التعافي وتجاوز المحن.. هل يمنح الإنسان فرصة لعيش حياة أكثر رضا وتفاؤلا؟

998
998
ديمة محبوبة عمان - كثيرة هي محطات الحياة التي يقرر فيها الإنسان أن يتغير، وينظر بشكل مختلف لكل مساراته، وما اعتاد فعله خلال سنوات طويلة، فتكون أولى هذه الخطوات أن يعطي اهتماما أكبر لما يرغب به وما يجعل حياته أفضل حالا وأكثر رضا وطمأنينة، وأقل حزنا وأوجاعا. قد لا تأتي تلك المرحلة "فجأة"، لكنها ترتبط بحالة صعبة ومؤلمة عاشها الإنسان وصل فيها للحظة فقدان الأمل بكل شيء، والخوف من انتهاء العمر، ليكتشف أنه لم يعط نفسه حقها، ولم يعش حياته كما يريد، فيعيد حساباته كاملة، ويفتح صفحة جديدة ليحيا ما تبقى من العمر بشكل مختلف تماما. "عشت جلّ حياتي من أجل غيري، كنت أفضل مصلحتهم وما يرغبون به على ذاتي، أتغاضى عن كل ما تحبه نفسي لأجلهم".. بهذه الكلمات بدأت سلام علي حديثها. وتكمل "أنا موظفة منذ سنوات طويلة، ومعظم ما أتقاضاه أقدمه لعائلتي الممتدة لكي يعينهم على الحياة، عدا عن وقتي الذي يذهب بأكمله لمساعدة هذا وذاك.. أعلم أنني أفعل ذلك من باب الحب والواجب، لكنني وفي خضم كل ذلك قصرت بحق ذاتي.. وتركت خلفي أحلاما كثيرة". متاعب نفسية اختبرتها سلام، لم تشعر يوما أنها عاشت كما تريد، فرغبات الآخرين طغت على رغباتها، لدرجة أن ذلك أصبح فرضا عليها، وأي تقصير صغير يصدر عنها يقومون بمحاسبتها عليه، والضغط عليها. بعد سنين من هذه التضحية أصابها فيروس كورونا، وكانت إصابتها شديدة للغاية، اضطرت خلالها لأن تدخل غرفة العناية المركزة، وتخضع لعلاج خاص على أجهزة الأكسجين و"التبخير"، لمدة تزيد على شهر ونصف. شعرت أن حياتها مهددة ودخلت مرحلة الخطر، ليعيد بها الزمن سنوات الى الوراء، وتفكر فيما مضى، متسائلة ما الذي حققته لذاتها وهل كانت سعيدة حقا، هل رأت بعض أحلامها يتحقق، أم ذهبت من بين أيديها، هل فكرت للحظة بنفسها، وقررت ماذا تريد وعن ماذا بإمكانها أن تستغني؟.. لتجد نفسها تعيش في متاهة كبيرة، وحزن للحال الذي وصلت إليه. لكنها اتخذت قرارا بأن تمنح لذاتها من جديد كل شيء، حينما تجاوزت المحنة، وأن تهتم بصحتها وجسدها، وقضاء الوقت بأشياء تحبها، من دون أن تكون أولويتها الأساسية هي الآخرين. وتضيف أيضا، أن اهتمامها بذاتها وجمالها وملابسها بات أكبر، فعندما تفكر بالأيام الصعبة التي مرت بها خلال محنة مرضها، واقترابها من الموت، تزيد رغبتها بتعويض كل ما فاتها. وتؤكد أن المرض كذلك، جعلها تفكر بالمقربين من دائرتها، ومن كانت تسميهم أصدقاء ورفقاء روح، إذ اكتشفت معدن الأصدقاء الحقيقيين ومن وقف بجانبها واهتم بحالتها الصحية، فكثير من المقربين جدا كان اهتمامهم فقط عبر رسالة نصية يتمنون شفاءها، خلال فترة مرضها الطويلة الصعبة. في حين أن آخرين كانت تضعهم في مرتبة المعارف، وقفوا بجانبها وقدموا لها مساعدة كبيرة لم تتوقعها، مبينة أن الظروف الصعبة التي اختبرتها جعلتها "تغربل" قائمة كل أقاربها ومعارفها. ليست سلام وحدها التي عانت الأمرين من الأمراض الخطيرة والمهددة للحياة؛ فهالة مصطفى تبين أن الأمراض والظروف الصعبة أو حالات الحزن الشديدة كالفراق والموت، جميعها تشكل محطة بحياة الشخص وتجعله ينظر إلى كل شيء حوله بشكل مختلف. الأربعينية هالة اكتشفت أنها مصابة بالتصلب اللويحي بعد أن تعرضت إلى هجمة عنيفة أثرت على حركتها فترة من الزمن، إذ خسرت عملها، وضاق محيطها، وابتعد عنها الكثير من الأشخاص، لتشعر بصدمة كبيرة، خصوصا أن مرضها لم يرحمها بهجماته التي تؤثر كثيرا على صحتها. تقول "الحياة بمشاكلها وظروفها الصعبة وسرعة وتيرتها تسرق من الشخص أمنياته وأحلامه.. حتى أنه في المحن يكتشف من كان صادقا معه ومن يكن له مشاعر حقيقية والعكس صحيح". لذلك، تنصح هالة كل شخص بأن يكون شاكرا للنعم التي يعيشها، وأن ينظر للحياة بشكل مختلف، ويعيشها من دون أن يسمح لأحد أن يسرق متعته وشغفه وسعادته. أما كمال الذي أصابه فيروس كورونا، فما يزال يعاني بعض أعراضه القوية، يقول "مرضي وتعبي الجسدي كانا بكفة وخطورة حالتي وترقب الأكسجين الذي يقل في كثير من الأيام والحرارة المرتفعة وابتعادي عن أطفالي وزوجتي بكفة أخرى". ويضيف "كثيرا ما كنت أبكي وحدي بالحجر الصحي، عندما أفكر وكأن هذه هي الأيام الأخيرة لي بعيدا عن كل أحبتي، أشعر أن الكثير من الأمور لم أقم بها بعد مع عائلتي، وما يزال لدينا ذكريات جميلة ولحظات لأقضيها معهم". وبعد أن تعافى كمال من المرض وخرج من المرحلة الحرجة، اتخذ قرارا أن يترك وراء ظهره كل ما كان يتعبه ويزعجه ويلتفت إلى ذاته وعائلته معه، ويعيش لحظاته بسعادة ورضا. يؤكد كمال "أن الظروف الصعبة والمحن أحيانا تولد داخل الشخص مشاعر ومواقف مختلفة". وتتأثر الصحة النفسية للشخص الذي تعرض إلى محنة أو مرض شديد أو فقدان عزيز، فهو يحتاج إلى مواجهة ما حدث معه وتجاوز مرحلة الخوف والقلق والالتفات إلى بصيص الأمل الذي قد يأتي في المراحل الأخيرة، وفق اختصاصي علم النفس د.موسى مطارنة. ويؤكد أن إحساس الشخص أنه اقترب من لحظات الموت، قد يسبب له صدمة له في بعض الأحيان ويحتاج لأن يتمتع بالقوة والعزيمة لتجاوز الماضي، وهنالك أيضا من يبقى داخل دائرة الحزن وينظر لحياته كيف سارت بشكل متسارع بعيدا عن تحقيق ما كان يصبو اليه. ولكن الأهم من ذلك، أن يقدم الشخص لذاته وعودا بأن تكون حياته واهتماماته، أولوية لديه، لكي يشعر بالتعافي الحقيقي، وأن يسيطر أكثر على حالة الخوف والقلق التي ترافقه عند المرور بالمحن والمصائب. وينصح مطارنة بأن ينظر الشخص الذي مر بظروف صعبة للنصف الممتلئ من الكأس، وأن يساعد ذاته على الوقوف من جديد والنظر بعين التفاؤل بأن ما يزال أمامه المزيد من الوقت لكي يعيش حياته برضا وفرح وسعادة برفقة من يحب، وأن يعيد شريط حياته بشكل إيجابي، ويستيقظ كل يوم بأمل جديد أن القادم أفضل.اضافة اعلان