فيضانات ليبيا
زلزال المغرب ومن قبله زلزالا سورية وتركيا
صيف حار ودرجات حرارة غير مسبوقة تجتاح جميع دول العالم!
ظواهر جوية متطرفة في أماكن مختلفة من العالم.
شتاء جاف ينتظر العديد من الدول التي كانت تمتاز بشتاء ماطر، وهطولات مطرية في فصل الصيف في مناطق كان صيفها يوصف بالحار والجاف "وصار فعلا معقول تشتي في آب!".
هذه العناوين وغيرها الكثير تتصدر الأخبار التي تتناول قضايا الطقس والتغير المناخي من جهة، ومن جهة أخرى، نرى عناوين أكثر رعبا تتصدر أخبار الصحة والأمراض، وأذكر من بينها "تسونامي أمراض من بينها السرطان يجتاح العالم!".
لم يعد يخفى على أي منا، أن التحديات التي نواجهها فيما يتعلق بالبيئة والصحة أصبحت أكبر وأكثر تعقيدا من أي وقت مضى. وتؤكد جميع الظواهر التي نعيشها أن التدخل المباشر لم يعد خيارا، بل ضرورة ملحة ومسؤولية واجبة على الأفراد والمجتمعات والمؤسسات وصانعي السياسات.
ومن هنا، نرى قضية التغير المناخي تتصدر خطابات قادة العالم في اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، والذي يعد أحد أهم الأحداث العالمية التي تتناول أولويات الدول وقادتها.
وحتى لا تبقى تلك القضايا مجرد عناوين وشعارات على ورق، يأتي دور مؤسسات المجتمع المدني والمنظمات غير الحكومية بوضع خطط وآليات واضحة وحملات تغيير سلوك تستهدف الأفراد والمجتمعات المحلية برسائل توعوية توضح أثر السلوكيات اليومية على مناخنا وصحتنا ومستقبل أولادنا.
لكن التساؤل الحاضر دائما في حوارنا حول أثر سلوكياتنا الفردية على البيئة، وبالتالي على صحتنا "معقول بتفرق؟"، هل يعقل أن تؤثر السيجارة وعوادم السيارة ودخنة الأرجيلة في زيادة نسب غاز ثاني أكسيد الكربون في الجو والتغير المناخي والبصمة البيئية؟ هل يعقل أن يكون للمواد الكيماوية من مواد تنظيف ومبيدات ومعطرات أثر على جودة هوائنا ومياهنا وتربتنا؟ وهل يعقل أن تؤثر سلوكياتنا اليومية في هدر الطعام على الأمن الغذائي العالمي والإلقاء بالملايين من الأطفال حول العالم نحو المجاعات؟
وهل هناك أي علاقة بين هذه التغيرات وزيادة نسب الأمراض وخاصة السرطانات؟
الإجابة المباشرة: "أكيد بتفرق"؛ حيث يعد التغير المناخي من أكبر التحديات التي تواجه البشرية. ولعل من أهم تلك التحديات جودة الهواء وتأثيرها على الصحة؛ حيث تظهر الدراسات أن الهواء الملوث بمواد كيميائية ضارة، يمكن أن ذلك إلى تدهور صحتنا وزيادة احتمالية الإصابة بالأمراض. من بين هذه الأمراض، يبرز السرطان.
ويعد التدخين بأشكاله كافة -وخاصة في المنازل والأماكن المغلقة- أحد التحديات الرئيسية التي تعيق جهودنا في الحفاظ على جودة الهواء؛ حيث يعد التدخين أحد أكثر مصادر التلوث الداخلي ضررا وتأثيرا، وتنتج عنه انبعاثات تتضمن غاز أول أكسيد الكربون والأمونيا ومركبات عضوية. هذه المواد تتناقل في الهواء وتتراكم بسرعة.
هذا يعني أن الأفراد الذين يعيشون في المنازل التي يتم فيها التدخين قد يتعرضون بشكل مستمر للملوثات الداخلية.
هذا التلوث يمكن أن يتسبب في مشاكل تنفسية، مثل الربو والتهاب الشعب الهوائية. إضافة إلى ذلك، يزيد التدخين داخل المنازل احتمالية الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية. ومن المعروف أن جميع أنواع التدخين وأشكاله مرتبطة بزيادة الإصابة بسرطان الرئة. وغالبية مرضى سرطان الرئة لديهم تاريخ قوي في التدخين (حوالي 85 %). كما يعد التدخين السلبي أيضا عامل خطر كبيرا للإصابة بسرطان الرئة، خاصة عند غير المدخنين.
كما تظهر الدراسات الدولية، أن عوادم السيارات سبب رئيسي آخر لتلوث الهواء، فكمية الغاز الناتجة عن (1000) سيارة تعادل (4) أطنان من الملوثات التي تتراكم في الهواء والتربة والمياه من حولنا وتدخل لأجسادنا مسببة العديد من الأمراض والأوبئة، وعلى رأسها السرطان.
وأمام هذا الواقع الذي نعيشه وبات يشكل خطرا حقيقيا على صحتنا وعلى مستقبل أولادنا، لا بد من تقديم حلول عملية وقابلة للتطبيق يكون السلوك الفردي محورا أساسيا فيها وندرك بأنه فعلا "معقول بتفرق؟"، هذا السؤال يأخذنا في رحلة إلى إدراك أن أفعالنا اليومية تلعب دورا كبيرا في تحسين جودة الهواء والصحة، وبالتالي تغيير العالم.
ولأن التغير المناخي ليس مسؤولية الحكومات والشركات فقط، أطلقنا مبادرة "فكر بالأخضر"، وهي دعوة للجميع لتبني نمط حياة صحي وصديق للبيئة من خلال: تقليل استهلاك الطاقة، والتوجه نحو خيارات أكثر استدامة، مثل استخدام وسائل النقل العامة والجماعية والمشي قدر الإمكان، إضافة للصيانة الدورية للمركبات، وفي حال القدرة المالية التوجه نحو السيارات الكهربائية، ومن ناحية أخرى، لا بد من جهد وطني جماعي لمنع التدخين في الأماكن العامة والحد من التدخين بأشكاله كافة في الأماكن المغلقة والبيوت، إضافة إلى ذلك، لابد من التقليل من استخدام المواد الكيماوية مثل المنظفات ومعطرات الهواء والمبيدات الحشرية قدر الإمكان والتوجه نحو البدائل الآمنة والأقل ضررا على الصحة والبيئة.
كل ذلك يمكن أن ينقذ الكثير من الأرواح ويحسن جودة حياتنا.
لن يكون هذا التغيير سهلاً، ولكنه ممكن. لنتحد معا ولنتحدث بأفعالنا، ولنضع بصمة إيجابية على العالم. "معقول بتفرق؟" نعم، بالتأكيد تفرق، وذلك الفارق سيكون واضحا في عالم أفضل وصحة أفضل للجميع ونعمل نحو بيئة صحية ضد السرطان.
نسرين قطامش
مدير عام مؤسسة الحسين للسرطان
اقرأ أيضاً:
نزوح 36 ألف شخص بسبب فيضانات ليبيا