اقتصاد أكثر صلابة واحتواء للجميع

م. حمزة العلياني

من الأخطاء الشائعة أن الدول لا تمتلك موارد فأي دول لديها موارد قد لا تكون أُكتشفت بعد أو من المحتمل أن يكون لدى الدول عجز في مورد معين لكن سيكون لديها موارد أخرى يجب عليها استغلالها بشكل أكفأ، ولذلك على الدول بناء اقتصاد قائم على التخطيط الاستراتيجي الجيد والنظر إلى نصف الكأس الممتلئ لكي تحظى بمكانة عالية بين دول العالم، فالشيء الذي ينقص الدول النامية هو النظر إلى مواردها ومحاولة استغلالها بالشكل الأمثل.اضافة اعلان
وإذ يقف العالم اليوم بعد الخروج من جائحة كورونا، واستمرار الحرب الروسية الأوكرانية والركود التضخمي أمام تحديات مصيرية. حيث كلما اتخذت الاقتصادات الكبرى سياسات لاحتواء هذه الأزمات، انعكست قراراتهم الداخلية كهزات تعصف باقتصادنا. وأمام هذا المشهد المعقد عالمياً، لا بد من تقييم السياسات الاقتصادية السابقة لبناء اقتصاد منيع يقوم على رفع الإنتاجية وزيادة النمو الاقتصادي وتحسين المستوى المعيشي للمواطن، وبالتالي القضاء على الفقر والبطالة.
تتقدم الدول من خلال تقدم اقتصادها في مختلف الأصعدة كالاعتماد على التصنيع، والانتاج لتحسين ميزانها التجاري المتمثل في زيادة صادراتها وتخفيض وارداتها ورفع ناتجها المحلي الإجمالي، والتحكم في معدلات التضخم وتعزيز الإستقلال المالي، كذلك رقمنة الاقتصاد، من خلال تُوسَّع البنيةُ التحتية الرقمية والجيل الخامس، والتطوُّر التكنولوجي لإنترنت الأشياء بشكلٍ خاص للتغيير إلى الثورة الصناعية الرابعة، حيث تتشابك عمليات الإنتاج تشابكًا وثيقًا مع إمكانيات الاتصال بالإنترنت.
وأحد المكونات الأساسية في أي استراتيجية هو الاستثمار الأخضر، ونحن في حاجة إلى الإسراع باعتماد بنية تحتية تكنولوجية نظيفة مثل الشبكات الذكية ومحطات شحن السيارات التي تُدار بالكهرباء. وبالعمل معا، لن تقتصر النتائج على تحقيق مكتسبات كبيرة على صعيد النمو بفضل الاستثمارات العامة والخاصة في الطاقة النظيفة، بل إن الصناعات منخفضة الكربون غالبا ما تكون أكثر استخداما للعمالة مقارنة بالصناعات القائمة على الوقود الأحفوري، مما يمكن أن يساعد على زيادة فرص العمل بين الشباب.
فالاقتصاد الأخضر من شأنه تخفيض كلف الطاقة، وبالتالي تعزيز الإنتاج والصادرات، مما يؤدي إلى زيادة صلابة الاقتصاد. ومن السياسات التي تساعد في هذا الخصوص: تعزيز البنية التحتية لمساعدة مؤسسات الأعمال على تقصير سلاسل الإمداد، وزيادة إتاحة الإنترنت بتقنية الشبكات عريضة النطاق، وتحسين بيئة الأعمال، ويمكن لاتفاقيات التجارة العالمية أن تساعد أيضا من خلال الدعم الكلي لسياسات تجارية أكثر شفافية وقابلية للتنبؤ بها.
ولنتذكر آثار سلاسل الإمداد التي أعيد تشكيلها وحواجز الاستثمار التي زادت ارتفاعا، وبالتالي انعكست على ارتفاع التضخم، وضعف الإنتاجية حين تفقد البلدان شركاءها في الابتكار. وهذا ما يفتح الفرص لنكون موقعًا رائدًا لجذب الشركات الناشئة في مجالات الابتكار والرقمنة والاستدامة، وبالتالي زيادة تأهيل ودمج النساء والشباب -في مختلف المواقع- بالعالم الرقمي الاقتصادي.
ولذلك على صناع السياسات تنشيط الإنتاجية، وهي أهم مصدر لزيادة الدخل ورفع مستويات المعيشة على المدى الطويل. فالإنتاجية تبدأ بدعم الابتكار، وهو ما يتضمن زيادة الاستثمار في التعليم والبنية التحتية، وتقديم حوافز ضريبية للبحوث والتطوير. وكما نحتاج إلى مزيد من الابتكار، نحتاج أيضا إلى مزيد من التجارة، التي تدعم تبادل المبتكرات وتشجع الشركات على الاستثمار في تكنولوجيات جديدة وممارسات أعمال أكثر كفاءة.
والابتكار يقود إلى النمو الاحتوائي، ما لا ينتبه له الكثيرون هو أن الازدهار الاقتصادي في أي بلد مرتبط بالتعليم والتدريب الذي يُعد أمراً فعالاً في التقدم، وأيضا باستقطاب الكفاءات والعقول والمواهب من مختلف الدول وتحفيزها على البقاء. فليس من باب الصدفة أن الولايات المتحدة أو الدول الغربية عموما، وكذلك دول الخليج التي تستقطب الملايين من الأيدي العاملة من مختلف دول العالم، وهي تدين لهؤلاء بالتنمية والازدهار الذي تعيشه.
ولذلك لا بد من تمكين قيادات شابة من الذين يمتلكون الإمكانات لتعزيز الشراكات والتكامل بين مختلف القطاعات، والاستثمار في مواهب ومهارات القادة الشباب وقدراتهم على استشراف المستقبل وتطوير الاقتصادات وبناء المجتمعات المستدامة، مما يؤدي إلى تعزيز تبادل الخبرات وقصص النجاح التي تمكّن القادة الشباب من تحقيقها، وتساهم في تعزيز قدراتهم على تطوير مبادرات مشتركة، تمكّنهم من إيجاد الحلول لأهم التحديات الحالية والمستقبلية.