إنجاز مركز الدراسات الاستراتيجية

يشكل الإنجاز الذي حققه مركز الدراسات الاستراتيجية في الجامعة الأردنية كأفضل مركز دراسات في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بين 507 مراكز شملها التقييم، درساً ينبغي أن نتعلم منه في قطاعات أخرى لنراكم مزيدا من الإنجازات الوطنية. بالمقارنة بأول 25 دولة فيها أعلى عدد من المراكز (61 مركزا فأكثر) يتضح عدة مؤشرات تهمنا في الأردن. أولاً، أن 22 من هذه الدول هي ديمقراطيات ناجزة. ثانياً، أن ثلاثة بلدان هي الصين وإيران وبوليفيا هي غير ناضجة ديمقراطياً. اضافة اعلان
يرتبط عدد مراكز الدراسات على العموم، ومع بعض الاستثناءات، طردياً بمدى ديمقراطية البلد وغناها، ونفوذها. مثلاً أكثر عدد مراكز كان في الولايات المتحدة 1871، تليها الهند 509، الصين 507، ثم بريطانيا 321. أما بلدان المنطقة فكان العدد في إسرائيل 69، إيران 64، تركيا 48. بينما مصر 39، السعودية 10، والأردن 28. يأتي حصول الأردن على المركز الأول هنا كاستثناء مقارنة بدول المنطقة من حيث الحجم والنفوذ والغنى.
تحقق هذا الإنجاز الاستثنائي بسبب عدة عوامل فنية تم تقييمها من قبل الدكتور جيمس ماكغان مدير برنامج مراكز الدراسات والمجتمع المدني في برنامج العلاقات الدولية في جامعة بنسلفانيا الأميركية. وغطت هذه المؤشرات القدرة على توظيف الباحثين والاستفادة من الخبرات المحلية والعالمية، المحافظة على مستوى أداء متسق، والتمويل، وقدرة التواصل مع مخططي وصانعي السياسات العامة، والقدرة على إجراء أبحاث دقيقة ووقتية، ووجود علاقات مثمرة بين الأكاديميين، والسياسيين، ووسائل الإعلام محلياً ودولياً.
وبهذا تقدم مركز الدراسات الاستراتيجية على معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي الذي حل ثانياً وعلى مركز كارنيغي الأميركي في بيروت الذي حل ثالثاً وعلى مركز الأهرام المصري العريق الذي حل رابعاً ومركز الجزيرة للدراسات الذي حل خامساً، ومركز بروكنغز الأميركي في الدوحة الذي حل سادساً ومركز الإمارات للسياسات الذي حل سابعاً. تقدم المركز لأنه أنجز في مؤشرات الاستخدام مثل السمعة المحلية، الحضور الإعلامي، الشهادات من قبل الهيئات ذات العلاقة، المنشورات، وتنظيم المؤتمرات والندوات.
يُسجل هذا الانجاز لمركز الدراسات ولإدارته الحالية في ظل حالة التشاؤم والسلبية المنتشرة. إذ لم يدخر مدير المركز الصديق الدكتور موسى شتيوي جهدا للنهوض بالمركز ووضعه على الخريطة العالمية وإدخاله في مجال السياسات العامة الداخلية بشكل أعمق. يساعده بذلك فريق جاد ممثلاً بالدكتور وليد الخطيب اللامع في مجال استطلاعات الرأي والذي أصبح خبيراً دولياً بهذا المجال. والدكتور إبراهيم غرايبة المرجع في حركات الإسلام السياسي وتاريخ الفكر والفلسفة والدكتورة سارة عبابنة التي تختص بدراسات المرأة والدكتور محمد أبو رمان قبل أن ينضم للحكومة الحالية. وفريق إداري تعلّم ونما مع نمو المركز.
ويدل هذا الإنجاز على أن البناء التراكمي يؤدي لنتائج إيجابية للبلد. إذ قدم مركز الدراسات الاستراتيجية مساهمات منتظمة منذ العام 1993 عندما أسس ونفذ استطلاعات الرأي العام لغايات النشر حول تقييم مستوى الديمقراطية في الأردن وبعد ذلك في الإقليم، وتقييم أداء الحكومات الأردنية منذ العام 1996، إضافة لبنائه شبكات عربية ودولية لرفد هذا النوع من البحث في المنطقة العربية مثل مقياس الرأي العام العربي، ومبادرة الإصلاح العربي وغيرها. وتوسع كذلك في الدراسات التي تهم الاقتصاد الأردني مثل الفقر والبطالة والاستثمار والتحول الاقتصادي. وأدخل دراسات الأمن الإقليمي مُركزاً على دول الجوار وأثر سياستها على أمن الأردن.
وقام على هذا الجهد منذ منتصف التسعينيات عدد من الباحثين الرواد الذين تشرفت بزمالتهم وصداقتهم مثل الدكتور مصطفى الحمارنة الذي يُعزى له الدور الأكبر في التأسيس لما حققه المركز من نتائج اليوم، والدكتور ابراهيم سيف الاقتصادي المتميز الذي عمل وزيرا للتخطيط والسياحة والطاقة بكفاءة واقتدار، والدكتور نواف التل الذي يمثلنا الآن سفيرا في هولندا، والدكتور حسن البراري الذي يُثري النقاش العام بمؤلفاته الكثيرة وكتاباته المستنيرة، والدكتور محجوب الزويري الخبير المتمرس في الشأن الإيراني وأمن الخليج، والدكتور محمد المصري الذي يقود مؤشر الرأي العام العربي في المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات في قطر.
الاستمرار في مراكمة البناء يتطلب مزيدا من الدعم للمركز لرفده بكفاءات شابة تُكمّل المسيرة من خلال إبتعاث مزيد من الطلبة المتميزين واستقطاب خبراء لتوسيع دائرة نشاط المركز في اختصاصات جديدة تعالج قضايا السياسات العامة. الأردن ليس الأغنى ولا الأقوى في الإقليم لكنه يُقدم نماذج تغلبت على كثير من الصعاب لتحقيق نتائج تراكمية تستحق الاحترام والتقدير.

  • رئيس مجلس إدارة نماء للاستشارات الاستراتيجية