آباء يتخذون الصرامة في عقاب الطفل وسيلة للتربية.. ما أثرها النفسي؟

آباء يتخذون الصرامة في عقاب الطفل وسيلة للتربية.. ما أثرها النفسي؟
آباء يتخذون الصرامة في عقاب الطفل وسيلة للتربية.. ما أثرها النفسي؟
ديمة محبوبة - تعترف الأم ميساء بقسوتها أحيانا، حينما تعاقب طفلها (13 عاما) على أي خطأ يقترفه، معللة ذلك بأنها تريد تصويب سلوكه وتصحيحه حتى ينشأ على قواعد سليمة، ترافقه بجميع مراحل حياته. وتبين أنها تطمح لأن تراه شابا خلوقا لديه سلوكيات إيجابية بعيدا عن الأخطاء، وتثبت للجميع أنها أم قادرة على التربية الجيدة، خصوصا أن المسؤولية عليها كبيرة بعد طلاقها، ولا تريد أن يقال إنها فشلت في تربية صغيرها بعد الانفصال. ولا تنكر بأنها شديدة في عقابه من ناحية حرمانه الطويل من أشياء يحبها أو تحديد نظام صارم له بالدراسة، بعيدا عن أي جانب ترفيهي، الى جانب منعه المؤقت من زيارة بيت جده، وتوجيه كلمات قاسية له بأنه لا يشبه أقرانه ظنا منها أن ذلك يجعله لا يكرر خطأه بعد فرض عقوبة شديدة وبحزم عليه. اختصاصي علم النفس د. موسى مطارنة، يؤكد أن الحالة النفسية للأهالي ومعاناتهم من ضغوطات، تلعب دورا كبيرا في كيفية التربية، لكن عليهم أن يعوا بأن العقوبات الشديدة والصارمة لا تجدي النفع المطلوب بأحيان كثيرة أو الهدف منها على العكس، فإن رد الفعل يكون سلبيا وأثره يستمر طويلا. ويوضح أن ردود الفعل القاسية من الأهل تؤثر على الحالة النفسية للأبناء، بل حتى الجسدية والصحة والعقلية؛ إذ إن العقوبات الشديدة تجعل الأطفال يخافون، والخوف مسبب رئيسي بعدم اكتمال النمو بشكل سليم وضعف في الأعصاب والصحة العقلية. ويشرح مطارنة "مهما وقع على الأهل ضغوط ومشاكل حياتية، فمسؤولية التربية الجيدة هي الحفاظ على صحة الطفل الجسدية والعقلية والنفسية بعيدا عن الضغوط". ندم شديد بدأ يشعر به الأب عبد الرحمن الذي كان يعتقد أن الترهيب النفسي لأطفاله يزيد لديهم منسوب الخوف، وبالتالي يتهذب السلوك الخاطئ، لكن مع الوقت بدأ يكتشف أن أبناءه يخافون منه كثيرا ومنذ لحظة دخوله المنزل بعد إنهاء عمله، يختبئون في غرفهم خوفا من صراخه عليهم، وعقابهم على خطأ ارتكبوه. ذلك الخوف بدأ يزداد لدى أبنائه، وأصبحوا أقل ثقة بأنفسهم، وتحصيلهم الدراسي أقل مما كان عليه، ليبدأ بتغيير طريقته معهم، والحديث معهم بأنه شديد الحب والتعلق بهم، لكنه يرفض أن يكون سلوكهم خاطئا ويريدهم أن يكونوا أفضل الناس. التفت عبد الرحمن للأمر، وسعى لتغيير معاملته مع الوقت، إذ لمس أثرا إيجابيا وأصبح أبناؤه أكثر قربا منه، فأصبح يتحدث معهم بهدوء مع أي خطأ يرتكبونه وتكون استجاباتهم بالتغيير نحو الأفضل عالية، على عكس معاملته السابقة. ويقول مطارنة "الأهالي هدفهم من التربية الشديدة عدم تعرض الأطفال للخطر والصعوبات في المستقبل، وذلك حسب رأيهم ومعتقداتهم يمكن أن يحدث في حال السيطرة على حجم أخطائهم في الصغر، وتهذيب السلوك وإن كان بشكل قاس، لكن هذا المعتقد خاطئ، إذ يجب على الطفل أن يخطئ ويتعلم لكي يتقوم سلوكه ويكتشف، فهذه الأمور من ضمن تربيته وتنشئته السليمة". ويلفت إلى أن على الأهالي أن يفهموا المرحلة التي يمر بها الطفل وماهيتها ومتطلباتها، وأن يتوقعوا الخطأ ويتعاملوا معه على أنه كائن لا يعرف شيئا عن الحياة، وعليه أن يكتشفها من خلال الصواب والخطأ والحفاظ على حياته وصحته ليس بالخوف من العقاب فيخاف أن يفعل حتى لا يخطئ، أو ذلك يحمل أثرا عكسيا كالعناد والغضب والكره. ويتحدث مطارنة، أن هناك من يتبع نظام التخويف أو التهديد، مثل الحبس بغرف مغلقة ومعتمة، أو التهديد بالحرق، أو الحرمان من الطعام أو الأشياء المفضلة لديه، ولذلك آثار سلبية طويلة المدى، رغم أن هنالك عقوبات خفيفة ومنطقية تكون لأجل التهذيب فقط، ولا تؤثر عليه. منظمة الصحة العالمية، تبين أن العقاب له ردود نفسية وجسدية ضارة يعيشها الطفل، وأثره لا يقتصر على شعور الطفل بالألم والحزن والخوف والغضب والخزي والذنب، وإنما قد يؤدي شعوره بالتهديد إلى التوتر الجسدي وتفعيل المسارات العصبية التي تبعث على مواجهة الخطر. لذلك، فإن الأطفال الذين يتعرضون للعقاب يميلون إلى إظهار ردود فعل هرمونية حادة أمام الضغوط، ويتسمون بأجهزة بيولوجية منهكة، بما في ذلك الجهاز العصبي وجهاز القلب والأوعية الدموية والجهاز التغذوي، فضلاً عن تغييرات في بنية المخ ووظائفه. وأشارت منظمة الصحة العالمية إلى أن هناك عددا كبيرا من البحوث التي تبرهن على وجود روابط بين العقاب البدني وطائفة واسعة من النتائج السلبية في الأمدين الفوري والطويل، فالأذى الجسدي المباشر، يؤدي أحيانا إلى أضرار وخيمة أو إعاقة طويلة الأمد، بما في ذلك الاضطرابات السلوكية والقلق والاكتئاب واليأس واحتقار الذات وإلحاق الأذى بالنفس ومحاولات الانتحار والاعتماد على الكحول والمخدرات، والعدوانية وعدم الاستقرار العاطفي، وهي اضطرابات تستمر بعد البلوغ. الى ذلك، صعوبات النمو المعرفي والاجتماعي والعاطفي، وتحديداً مهارات السيطرة على العواطف وحل الخلافات، والإضرار بالتحصيل التعليمي، بما في ذلك التسرب المدرسي وتدني معدلات النجاح الأكاديمي والمهني. وثمة أدلة على وجود علاقة طردية بين المقدار ورد الفعل؛ حيث تشير بعض الدراسات إلى أن عدوانية الطفل وتدني قدراته في مجالي الرياضيات والقراءة تزداد حدة كلما ازدادت وتيرة تعرضه للعقاب البدني والصارم. اقرأ أيضاً: اضافة اعلان