العدالة أن يتساوى جميع البشر وتنتهي "العنصرية"

7c9f7b14-استطلاع-ينذر-بشلل-سياسي-في-إسرائيل-بعد-الانتخابات-الجديدة
نتنياهو

لن يكون للعدالة وجهها الإنساني الناضر إذا لم تشمل جميع البشر ستكون منقوصة إذا تمتع البعض وحُرم منها البعض الآخر. 


في عالم اليوم اختلفت المعايير، القوي يستبيح الضعيف. لغة “التسامح” باتت في عُرف العصر لغة الضعفاء هكذا فهمها الإمبرياليون والعنصريون. فهموا “التسامح” توسلاً واستسلاماً، وفهموا “الأريحية” على أنها نكوص وتخاذل، وفهموا “الرحمة” تنازلاً عن الكبرياء. 

اضافة اعلان


قبل أيام استمعت إلى واحدٍ من أنصار هذه “العدالة” المقموعة في عصرنا وهو يتحدث إلى فضائية عربية. إنه مارسيل برودوم عضو مجلس الشيوخ الكندي السابق، كان حديثه مُترعاً بالألم، مثقلاً بالحزن، هو متألم من “عنصرية” باتت تذرع العالم دون أن تخشى معارضة حقيقية من أنظمة عالمية مستكبرة. متألم من “معايير مزدوجة” يتعامل أصحابها مع حقوق البشر. مارسيل برودوم يروي لنا وهو الفرنسي الأصل، كيف كان ومجموعة من رفاقه أيام الشاب على وشك التطوع مع الجنود المصريين لصدّ العدوان البريطاني/ الفرنسي/ الإسرائيلي على مصر عام 1956. 


يقول: كان انتهاكاً صريحاً لحقوق سيادة بلد، ذنبه انه يمارس حقه السيادي على أرضه. وباستنكار ما بعده استنكار، يدين رجل السلام العالمي هذا الدعم الأميركي لإسرائيل التي تحتل أرضاً ليست لها، مبررة هذا الاحتلال بمزاعم توراتية لا أساس لها من الصحة! وبسخرية ومرارة يقول متهكماً: “لماذا لا تجعل أميركا “إسرائيل” الولاية الواحدة والخمسين من مجموع ولاياتها!؟ 


إن إسرائيل تضرب وتحارب بسيف أميركا. تنتهك حقوق الإنسان بمباركة أميركية لا حدود لها. 


ثم يتساءل برودوم: أليس غريباً أن تنشر بعض الصحف الأميركية إعلانات إسرائيلية عن شقق للبيع على شاطئ البحر وفي قلب إسرائيل؟ ويمضي متسائلاً: أليست هذه الشقق والبنايات مقامة على أرض محتلة أصحابها هم الفلسطينيون؟ 


وبسخرية أيضاً، يستغرب عضو مجلس الشيوخ الكندي السابق كيف يسمح الرئيس الأميركي لنتنياهو رئيس وزراء إسرائيل ان يوجه له “صفعة” حين يستخف بتصريحاته التي تطالب بوقف “الاستيطان” في الضفة الغربية المحتلة، بما فيها القدس الشرقية؟ 


وحين سُئل برودوم، إن كانت مواقفه هذه قد ألّبت عليه الصهيونية العالمية وإسرائيل وحلفاءها، أجاب: إني لا اهتم بذلك “أنا لست ضد اليهود واليهودية” ولست منحازاً للفلسطينيين على حساب اليهود، ولكنني مؤمن بِـ “العدالة الإنسانية”، فليس من العدل أن يُعاني شعب من هضم حقوقه من قبل شعب آخر! 


وفي رده عن سؤال يتعلق بالواقع الفلسطيني أجاب: إني “أرجو” الفلسطينيين أن ينبذوا الفرقة والاختلاف لأنهم بموقفهم هذا يعطون المبرر للإسرائيليين لإعلام الرأي العام العالمي أنهم لا يجدون شريكاً حقيقياً من الفلسطينيين يتفاوضون معه! 


ما قاله هذا الرجل ينبغي أن يستوعبه الفلسطينيون وكل العرب الآخرين، فلا يجوز أن يُسمح لإسرائيل وحُماتها من الإمبرياليين بِـ “شطب” الوجود الفلسطيني من حيث “السيادة” وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة على أرضه التي تم احتلالها عام 1967! 


لا يجوز أن يتم توارث الفكرة الصهيونية القائلة– وفق منظور الزعيم الصهيوني هيرتزل- “سندفع ذات يوم بكل الفلسطينيين “عبر الحدود” هي السائدة في إسرائيل العنصرية! 


وهُنا أود أن أروي ما ذكره المفكر الراحل هشام شرابي حين زار وطنه المغتصب فلسطين عام 1993 بعد عقود طويلة من الغياب القسري. يقول: “في خريف 1993، وخلال عودتي الأولى إلى فلسطين منذ 1947، أخبرني “عموس اوز” الروائي الإسرائيلي المعروف وزعيم حركة “السلام الآن” حين وقفنا معا أمام منزلي السابق في يافا– ويسكن فيه الآن أستاذ جامعي إسرائيلي مع زوجته وابنهما: “لو لم يحارب الفلسطينيون، لكانو الآن يسكنون في منازلهم”. 


وهنا يتساءل شرابي: “وفي حين يجد المتحررون أمثال “اوز” ومن هم في مكانته أنه من الصعب التغلب على فكرة نكران اليهود لما حدث فعلاً في فلسطين، فكيف يمكن إذا تحقيق مصالحة حقيقية بين هذين الشعبين”. (د. هشام شرابي: نصوص ومقالات في القضية الفلسطينية، بيروت 2001م) 


وفي تعليقه على هذا الاعتراف من قبل هذا الروائي الإسرائيلي يورد شرابي مقولة للناقد الراديكالي “مايكل وارشاوسكي” يقول فيها: “إن المؤرخين الإسرائيليين الجُدد يقبلون بالحقائق، ولكنهم لا يعترفون بالذنب”. والويل لأي مؤرخ إسرائيلي “يعترف بالذنب” أو يشير إلى أن هناك فلسطينيين عاشوا في أرض فلسطين قبل اليهود، فسيضطهد أو يتم نفيه. الإسرائيليون اليوم مُعبأون “عنصرية” لا يؤمنون بأن “التعايش” الفلسطيني/الإسرائيلي ممكن لو سادت “الإنسانية” محل “العنصرية”. 


أما ما هو محزن فهو أن تجد هذه “العنصرية” الدعم اللامحدود من أقوى دولة في العالم، وأعني أميركا، وإذا كان برودوم قد تهكم من هذه الحالة الشاذة التي تمثلها العلاقة الأميركية الإسرائيلية وجعلته يعرض على أميركا جعل إسرائيل “الولاية الواحدة والخمسين من مجموع ولاياتها”. فإن الفرنسي الشهير روجيه جارودي هو الآخر قال متهكماً في كتابه “كيف صنعنا القرن العشرين” “إن الولايات المتحدة باتت مستعمرة إسرائيلية”. (ص 130) 


ويضيف قائلاً: “.. ثمة استمرارية كهنوتية وسياسية في رؤية تعاملهما مع العالم”. (الكتاب ترجمة ليلى حافظ، دار الشروق، القاهرة). 


أميركا وإسرائيل تتعاملان مع العالم في هذا الظرف العالمي الشاذ– حيث غاب عن المسرح المعسكر الاشتراكي الذي كان يُحسب له كل حساب على المستوى العالمي- بكل عنجهية واستكبار. 


لقد بلغت الصفاقة بنتنياهو رئيس وزراء إسرائيل أن يقول لوسائل الإعلام ذات مرة “إن الفلسطينيين يريدون أعلى الشجرة” بعبارة أخرى عليهم أن يتواضعوا لنتنياهو فيتخلوا عن حقوقهم المشروعة وأن يرضوا بِ “الفُتات”! يريدهم نتنياهو أن يظلوا أسفل الشجرة!