لن يكون الطريق سهلا أمام الدولة الأردنية لإقناع الناس بالعمل الحزبي، والسبب هو التخوفات الكثيرة لديهم من الاقتراب من هذا الـملف الشائك، هذا من جانب، وعدم اقتناع جزء آخر بالعملية الحزبية برمتها، إضافة إلى بعض الأحداث التي تجعل المشككين يستثمرون فيها، لتأكيد مقولاتهم أن ما يحصل ليس حقيقا، ومع ذلك، فإن العمل الحزبي مهم لأي دولة لأنه الطريق الصحيح لبناء القيادات التي ستستلم المناصب العامة، وهو فرصة تدريبية حقيقية على الحوار، وتقبل الآخر، وتناقح الأفكار، وتوسيع المدارك، وإعطاء فرصة للمهمشين، وغير الممثلين في الدولة ليأخذوا مكانهم الصحيح فيها، وغيرها من الفوائد.
مبدئيا لا بد من التشجيع على العمل الحزبي، لفوائده المتعددة على الـمجتمع إذا ما تم إدارته بشكل صحيح، والأهم حسب اعتقادي هو إقناع رجل الشارع العادي في الأردن بأهميته وجديته، فما دامت الدولة الأردنية قد فتحت ذراعيها في هذا الاتجاه، وهناك تطمينات على أعلى الـمستويات بما يخصه، فلا بد أن يستثمر الناس هذه الفرصة لبناء عمل حزبي بشكل جديد، يمكن أن يساهم في تطوير الدولة الأردنية، ويساعد على ضخ دماء جديدة فيها، ويعمل على البحث عن الـمبدعين وأصحاب الشخصيات القيادية، ويدفعهم للأمام في العمل العام، ويحل الـمشكلات العالقة خاصة فيما يتعلق بالقطاع العام، وعلاقة الشعب بالدولة، وإشكالية الاعتماد على الـمساعدات الخارجية، وعدم فهم بعض المواطنين الحقوق والواجبات، وتقليل الاعتماد على الدولة، وغيرها من الأمور.
من الـمهم تطمين الناس عمليا، فهناك من يخاف على أبنائه، وعندما تسأله إذا ما كان يشجعهم على العمل الحزبي فيقول أخاف ألا يتم تعيينهم ما انتسبوا إلى حزب، ولو كان حزباً وسطيا، وآخرون يعتقدون أن الحزبية تعني شيئا واحدا وهو التعصب للرأي، وتقسيم الـمجتمع، وتفتته، وهذا ليس صحيحًا، وناشئ عن تصورات خاطئة، فالعالم الغربي فيه حزبية، قائمة على تقاليد راسخة، وفي العادة لا يحصل لديهم تفتت، أو تشتت، أو صراعات غير محسوبة.
من حق الناس أن يبدوا تخوفات من أي تجربة سواء كانت جديدة، أو متجددة، وأن يتذكروا تاريخ ما كان يحصل حول هذه الظاهرة، ولكن ليس من حقهم عدم إعطاء فرصة لأي تجربة لتأخذ مداها، وبرأيي أن الدولة الأردنية – ونحن هنا نتحدث عن الدولة وليس الحكومة، فالعمل الحزبي ضمن توجهاته الجديدة عابر للحكومات، وهو توجه أكبر من أي حكومة – يجب أن تكون حذرة في تطبيق هذه التجربة، لأن أي عمل على الأرض يحصل عكس ما يقال إعلاميا يقلل من ثقة الناس، ويزيد تخوفاتهم، ويجعلهم ينظرون إلى ما كل ما يحصل بتشكك، ويؤكد ما يقوله البعض أن التجربة ستكون عابرة.
وفي الـمقابل يجب أن يعرف كل شخص أن العمل الحزبي قائم على التعددية، وأن ممارسة أي شخص للعمل الحزبي وفقًا للقواعد الصحيحة يشجع الدولة أكثر على تبني الفكرة، والاستمرار بها، وأن أي جنوح للتعصب، والعنف، والاستبداد بالرأي سيؤدي إلى نتائج عكسية، ولا يوجد دولة تقدمت في العالم إلا وقامت بتجربة ديمقراطية حقيقية، وبخطوات مدروسة بعيدة عن الققز بالهواء، وقام فيها كل عنصر من عناصر الدولة بواجبه.
لن يكون الطريق سالكا باتجاه الحزبية في الأردن مائة بالمائة، ومع ذلك فهناك روافع مهمة قد تساعده على تجاوز الصعوبات، مثل أن لدينا جوا من التعددية تعود عليه المواطن الأردني، ومؤسسات مجتمع مدني رسخت جذورها في الحياة العامة، وتعليمًا متتشرا، وأمية قليلة، ورغم كل التخوفات الـموجودة فدائما هناك أمل، وتعويل على كل ما سبق.
إذا صوت الأردنيون بكثافة في الانتخابات النيابية القادمة ودفعوا بالافضل إلى الواجهة، ومارسوا العمل الحزبي بطريقة تعكس عقلانيتهم، وتعايشهم، واستفادتهم من تجارب الآخرين فإن التجربة ستبدأ بالنجاح، ونرى ديمقراطيتنا تسير على سكتها الحقيقية، ومع مرور الوقت سننتج تجربة تعمم على الوطن العربي، بعيدا عن كل المعوقات التي تحصل في كل مكان.
أعرف أن لدينا في الأردن الكثير من المعوقات، وقوى الشد العكسي، وعقلية عند البعض ترفض الآخر، وتعتقد أن بناء حياة حزبية جديدة قد يؤثر على مصالحها ومكتسباتها، ولكن هذا بلدنا، ومن حق الجميع أن يمارس عمله السياسي من خلاله، وبالتدريج ستنجح التجربة، ولنثبت للجميع أننا قادرون على النجاح، وأننا لا نختلف عن أي شعب أو دولة في العالم.
برغم كل التشكيك فهناك أمل، والحياة الحزبية الحقيقية في ظل الظروف التي نعيشها لم تعد ترفا، بل طريقا متدرجا للحل، وإلا سنبقى ندور في حلقة مفرغة، وهذا ما لا يريده أي أردني يدرك ما يحصل في العالم.
ستكون هذه التجربة مختلفة عن سابقاتها، لظروف عديدة، ومعطيات مختلفة، ولننتظر ونرى.