هل لديك خطة لتطوير التعليم؟

pic_122807
د. ذوقان عبيدات
سؤال يواجهني دائمًا من إعلاميين ومواطنين؟ بمعنى لماذا تتفلسف علينا إذن؟ لا أدري هل من وظيفة الكاتب أن يقدم خطط تطوير، أم التنبيه إلى مكامن سلبية وإيجابية؟ ثم يمطرونك بأسئلة أبسطها يؤدي بك إلى التهلكة! أو أسئلة يصعب الإجابة عنها في نظام غير ديمقراطي، أو في نظام يضع أمامك مجموعة ضخمة من القيود والموانع المجتمعية، والسياسية، والأخلاقية، والثقافية والدينية!!اضافة اعلان
موانع ليس لها أصول، لكنها تتعمق من قبل ناشطين، أو قناصين محترفين! وهكذا يضعونك بين مزلقين خطيرين: السقوط بالصمت واتهامك بالجبن، أو السقوط بالإعلان والبوح حيث يترصدك كثيرون!!!
قالوا: قدّم أمثلة على ممنوعات التعليم! هذه بعض الأمثلة:
1 - التعليم نظام صنع مؤسساته المجتمع، فقد أنشأ المدارس والجامعات؛ لتنقل ثقافة أجداده إلى الأجيال الجديدة، وهذا صحيح وواجب، لكنه حين يضع لك خطوطًا حمرًا على عمليات النمو والتجديد يصبح الخروج عليها تمردّا متّهَمًا، ومن هنا السكون هو الخير والحركة هي المخاطر!
2 - والمجتمع بنى المدارس؛ لكي ينقل حقائق ومعلومات أنتجها الأجداد؛ فالروايات مقدسة، والخلفاء مقدسون، وكل من ألف كتابًا في اللغة والتاريخ والدين مقدّس أيضًا! حتى قدّسوا بعض الشعراء! في ظل هذه القداسة لا يمكنك التحدث عن مهارات الشك، والتفكير الناقد، والإبداع ، والاقتصاد في اليقين، وحرية الرفض والقبول، وحرية التعبير!
 وعبر تاريخنا القديم والحديث لم ينج أحد سوى من اختاروا الصمت!
3 - ليس سرّا أنهم اعترضوا على تدريس كل ما يخالف الثقافة السائدة حتى لو كانت نظرية علمية! منعوا تدريس نظرية دارون في المناهج الجديدة، ووضعوا قيودًا على بحوث زراعة الأعضاء والجينات وأخضعوها لمعايير الحلال والحرام، ولم يجرؤ أحد على الاعتراض! طبعًا كلنا يعرف كم منعوا تدريس الفلسفة والمنطق منذ 1976!!
4 - لقد صبغوا التعليم بثقافة تقليدية أعلت من شأن الماضي على حساب الحاضر والمستقبل؛ وبذلك كثرت موضوعات الماضي، وتم تقديمها كونها حقائق لا تقبل معايير التفكير والعقل. ملأوا تاريخنا بحقائق أسطورية تمجد الملوك والسلطة!
هذه ملامح الواقع وتحدياته والتي بالغنا في قبولها ما أعاق مجرد التفكير في خطط شاملة لتطوير التعليم! فمن أين نبدأ؟
(1) خطوط عامة للتطوير التربوي:  كأي خطة في أي مجال، يحتاج التطوير إلى ما يأتي:
1 - قيادة ذات رؤية وإرادة. والرؤية يجب أن تكون مستقبلية ناتجة من دراسة تطور التعليم وحاجات المجتمع المستقبلية، وليست رؤية إعادة إنتاج الماضي أو إعادة فرض ما فشل به مسؤول سابق! فمن هم أصحاب الرؤى التربوية؟
هم قادة اجتماعيون مفكرون، قادة أحزاب أهل فكر وبرنامج. ممن تمرسوا بالعمل التربوي؛ سواء أكانوا مختصين تربويًّا أم غير ذلك! مرّ بالأردن بعض أصحاب الرؤى النادرين مثل عبد السلام المجالي، والروابدة والرزاز، وجميعهم غير تربويين، فيما لم يقدم التربويون أي رؤية!
طبعًا هذا ليس عيب التربويين، بل عيب في اختيار المسؤول الذي لا يراعي أي معيار مطلوب، ولذلك كان هذا الضعف والفقر التربوي الذي جعل تعليمنا بشقيه: العالي وغير العالي لا يحظى بالسمعة الطيبة!
قد نحظى بفرصة قيادة تعليمية ناجحة إذا نجحت التجربة الحزبية-ولا أظنها كذلك- أو إذا جاءت صدفة نادرة بمسؤول تربوي راشد، وهذا أكثر احتمالًا من الحزبي الراشد!
أقول ذلك لأن كل حزب مضطر لوضع رؤية تربوية! وربما كان مضطرًا لتطبيقها!!!
(2)برنامج متكامل لتحقيق الرؤية: يعاب على عمليات إصلاح التعليم السابقة والحالية أنها لا تتخذ طابعًا نظاميّا بمعنى أنها تنطلق من رؤية شاملة للتعليم، وليس للجزء المنوي إصلاحه، فلا يجوز إصلاح المناهج دون إصلاح بيئة التعلم والمعلم وحتى فلسفة التعليم! ومن هنا تأتي أهمية وجود رؤية متكاملة للتعليم قبل البدء بإصلاح أي جزء منه. وأي إصلاح منفرد ومعزول لن يؤدي إلى النتائج المستهدفة. لو أخذنا
إصلاح التوجيهي مثلًا؛ فإن أي إجراء مهما كان لا يؤثر على بقية عناصر التعليم، ولا حتى لا يحدث أثرًا على الامتحان نفسه، فما الفرق بين أن تقدمه في فصل، أو سنة، أو سنتين أو عدة مرات، ما دام يقيس البضاعة نفسها وهي حفظ الطلبة المؤقت لمعلومات غير ذات معنى! فمن يريد إصلاح التوجيهي عليه أن يمتلك رؤية للتعليم المطلوب، ويضع الأولويات وفق منطق معين، وسأتحدث عن التوجيهي في مقالة قادمة! وكذلك المناهج والتعليم المهني؛ كلها قضايا مترابطة تسير بالتزامن!
(3) الشراكة الوطنية: تميزت عمليات تطوير التعليم وإصلاحه بالمزاجية والفردية، وبأحسن الأحوال بالفردية، وفي هذا تجاهل لمسلمات أساسية مثل؛
-التعليم ومؤسساته هي أنظمة اجتماعية، تعني كل المواطنين.
-مشاركة كل مواطن قادر وراغب هي حق له لا يجوز حرمانه منه. والمشاركة درجات ومستويات أقلها احترام رأي المواطن.
ولذلك تبدأ عمليات الإصلاح بضمان قبول المواطن، وإشعاره بالحاجة إلى الإصلاح، وهذا يضمن دعمه وحماسته، وبهذا الصدد يجدر بالمطوّرين- إن وُجدوا- أن يتخذوا إجراءات مثل:
-معرفة مواصفات المتعلم كما يحتاج إليها المزارع والحزبي والعامل والرياضي والفنان والمتديّن وغيرهم.
-معرفة حاجات المجتمع الجديدة، والمتغيرات المادية والنفسية، ومتطلبات الحياة المستقبلية، ومهارات العصر، والقيم الجديدة، والقيم المراد التخلص منها. هذه منطلقات أساسية لوضع الخطة وتحدي مبادئها ومحتوياتها 
(4) المعلم هو سقف الإصلاح: يكاد يكون مسلّمًا به أن المعلم هو سقف أي إصلاح، وربما نقطة البدء فيه، فلا قيمة لمناهج جديدة أو امتحانات جديدة، أو مبانٍ جديدة، ونظريات جديدة دون أن تنطلق من واقع المعلم!
ومعلمنا الحالي يحتاج إلى معنويات غير متوافرة بسبب المكانة الاجتماعية وضعف الإعداد، والإحساس بالانتماء إلى نقابة ومهنة، ونقله إلى الحياة المعاصرة وقيمها.
ولكل هذا لا يحق لأحد أن يتحدث إلى المعلم طالبًا منه التضحية في سبيل الوطن!!
ولا يحق لأحد الطلب منه تدريس مناهج جديدة وبأساليب لا يعرفها، وفي بيئة صفية غير ودودة! ومع طلبة يحبون أن يكونوا في كل مكان ما عدا المدرسة والصف اللعين!!
ولذلك علينا التوقف عن مخاطبة المعلمين بالجمل الإنشائية مثل، النشامى، وأصحاب الرسالة، والجيش الثاني وحماة الوطن والدين!
(5) التوعية والإعلام: وأيضًا؛ إن أي خطة تطوير تتطلب إعلامًا، ومهمة هذا الإعلام أن يسبق الخطة بفترة زمنية، وهدفه إقناع المجتمع بوجود مشكلة. في التعليم، وأن هذه المشكلة يجب حلّها، وأنها إذا لم تحل فإنها ستؤدي إلى أضرار يصعب دفع ثمنها! هكذا يمكن ضمان دعم المجتمع للتغيير المقبل! فلا يجوز مثلًا الاتفاق مع شركة أجنبية لتطوير المناهج دون إعلام مسبق، ثم تحاول فرض إنتاجها بقوة الواقع! فالإعلام سابق للتطوير ومرافق له ومستمر بعده!
(6) إجراءات تنفيذية: إن أي خطة تربوية أو غير تربوية تتطلب إجراءات تنفيذية! يمكن ترجمتها بما يأتي:
1 - إعداد دراسة تشخيصية جريئة لواقع التعليم بما يشمل كل عناصر التعليم: نموذج المتعلم الحالي، الثقافة المدرسية، البيئة المدرسية، الإدارة التعليمية، المعلمين، المناهج، طرق التدريس، طرق التقييم.
2 - إعداد خطة إعلامية لنشر معالم الواقع التعليمي، وطلب تغذية راجعة من المجتمع.
3 - إعداد مشروع الخطة وملامحها الرئيسة ومشروعاتها.
4 -عقد مؤتمر تربوي وطني- وليس مزاجيّا وفق نظرية الولاء والبراء الحكومية أو الفوق حكومية!!كما يحدث عادة!
5 - تكليف باحثين ومفكرين بإعداد تقرير أو تقارير على أساس علمي وليس- انتمائيًا ولائيًا لإعادة صياغة فلسفة التغيير وبرامجه.

ملاحظة:
لإنجاح الخطة:
ا- إشراك المهتمين والقادرين دون استثناء.
ب- وضع حد- للتدخلات الانتهازية والقيادات الشكلية التي
خدعت المجتمع ولم تقرأ بحثًا جديدًا، وتسببت بواقع التعليم المؤلم عبر آخر عشرين عامًا، يعني انتهازيي كل المراحل!
هذه ملامح خطة بعيدة المدى! وهناك علاجات سريعة، قد تكون مقالتي القادمة!