المؤتمرات العلمية بين القيمة الحقيقية والاحتيال الطفيلي

د. هاني الضمور
د. هاني الضمور

في زمن تسارعت فيه وتيرة البحث العلمي والتقدم التكنولوجي، أصبحت المؤتمرات العلمية جزءا لا يتجزأ من حياة الأكاديميين والباحثين. تعد هذه المؤتمرات فرصة للالتقاء، تبادل الأفكار، ومناقشة الأبحاث الحديثة. ومع ذلك، برزت في الآونة الأخيرة ظاهرة خطيرة تلقي بظلالها على سمعة هذا النوع من التجمعات العلمية؛ وهي ظاهرة «المؤتمرات الطفيلية» أو «مؤتمرات الاحتيال».اضافة اعلان
مؤخرا، نشر مقال في مجلة «نيتشر» العلمية، تطرق فيه إلى هذه الظاهرة التي أصبحت تؤرق المجتمع الأكاديمي. ينتقد المقال تلك المؤتمرات التي تفتقر إلى القيمة العلمية الحقيقية، والتي تحولت إلى مجرد تجمعات شكلية لا تضيف شيئا إلى المعرفة العلمية. يشير المقال إلى أن هذه المؤتمرات غالبا ما تكون مجرد واجهة لتجارة خفية تعرف باسم «سياحة المؤتمرات»، حيث يتم تنظيم هذه الفعاليات لجذب المشاركين من خلال وعود زائفة بمحتوى علمي مميز، في حين أن الحقيقة تختلف تماما.
حين تسأل عن أستاذ أو باحث أو طبيب معين، يأتيك الجواب المعتاد: «إنه في مؤتمر». قد تتخيل لوهلة أنه يحضر فعالية علمية محترمة، إلا أن الواقع، في كثير من الأحيان، هو أن هذا المؤتمر ليس سوى تجارة، هدفها الأساسي جمع رسوم المشاركة والتقاط الصور التذكارية. قد ترى فلانا وهو يلقي محاضرة أو يتباهى بصورة بجانب شعار مؤتمر ما، ولكن خلف هذه الصورة قد لا تجد سوى محاضرات مكررة وأفكار مستهلكة لا تحمل جديدا.
إن انتشار هذه الظاهرة يُعزى إلى عدة عوامل. أولها هو ازدهار صناعة «سياحة المؤتمرات»، التي تستغل حاجة الباحثين للأضواء والظهور. فبعض الباحثين أو الأطباء، ربما بسبب الفراغ أو الرغبة في تحسين سيرتهم الذاتية، يسعون للظهور في هذه المؤتمرات مهما كانت قيمتها العلمية. وفي المقابل، يستغل منظمو هذه المؤتمرات تلك الرغبة، ليقدموا لهم منصات شكلية لا تتجاوز كونها تجمعات لتكرار ما هو معروف للجميع، ودون تقديم أي إسهام حقيقي للمجتمع العلمي.
إن هذه الظاهرة، التي أصبحت تُعرف باسم «المؤتمرات الطفيلية»، تشكل تهديدا خطيرا للأوساط الأكاديمية والعلمية. فهي لا تساهم في تطوير المعرفة، بل تعزز من تراجع جودة الأبحاث العلمية وتشوه صورة العمل الأكاديمي. إن الاستمرار في دعم مثل هذه المؤتمرات، سواء بالمشاركة أو الترويج لها، يساهم في ترسيخ ثقافة علمية زائفة تعتمد على المظاهر دون الجوهر.
لذلك، يجب على الباحثين والأكاديميين توخي الحذر عند اختيار المؤتمرات التي يشاركون فيها، والتأكد من قيمتها العلمية ومحتواها الحقيقي. كما يجب على الجامعات والمؤسسات البحثية أن تتخذ موقفا حازما ضد هذه الظاهرة، وأن تعمل على دعم المؤتمرات ذات القيمة العلمية الحقيقية التي تساهم في تطوير المعرفة وتبادل الأفكار الجديدة.
في الختام، قد تكون المؤتمرات العلمية فرصة ثمينة للبحث والتعلم، ولكن ينبغي أن تكون هذه الفرصة ذات قيمة حقيقية وليست مجرد محطة للاستعراض والشهرة. فالبحث العلمي الحقيقي يحتاج إلى جهود صادقة ومخلصة، وليس إلى تجميع شهادات الحضور من مؤتمرات لا تضيف إلى العلم شيئا.