د. عبير مصلح
تعاني مخرجات التعليم في كليات الحقوق مشكلات تعليمية وتدريبية ومهنية، ما تنعكس آثارها البالغة على صنعة المحاماة ككل في الأردن.
مهنة المحاماة لم تعد كما كانت في العالم العربي وفي العالم، فقد طرأ عليها اختلاف جذري غير مسبوق، خصوصا خلال السنوات العشر الأخيرة، سواء كان هذا الاختلاف على صعيد الأداء أم على صعيد الخدمات القانونية التي توفرها.
بالنظر إلى واقع المحاماة في الأردن اليوم، نجد أن هذه الصناعة يعتريها الكثير من القصور، وفي أكثر من جانب، بدءاً بالتعليم الجامعي في كليات الحقوق، مروراً بمرحلة التدريب، وليس انتهاء بممارسة المحاماة على أرض الواقع.
النهوض بمهنة المحاماة سيمر حتماً بالتكوين الأول للمحامي وهو التعليم الجامعي، والذي يتوجب النهوض به على أسس سليمة. لكن، عند رصد النظام التعليمي في كليات الحقوق نجد أنه يعاني من مشكلتين أساسيتين؛ الأولى تتعلق بأنه نظام معلوماتي نظري لا يتم الربط فيه بين الجانب النظري والجانب العملي من خلال إضافة مساقات مهاراتية، كالبحث العلمي ومهارات التحقيق والاستجواب والاطلاع على تقارير الطب الشرعي وتقوية مهارات البحث والتحليل من خلال الانتقال من البيئة المغلقة في كليات القانون إلى الواقع الحقيقي. على نظامنا التعليمي أن يلجأ إلى إدخال الطلبة في بيئة المهنة خلال مرحلة مبكرة من دراستهم، ليشهدوا جلسات المحاكمات الفعلية في مختلف أنواع المحاكم، وتمكينهم من زيارات ميدانية للسجون ومراكز الشرطة، والاطلاع على عمليات القبض على المشتبه بهم، وأصول التحقيق معهم.
بهذه الطريقة، من الممكن أن نهيئ الطلبة للحياة الحقيقية وسط هذه المهنة الشائكة، والتي تتطلب مهارات استثنائية للنجاح فيها.
المشكلة الأخرى التي يعاني منها النظام التعليمي في الجامعات، هي أن مناهج القانون تخلو من الكثير من المهارات الأساسية المطلوبة من القانونيين وفقاً لمتطلبات واحتياجات سوق العمل والتحولات الهائلة في المجال الاقتصادي، وهو المجال لذي يعتبر أحد أهم المكونات الرئيسة للعولمة التي أفرزت عالما جديدا ومتجددا في كل يوم، وأحياناً في فترة زمنية أقل من ذلك.
لم تعد دراسة القانون ترتبط بمهنة المحاماة فحسب، ففي ظل التحولات الاقتصادية والانفتاح الكبير الذي أضاف العديد من المهام للمحامي، كالتحكيم الدولي وحقوق الإنسان والجرائم الاقتصادية العابرة للحدود والاحتيال الإلكتروني وغيرها، فقد أصبح من الضروري تطوير منظومة التعليم الجامعي لمواكبة التطورات والتحولات الحاصلة من أجل النهوض بصناعة المحاماة في الأردن.
بالنظر إلى ما سبق، فإننا نجد أن النظام التعليمي الأكاديمي في كليات الحقوق لدينا، كان واحدا من أهم الأسباب التي أعاقت التطور بصنعة وصناعة المحاماة في الأردن، في الوقت الذي تشهد فيه الساحة العالمية تحولات جذرية غير مسبوقة في كل المجالات. تلك التحولات تفرض واقعاً جديداً لا بد من مواكبته والتعامل معه بمسؤولية عالية من قبل المسؤولين عن التخطيط للتعليم العالي في المملكة، حتى لا تسقط صنعة وصناعة المحاماة في هاوية الجمود والرداءة، بل يتوجب وضعها على مسار التطور المستمر من أجل تخريج أجيال قادمة من رجال ونساء قانونيين قادرين على خدمة المجتمع الذين يعيشون فيه.