أسر "تقصى" عن الجمعات العائلية في رمضان والسبب "ابن من ذوي الإعاقة"

98
98
ربى الرياحي عمان- دون ذنب، تقصى الكثير من الأسر ممن لديهم ابن من الإعاقة الذهنية عن الجمعات العائلية، وتحديدا تلك التي تزداد في شهر رمضان. وهنا تواجه الأسرة المستبعدة عن مثل هذه المناسبات حالة من التهميش، وكأنهم مدانون جميعا بأمر هو خارج بالأصل عن إرادتهم. وبدلا من احتضان هذه الأسر وتقديرها والوقوف إلى جانبها لدعمها، تستبعد اجتماعيا من قبل بعض النفوس القاسية، التي تجهل مدى مرارة ما تفعله لدى أسر هؤلاء الأبناء، هذا كله بالطبع ينعكس سلبيا على العائلة بأكملها، فتتولد عندهم الكثير من التساؤلات التي غالبا ما تشعرهم بأن عليهم أن يدفعوا الثمن نفسيا واجتماعيا. سلمى ابنة الـ12 عاما لديها أسئلة كثيرة تطرحها ببراءة واستغراب على والدتها يوميا “ليش إحنا الوحيدين إلي ما بننعزم برمضان.. وليش دايما محبوسين ما بنطلع عند قرايبنا متل صاحباتي؟ ولمتى بدنا نضل هيك بعاد عن الناس؟”. وتبين والدتها أنها باتت أكثر إلحاحا بعد قدوم شهر رمضان، هي تشعر بالحزن كثيرا كلما سمعت بإقامة جمعات على الإفطار في بيوت أقاربها، وهم الأسرة الوحيدة المستثناة من الدعوى، والمبرر هو أن أحد أشقائها يعاني إعاقة ذهنية، ووجوده قد يزعج الآخرين! تقول: “لماذا نحرم من أن نعيش كغيرنا، ما حدا بيختار يكون مريض”، بهذه الكلمات المؤلمة تمزق سلمى قلب أمها وتجعلها حائرة لا تعرف ما الذي عليها أن تفعله أمام هذا الموقف الصعب، فمن جهة هي لا تريد أن تشعر ابنتها بأن وضع أخيها هو السبب وراء حرمانها من أن تعيش أجواء رمضان كما تحب وتلتقي بأقاربها. ومن جهة أخرى، تجد أن سلمى ما تزال صغيرة غير قادرة على استيعاب القسوة التي يعاملون بها كأسرة لديها ابن له وضع خاص. لافتة إلى أنها كأم تحاول جاهدة أن تزرع الحب والتقبل بين ابنها من ذوي الإعاقة وأشقائه حتى لا يشعروا يوما بأنه عبء عليهم وأنه قد يكون سببا في تعاستهم. تقول “الحمد لله أصبحت ألمح في أعينهم الحب والعطف والحنان تجاه أخيهم”، مؤكدة أن التقبل مهم جدا، وخاصة بين الأبناء، لكي تستطيع الأسرة دعم ابنها من ذوي الإعاقة وتوجيهه. أما أم آدم فهي الأخرى يؤلمها جدا شعور القهر الذي تعيشه رغما عنها فقط لأنها أم لطفل مصاب بالتوحد، تقول: “لماذا نحاكم بكل تلك القسوة وتصادر الكثير من حقوقنا كأسرة فقط؟”، مبينة أن ابنها طفل كغيره حتى وإن كانت له احتياجات مختلفة هو في نظرها أفضل طفل في العالم وليس من حق أحد أن يهمشه ويراه عبئا على من حوله. لذا تحرص هي على تعويض أبنائها عن حرمانهم من الجمعات العائلية التي يقيمها الأقارب بالخروج إلى الأماكن العامة، تقول إن الإحساس بالعزلة مر وليس سهلا أبدا، لكنها قررت أن تتأقلم مع وضعها منذ البداية. ولا تجد نفسها مخطئة عندما تسارع بتقديم الاعتذار عن حضور أي مناسبة اجتماعية واستغلال ذلك الوقت بالبقاء مع ابنها. فهي لن تنسى كسرة قلبها عندما طلبت منها إحدى قريباتها بأن تأتي وحدها إلى المناسبة التي ستقيمها دون أن تصطحب معها ابنها لأنه من الممكن أن يخيف الصغار أو أن ينزع شيئا من الأثاث. تلك اللحظة لم تمر مرور الكرام على أم آدم، بل أصبحت جرحا يؤلمها كلما تذكرت الموقف. وتؤكد أنها كأم تحاول جاهدة وبكل البدائل المتاحة أمامها ألا يدفع أبناؤها ثمن قلة الوعي والاستهتار بمشاعر الآخرين. الاختصاصي النفسي الدكتور موسى مطارنة، يرى أن الدمج يحل الكثير من المشكلات التي يتعرض لها الشخص من ذوي الإعاقة أو حتى أسرته وأن مشاركتهم في الأنشطة الاجتماعية ضرورية جدا؛ حيث تسمح له وللأسرة كافة ممن لديهم ابن من ذوي الإعاقة بالتفاعل والتواجد والإحساس بالمساواة عن طريق كسبهم لحقوقهم المشروعة. وحسب رأيه، فإنه من الظلم والقسوة أن تحاسب هذه الأسر على وضع لم تختره ولم يختره حتى الابن، وهذا حتما ليس إنسانيا على الإطلاق. مبينا أن هذه الفئة بالذات بحاجة إلى الدعم والمساندة، وأيضا بحاجة لأن يشعروا بالتقدير وبأنهم جزء مهم من المجتمع. لكن نبذهم وتهميشهم هم وأسرهم، كما يلفت مطارنة، يعد سلوكا مهينا وقاسيا يخلو من الرحمة والتقبل، وحتما ينتج عنه بالطبع تمييز وقهر وانطواء وشعور دائم بالظلم، وهذا قد يدفع ثمنه الأبناء الآخرون، إذا ما تم الانتباه لخطورة المشكلة وجوانبها السلبية على حياة الكثير من الأسر ممن يعانون الإقصاء والرفض والتجاهل دون أي ذنب. ويؤكد الاختصاصي الاجتماعي الدكتور حسين الخزاعي، أن إقصاء الأسر ممن لديها ابن من ذوي الإعاقة الذهنية هو تصرف غير مقبول اجتماعيا وإنسانيا، وهو بالمقابل أيضا حكم تعسفي يتجرد من الأخلاق والقيم، موضحا أن التعامل بقسوة مع هذه الأسر له أبعاد خطيرة تؤثر سلبا على المجتمع ككل، وتتسبب في نشوء الحقد والكراهية بين الناس، وبالتالي يصبح هناك شعور بالعدائية تجاه الابن من ذوي الإعاقة والرغبة في التخلص منه ووصول إخوته لمرحلة يتمنون فيها غيابه أو عدم وجوده من الأصل. ويشير الخزاعي إلى ضرورة تدارك هذه المخاطر وأخذها على محمل الجد، إضافة إلى استغلال شهر رمضان المبارك في جبر خواطر هذه الأسر وإشعارها بأنها كغيرها من حقها أن تتواجد في الجمعات العائلية، وكذلك محاولة التأليف بين قلوب الإخوة وتحصينهم بالحب ليستطيعوا أن يتحملوا كل ما يمرون به. وينوه إلى أهمية فرحة هؤلاء الأبناء بالهدايا والتواصل معهم بالابتسامة والنظرات الحانية، فذلك كله بالتأكيد سيكون له أثر إيجابي في نفوسهم جميعا كأسرة. ويشير الاختصاصي التربوي الأسري الدكتور عايش نوايسة، إلى أن تعويد الأبناء منذ الصغر على تقبل أخ لهم من ذوي الإعاقة خطوة في غاية الأهمية يترتب عليها لاحقا قدر كبير من الوعي والتفهم والاحترام، وبالتالي يتربى الأبناء داخل الأسرة على محبة هذا الأخ وحمايته ومساندته. وحسب رأي نوايسة، فإن على الأسرة ممن لديها ابن من ذوي الإعاقة أن تتعامل بشكل طبيعي مع هذا الوضع دون مبالغة أو إهمال، مؤكدا أن جميع الأسر معرضة لهذا الاختبار وأن النجاح هنا يكمن في قدرة الأسرة على ترتيب شؤون حياتها وفقا لظروفها الخاصة. ويضيف “كما ينبغي عليهم كأسرة مراعاة مشاعر الأبناء الآخرين وعدم حرمانهم من المشاركة في المناسبات الاجتماعية، حتى لا يشعروا بالقهر والحزن، وبأن وجود هذا الأخ مصدر شقاء وتعاسة لهم”. اقرأ المزيد: اضافة اعلان