آلاء تتصالح مع إعاقتها البصرية وتتجه نحو الرسم والاحتراف الرياضي

الشابة آلاء أبو خضرة- (من المصدر)
الشابة آلاء أبو خضرة- (من المصدر)
ربى الرياحي – البعد عن الأحكام المسبقة والتمييز والقيود التي تحد من أحلام الكثيرين وتطفئ حماسهم لإيجاد حياة أكثر إنسانية وعدالة، هو تماما ما تطمح اليه الشابة آلاء أبو خضرة (20 عاما) عبر ترجمته واقعيا من خلال تمسكها بطموحها وقدرتها على تحدي كل الصعوبات بعزيمتها وإيمانها بنفسها. فقدانها للبصر منذ الولادة لم يمنعها من أن تحلم أو تخطط لمستقبلها هي عرفت كيف تحول إعاقتها إلى مصدر قوة يمدها بالأمل كلما أوشكت على السقوط. آلاء قررت بروحها التواقة للنجاح أن تخوض التحدي كما هو وتثبت أن الإعاقة لا يمكن أن تكون ذريعة لتغييب أشخاص لديهم الإرادة والإمكانات والشغف قادرين على الإبداع والعطاء وفي المقابل يرفضون أن يبقوا خارج الصورة بعيدا عن طموحاتهم. دراستها لتخصص علوم الحركة والتدريب الرياضي هو واحد من تحديات كثيرة تصر آلاء كفتاة من ذوي الإعاقة على خوضها بكل ثقة وشجاعة، إضافة إلى كونها رياضية في الجري ودفع الجلة الحديدية وأيضا شاركت في العديد من الماراثونات داخل الأردن. إصابتها بكف البصر الجزئي كان منذ الولادة، تقول آلاء عند بلوغها الأربعة أشهر تم تشخيص حالتها بتلف بالشبكية والعصب البصري. ورغم ذلك لم تفقد أسرتها الأمل في إيجاد علاج لها فقد حاولوا كثيرا عرضها على أطباء مختصين لكن دون فائدة. ولأنهم أسرة تؤمن بقضاء الله وقدره فما كان منهم إلا أن يسلموا لإرادته ويتقبلوا الحقيقة برضا وإيمان كبيرين. حظيت آلاء بحب عائلتها واهتمامهم لم يتركوها أبدا بل على العكس قدموا لها كل الدعم منذ أن كانت طفلة. وبالتدريج كان نظرها يضعف كلما كبرت الأمر الذي أثر عليها بشكل كبير عند دخولها المدرسة. لم تكن تجربة آلاء سهلة، إذ تعرضت للتنمر من قبل الطلاب وبعض المعلمات كما أنها عانت كثيرا في القراءة والكتابة بالخط العادي فكانت تحتاج دائما أن تكون قريبة من اللوح وهذا الأمر لم يكن يرضي البعض في الصف، فكثيرا ما كانت تشعر بأنها غير مرغوب بوجودها سواء بالمدرسة أو حتى بين أبناء الجيران. ذلك تسبب بأن تنطوي على نفسها في بداية حياتها مرجعة السبب في ذلك إلى نفور الأطفال من اللعب معها وإشعارها بأنها مختلفة عنهم. وبعد إتمامها للفصل الأول التحقت آلاء بأكاديمية المكفوفين المختلطة لتتعلم هناك القراءة والكتابة بطريقة برايل، وجودها بين أشخاص لديهم نفس الوضع الصحي أشعرها بالراحة نفسيا فلم تشعر بالغربة مطلقا، لكنها ظلت تعاني من الانطواء لفترة رغم تأقلمها مع الأجواء الجديدة. آلاء في ظل كل تلك الفوضى والتخبطات كانت بحاجة لمن يعيد إليها ثقتها بنفسها ويطلق لها العنان لتبدع وتتميز. ساعدها الفنان التشكيلي سهيل بقاعين بالخروج من عزلتها ومنحها الأمان لكي تندمج في محيطها أكثر، وتعبر عن ذاتها من خلال الرسم. احتكاكها بالمحيطين وتكوينها لبعض الصداقات ورغبتها في تجاوز قضبان العزلة، كلها أمور ساعدتها على الخروج من الدائرة المغلقة التي وضعت نفسها فيها خوفا من الرفض ونظرات الشفقة. شاركت آلاء في معارض كثيرة أبرزها “عبق اللون” و”ما وراء البصر”، وكان لهذه المشاركات أثر عميق في تحسين نفسيتها وزيادة تركيزها على الخيال بشكل أكبر. آلاء ولأنها شخصية محبة للتميز لم تتوقف عند حدود الرسم، بل أرادت أن تعيش الحياة بكل ما فيها وتكون جديرة بإصرارها على التطور، لذا حاولت أن تبدع في أكثر من مجال فانتقلت من الرسم إلى التصوير والرياضة. دخولها إلى عالم الرياضة جاء بمحض الصدفة، لم تخطط له، البداية كانت عندما التقت بالمدربة منار عبيدات التي عرضت عليها في ذلك الوقت أن تتعلم كرة الهدف وهي خاصة بالمكفوفين تعتمد على السمع بشكل أساسي، فالكرة بالأصل تحتوي على جرس لمساعدة الشخص الكفيف. وافقت آلاء على خوض التجربة فهي بالنسبة لها فكرة جديدة ومختلفة. اجتهدت كثيرا خلال تلك الفترة واستطاعت أن تطور من إمكاناتها وتتعلم أساسيات اللعبة وقواعدها. ومن كرة الهدف؛ انتقلت إلى رياضة الجري وألعاب القوى، لكن الإنجاز الأهم كما تراه آلاء هو عندما اختيرت قبل عام لتكون لاعبة أساسية في المنتخب الأردني. فرحة كبيرة شعرت بها حسب قولها وذلك لأنها أخيرا تمكنت من تثبيت قدميها في مجال واسع مليء بالمغامرة والتحدي. أحبت الرياضة وأدركت أن عليها أن تلحق طموحها ليكون بمقدورها أن توثق حضورا مميزا حافلا بالإنجازات الكبيرة والتي تجعل منها بعد ذلك لاعبة محترفة تسعى لرفع اسم الأردن عاليا. وتنوه آلاء إلى أن الرياضة غيرتها فقد أصبحت أكثر قربا من الناس تواجه الجميع من دون أن تكون خائفة من ردة فعلهم قرارها بأن تتخطى كل الصعوبات بإرادة قوية يجعل منها حتما شخصية إيجابية ومتفائلة تسعى للأفضل دائما. أما عن دراستها لتخصص علوم الحركة والتدريب الرياضي في الجامعة الأردنية؛ تقول “كوني أول شخص من ذوي الإعاقة يقدم على دراسة تخصص كهذا فقد واجهت الكثير من الانتقادات والمعارضة الشديدة”، لكن ذلك كله لم يزدها إلا إصرارا ومثابرة آلاء آمنت بنفسها وأحبت أيضا ما تعمل لذلك هي اليوم قوية تعرف تماما ما تريد لذا لم تعد تكترث للتعليقات السلبية. هي وعبر تجربتها المتواضعة، تطمح لأن تغير أفكارا ما تزال تحجم قدرات الأشخاص من ذوي الإعاقة وتبقيهم أسرى للأحكام المسبقة والتعميم الظالم. تقول آلاء “تعاملوا مع هذه الفئة بشكل طبيعي فقط هم لا يحتاجون أكثر من ذلك افتحوا لهم المجال لكي يكونوا جزءا حقيقيا من المجتمع لا من باب الشفقة فهناك نماذج كثيرة مبدعة تستحق أن تخرج إلى النور بما لديها من إمكانات”. اقرأ أيضاً: اضافة اعلان