلك، والمحال التجارية، وذلك من خلال التوزيعات التي يتم تقديمها من الطلبة، والتي يتم تحضيرها من قبل عائلاتهم، والتي تعتمد على توزيع الحلوى المختلفة، المروسة بأوراق عليها عبارات ودعوات.
وبينما طغت الأجواء المبهجة الاحتفالية الروحانية في مختلف مدارس المملكة لأيام سابقة، تعمدت الطالبة جود مرعي أن تحضر أنموذجا قامت بإعداده بمساعدة والدتها، يحاكي من خلال الرسومات والمجسمات الصغيرة سيرة النبي عليه السلام، وقامت بشرحها لزملائها الطلبة، بعد أن تدربت عليها لأيام من قبل والدتها.
وتقول والدة جود، إنها في كل عام تساعد أطفالها للتحضير لمختلف المناسبات العامة التي تحتفي فيها المدرسة، سواء أكانت دينية أو وطنية أو ثقافية، وترى أنها تتعمد الاهتمام بهذه المناسبة تحديداً، لما لها من أثر في نفوس الأطفال الذين "يتشربون من الأهل المعلومات والحقائق الدينية وتعليمها لهم بطريقة مناسبة تدعو للمحبة والتسامح"، إضافة إلى رسم الفرحة في نفوس الأطفال، وربط ذكرى المولد النبوي بالفرح والبهجة، فهي من أعظم المناسبات الدينية في التاريخ الإسلامي.
محمد ساري، صاحب أحد المحال التجارية الصغيرة، ومنذ أيام، بدأ بتوزيع عبوات المياه، وبعض أنواع الحلويات على زبائن المحل، ويقول إنها باتت "عادة" يقدم عليها منذ أعوام عدة، وفي كل عام يحاول أن يغير في طبيعة الاحتفاء الذي يبث الفرح في قلوب الأطفال في المحل التجاري، عدا عن ذلك، فيها تذكير بالقيم النبوية الحميدة من سيرة النبي الكريم.
ومن خلال هذه العادة أو التقليد، تحرص المحال المجاورة على تعميم هذه الأفكار الاحتفالية، كما في الشركات و"المولات التجارية"، كما أن البعض يعمد إلى تحضير توزيعات تعبيرية للاحتفال في أماكن عملهم الوظيفية، لإضافة البهجة والسعادة بذكرى المولد النبوي في الأجواء، وأن يكون يوماً مميزاً يستذكره المسلمون في كل عام، وعلى مدار العام كذلك.
وبإحدى الجمعيات الخيرية في محافظة السلط، تتحضر مجموعة من السيدات الناشطات لتنظيم حفل بالمولد النبوي، يتم فيه دعوة إحدى الواعظات لتتحدث عن السيرة النبوية وذكر المواعظ والأحداث التي بدأت منذ ولادة الرسول والسيرة على مراحلها المخلتفة، كما تتشارك السيدات الحاضرات في عمل احتفال "متواضع" يتم من خلاله كذلك دعم السيدات المنتجات في المنطقة، ليكون موعداً يجتمع فيه الحديث عن العمل وإتقانه كما وصى الرسول، بالإنتاج والسعي للرزق.
وتبعاً لذلك، تقوم محال الحلويات المختلفة في المملكة، بتحضير أشكال وأصناف مختلفة جاهزة للتوزيع في مختلف الأماكن، حيث يحرص كثيرون على تبادل الهدايا والحلوى فيما بينهم، خلال هذا اليوم، كونه بات تقليداً متعارفا عليه، لتكون تلك الأجواء تطغى على الكثير من الجوانب الحياتية التي يمكن ملاحظتها، إذ يتسيد "المشبك" توزيعات هذا اليوم، الذي يعد الحلوى الشعبية التقليدية لدى العديد من الدول العربية، وبخاصة "مصر وبلاد الشام".
ورغم الكثير من الاختلاف في وجهات النظر فيما يتعلق بطبيعة الاحتفاء بذكرى المولد النبوي، يرى أستاذ الفقه والدراسات الإسلامية الدكتور منذر زيتون، أن هذه الفعاليات على اختلافها، وبمحافظتها على طبيعة المناسبة التي يتم الاحتفال بها هي أمر جيد، بل وفيه من الأهمية الفائدة الكبيرة التي يمكن أن تنعكس على المجتمع وعلى الأجيال المتعاقبة، كونها جزءا من التذكير بعظمة البعثة النبوية منذ ولادة النبي عليه السلام.
ويرى زيتون، أن الأطفال الذين يتم التركيز عليهم في الاحتفال بالمولد النبوي من خلال المدرسة والإذاعة المدرسية صباحاً يجب أن يكون بطريقة مناسبة لهم، بحيث تتناسب مع الفرح والبهجة بهذا اليوم وفعالياته، وأيضاً توصيل المعلومات النبوية لهم بطريقة تجعلهم يفكرون ويربطون الأحداث، ويستشعرون مدى أهمية حب النبي عليه السلام، والسير على خطى سنته النبوية في الأخلاق وحتى في أبسط تفاصيل الحياة.
كما ينوه زيتون إلى أهمية ألا تكون هناك مبالغة في الاحتفالات، كما تقوم بعض المؤسسات أو المحال التسويقية، حتى لا تطغى مظاهر الاحتفال على الفكرة منه، بل أن يكون هناك تركيز على المواعظ والحكم والأحاديث النبوية التي يمكن أن يتم استقصاؤها من السيرة النبوية العطرة.
ويعتقد زيتون، أن السرد النبوي من خلال القصص والأفكار المبسطة قد يكون كذلك من الطرق التي تجذب الناس من مختلف الفئات، سواء كانوا طلبة أو حضورا في تجمعات، حتى يكون هناك ضمان لإيصال الفكرة والمعلومة، خاصة وأن هناك فرصة لبث تلك الاحتفالات عبر مواقع التواصل الاجتماعي ووصولها إلى أكبر قدر ممكن من الناس، لتكون رسالة نبوية فيها الكثير من القدوة والحديث عن عظم السيرة النبوية.
اقرأ أيضاً:
المقاصد يحتفل بذكرى المولد النبوي الشريف
قصر الحسينية يشهد فعالية دينية بذكرى المولد النبوي حضرها الملك - فيديو
ذكرى المولد النبوي مدرسة إيمانية للتزود بالقيم والمبادئ الإسلامية