جميلة طالب تدون بريشتها حكايات الشوارع القديمة

جميلة طالب أمام إحدى الجداريات التي قامت بتنفيذها- (من المصدر)
جميلة طالب أمام إحدى الجداريات التي قامت بتنفيذها- (من المصدر)

 بين شوارع عمان القديمة وأدراج وسط البلد، تحمل العشرينية جميلة طالب ألوانها وريشتها، مستعينة بسلمها لتصل إلى الجدران الجانبية، حيث تعبر عما يجول بخاطرها في قصص وحكايات تجمل المكان، وسط إعجاب المارة الذين اعتادوا الوقوف والتأمل بالجداريات التي قامت بتنفيذها.

اضافة اعلان


ترسم طالب الفرح في أزقة عمان، ناثرة بألوانها البهجة على تلك الشوارع العتيقة، فتعيد لها الروح والدفء، كما وتروي للمارة أفكار ومواضيع رسوماتها، يتخللها فرح وألم وأمنيات وأمل.


وتقول طالب، "اتصال روحي يربطني بالريشة والألوان وتحاكي مكنونات نفسي"، فتواصلها الدائم مع روحها والذائقة الفنية التي نمت في داخلها بالفطرة منذ صغرها كان ذلك الناقوس الذي دق في داخلها ودفعها لدراسة الفنون لتنمية مواهبتها وصقلها لترى النور.


حققت طالب حلم الطفولة بدراسة الفنون البصريّة في الجامعة الأردنية التي تخرّجت منها رغبة منها في احتراف الفن البصري، بعد أن اختبرت العديد من المجالات في حياتها وعلمت أنها شخصٌ مُتصلٌ مع روحه، بحسب وصفها، وجاء هذا الاتصال بعد أن تعرّفت على نفسها بكل مرةٍ جرّبت فيها شيئاً جديداً وخاضت شيئاً جديداً سواء كان في مجال الفن أو خارجه. 


والحس الفني الذي تتمتع فيه طالب ساعدها على فهم ذاتها وترجمة الأشياء التي تسكنها بصورٍ بصرية فنية ذات رموز بمعانٍ مُعيّنة، معتبرة فهمَ وتقبّل الذات أحد أهم أسباب القدرة على التعبير عمّا في داخلها.


وبما أن المؤثّر الأول في حياة الطفل بيئته وعائلته، جاء تأثُّر طالب وحُبها للفن حين رأت شقيقتها الكبيرة وهي ترسم، فعلِق في ذهنها، حتى أصبحت حصتها المُفضلة في المدرسة هي الفن.


وتقول طالب، "دائما كنت أحظى بكلمات الاطراء من معلمات الفن، كما أن تحفيز زميلاتي بالصف جعلني أشعر دائماً أن الفن سيكون سبباً في تميّزي بين أقراني ومُحيطي".


ظلّ تخصص الفن حُلم طالب وكانت تقول دائماً أنها تريد أن تصبح فنانة، فلم يمرّ في خيالها يوما كباقي الأطفال بمهنة الطب أو الهندسة أو الطيران، أو تتمناها حتى، فقط كانت تحلم بأن تصبح فنانة فحسب.


وتتابع،" الحمدلله هذا ما أصبحتُ عليه بعد دعم عائلتي.. أخصّ بالذّكرِ فيه أمّي وخالي أحمد"، ففي سن الثالثة عشرة أخذتها والدتها إلى مكتبةٍ كبيرة وقالت لها "اشتري ما تريدين" فمن هنا بدأت استخدام أدوات أكثر حرفيّة، في حين تكفل خالها أحمد بتكاليف دراستها الجامعية كاملة، ليمكنها من تحقيق حلمها والوصول إلى ما تتمناه.


تفضل طالب الرسم في بيتها، حيث زاويتها الفنية التي تشعر براحة كبيرة  بها، ولكن تفضل في بعض الأحيان الخروج والاستمتاع بالهواء والطبيعة لترسم لوحاتها.


خروج طالب للشارع للرسم كان له نتائج مثمرة، ففي كثير من الأحيان كان يطلب منها بعض المارة أن تقوم برسمهم، في حين يطلب آخرون منها بعض لوحاتها المعروضة، فضلا عن الكثيرين الذي كانوا يقفون ينظرون لتفاصيل لوحاتها أو تنفيذ جدارياتها، وهي ترسم مبدين إعجابهم الكبير بفنها.


إلى جانب اللوحات الفنية التي ترسمها الطالب، انطلقت للرسم على الجدران في الشوارع، وكان في البداية رغبة وأصبح مع الوقت موهبة حيث روت بألوانها الكثير من القصص، وأوصلت العبر والدروس بريشتها وألوانها وهو ما يطلق عليه "فن الشوارع"، وفق وصفها.


وترى طالب أن فن الشارع أكثر ما يؤدي الرسالة، فالفن لعامّة الشعب بجميع أطيافه لا يقتصر على طبقةٍ تنعَم بفائضٍ من المال أو مَن يعرفون كيف يُضفون كلماتٍ أعجمية على لغتهم العربية، كما أنه لا يُحدَّد بعُمرٍ مُعيّن.


وتلفت طالب أن فن الشارع يوجه الرسالة لذلك العمّ البسيط الذي يُحبّ الاستمتاع والنظر إلى تلك الفنون والتعبير عمّا تُثيره داخله من مشاعر دون الاضطرار لتنميق الكلام واستذكار اسماء فنانين أو لوحات عالمية، يكفي ما تُحدِثه تفاصيل اللوحة أو الجدارية في قلبه..


وهو كذلك للطفل الذي يرى حلمه مُمتثِلاً أمامه بأن يصير إلى ما صار إليه هذا الفنان الذي يُزيّن شوارع المدينة بأسلوب جميل.


وتعتبر طالب فن الشارع فرصة للفتِ النظر إلى الأشياء أو الأشخاص الذين يستحقون الخلود في الذاكرة، ليس القصدُ تعظيمهم كأشخاص أو تقديسهم إنما لاستذكار ما تركوه عالقا في ذاكرة الناس قبل رحيلهم.


عناوين طالب في الرسم لم تكن عشوائية تماما كما هي غير مقصودة، معتقدة شيئا يعبّر عنه هو بالأساس يسكن دواخل الإنسان وبالتالي عاش تجاربا فيه، فيأتي التعبير تبعاً لذلك. 


وتقول، "مواضيعي كثيرة وأحرص على التنويع لأن الفن يستطيع أن يشمل أي شيء ويُعبّر عنه بطريقة مقبولة ولطيفة عن أي شيء"، مبينة أنها لا تفضل حصر نفسها في موضوعٍ مُعيّن، لاسيما وأنها خاضت تجارب في مواضيع إنسانية ومُجتمعية ونفسية وفي السياسة أيضاً، ولا تخلو من محاولات في عكس جمال الطبيعة.


إلى جانب مشروعها الفني الفردي تشارك طالب في الكثير من المبادرات الفنية، كمشروع رسم جداريات العبدلي مع مؤسسة ولي العهد وشركة الحكمة، وغيرها من المبادرات التي أثارت إعجابها وانضمت إليها.


حصلت طالب على العديد من الدورات، وهنالك دورات عديدة في مجال الفن، لكنها تفضّل التعلّم الذاتي أو تبادل الخبرات مع أصدقائها، ففي الفترة ما قبل الجامعة أخذت دورةً في تعلّم أساسيات الرسم كي تكون مستعدة للنجاح في امتحان الكفاءة في كلية الفنون، وفي الجامعة تعلّمت أن إتقان الفن خاصةً يحتاج إلى الجهد الذاتي في الممارسة الجادّة والمُستمرّة. في حين تسعى اليوم للخوض في مجال العلاج بالفن، والخط العربي، والرسم الرقمي (Digital Art).


وعند الحديث عن التحديات والعقبات التي واجهت طالب خلال مسيرتها الفنية، تلفت إلى أن مجال الفن كأي مجالٍ آخر فيه من التحديات ما يؤثّر سلباً على أصحابه، " لكن أقول شخصيّاً أن تعلّقي في الفن و إيماني فيه وحُبّي له يدفعني للاستمرار". 


ولعل أهم التحديات لدى المجتمع، التقليل احيانا من اهمية هذا الفن، مستشهدة بموقف، "في إحدى المرات حينما كنتُ أرسم جدارية في شارع رئيسيّ مع اصدقائي كانت السيّارات تمرّ ومن أصحابها مَن كان يُلقي على مسامعنا ما يُزعجنا.. فوقف شخصٌ غاضبٌ مرة وقال: "ليش بتضلكم تخربشوا عالحيطان وتخربوها!" "و غيرها من التعليقات للأسف، و كأن الفن ذنباً وسبباً في التخريب لا في الإصلاح والتجميل".


وتبين أن التقليل من قيمة الفن ينعكس على الفنان سلبا، وتطمح أن تكون من خلال فنها سبباً في تثقيف مَن حولها في الفن وأهميّته، لذلك تحرص على إعطاء حصصاً للأطفال في الأماكن الأقل حظاً والمراكز المختلفة، كما وتقوم بتصوير المُقابلات للحديث عن الفن ومجالاته، وتذكر دائما بدور الفن في مجال العلاج النفسي أو التعليم الأكاديمي وحتى في مجال السياسة والاجتماع وغيرهم، كما وتطمح أن تستمرّ في التطور في الفن وتتقن جميع جوانبه.




جانب من لوحات جميلة طالب- (من المصدر)

 

اقرأ أيضاً: 

بتول ادعيس تتبع شغفها بالفن وتحاكي تمتمات السكان بلوحاتها