عالمية حقوق الإنسان مهددة

د. سيف زياد الجنيدي بابتسامته الروحانية الدائمة، وطرحه العميق المبني على خبرة “خبرة ليست مجرّد ممارسة عمل لفترة زمنيّة بل بمدلول الاختبار التحليليّ المعياريّ”، ينقلك المفكّر اللبنانيّ أنطوان مسرّه إلى فضاءٍ رحبٍ لا حدود له. والأبرز عند حديثه عن أيّ موضوعٍ لا تستطيع أن تأطّره باختصاصٍ حصريّ، حيث يجوب بك بتلقائيّةٍ وعمقٍ في رحاب “الحقوق، السياسة، علم الاجتماع، الأديان، الأدب، الفلسفة، …” ليضعك في منطقة متوسطةٍ متصلةٍ بين أصالة المبدأ بسياقه الزمنيّ وواقعية الظروف والحالة الراهنة بتشخيصٍ دقيق ٍ وعميق مقترناً بحلولٍ تطبيقيّةٍ واقعيّةٍ تتخطى أيّ محاولة للمخادعة أو التلاعب أو التموضع خصوصاً في عالمنا العربيّ. “الحقوق نمط حياة مُعاش، والمتطلب اليوم المثاقفة الحقوقيّة اجتماعيّاً “بهذه الجملة استهلّ البروفسور مسرّه ندوة بعنوان “دور الإعلام في نشر وتعزيز ثقافة حقوق الإنسان”، وهي الندوة الأولى ضمن “منتدى معهد الإعلام الأكاديميّ والإعلاميّ”، والتي عقدت في مقر معهد الإعلام الأردنيّ في 14 كانون الأول الحالي. “حقوق الإنسان خلاصة تراث البشريّة من أديان وقوانين معياريّة ومعرفة”، وانطلاقاً من هذا المدلول بيّنت المداخلة أبعاد “عالميّة حقوق الإنسان” بأربعة أسباب على الأقل، وهي: “الإنسان قيمة ذاتيّة مطلقة (الكرامة الإنسانيّة)، الإنسان كائن حر، الأخوة بين البشر (الإنسان كائن اجتماعيّ)، العيش المشترك على كوكب واحد”. وأبرزت الندوة التهديد العالميّ الماثل اليوم أمام حقوق الإنسان”عالميّة حقوق الإنسان مهدّدة”. واستطرد البروفسور مسرّه بالحديث مبيّناً محور التهديد الأساسي “انحرافات في مفاهيم حقوق الإنسان” بسبب “المفاعيل السلبيّة للعولمة والدمقرطة”، والتي أدّت إلى “خلق إرادة بالمساواة المستحيلة”، “متطلبات فرديّة تعجز عنها الحكومات”، “نظام تربويّ أنانيّ قائم على النّزعة الفرديّة”. وحول مظاهر هذا التهديد عالميّاً وعربيّاً بشكلٍ خاص، فتلخّصت وفق المداخلة بـ : “تحويل حقوق الإنسان إلى مجرد نظام قانونيّ”، “تحويل حقوق الإنسان إلى مادة أو اختصاص حصريّ”، “إغفال المساهمة العربيّة في هذا الإنتاج البشريّ، “عدم الأخذ بالاعتبار أنّ حقوق الإنسان متكيّفة بإجراءتها مع خصوصية المجتمعات وليس بمعياريتها، ما يخلق اغتراباً ثقافيّاً” أو ما أطلق عليه “الفراغ”. في سياق الموضوع، بيّن مسرّه ميزة فلسلفة الإسلام ونهجه في إدارة التعدديّة “الإسلام يطبّق على المسلمين ما لا يطبّقه على غير المسلمين، وهو ما أطلق عليه في عهد الإسلام الأول الملّة أو أهل الذّمة”، والذي أوجزه ببعديّ هذا المفهوم “هو مفهوم قائم على الثقة والتّعهد”. أمّا العشيرة باعتبارها تكويناً اجتماعيّاً، فأشار إلى أنّ “العشائر لديها معايير وقواعد قادرة على التطوّر الذاتيّ”، وأبدى قلقه حيال “تأثّر العشيرة بأنماط ومفاعيل العولمة اليوم”. وفي ختام النّدوة حذّر مسّره من مجموعة تحدّيات أمام حقوق الإنسان عالمياً وعربيّاً؛ “انحراف قضايا حقوق الإنسان نحو تحريض ومناكفة السّلطة”، “انحراف التشريع عن معياريته الحقوقيّة”، “قوننة كل شيء أو قوننة اللاشيء” أو “الهروب نحو تقنين كل الشؤون الحقوقيّة”، “الفردانيّة في ممارسة الحقوق”.

اضافة اعلان