التفاؤل.. حينما يكون ملجأ وحاجزا يحد من "وسواس الخوف"

01
01
تغريد السعايدة عمان- “تفاءلوا بالخير تجدوه”، مقولة تتكرر على مسامعنا، فيها جرعة كبيرة من الأمل الذي يكسر جمود الألم والخوف والتردد، وهو شعور يدفع بالإنسان إلى العمل المقرون بالأمل بأن القادم أفضل، في ظل ظروف اجتماعية واقتصادية وصحية، باتت تحاصر الإنسان الذي يبحث عن “طاقة الفرح والخير المنتظر”. “أنا شخصية أستحضر التفاؤل في حياتي حتى أستمر وأتقدم وأسعى”، تقول سجى خالد تلك الكلمات في معرض ردها عما إذا كانت شخصية متفائلة أم لا، وتضيف “إن ما يمر به العالم أجمع في هذه الفترة يدفعنا إلى أن نجلب التفاؤل إلى أنفسنا حتى نستطيع الاستمرار في الحياة، التي يوماً تلو آخر تفاجئنا بالتغيرات التي تحدث، ولا يخلو منها أي بيت”. وتعتقد سجى، وهي ربة منزل وموظفة، أنها مرت وزوجها بظروف اقتصادية بسبب جائحة كورونا، وتأثر عمل زوجها المتقاعد “الإضافي”، ولكنه توقف بعد قوانين الدفاع، أن التفاؤل بحاجة إلى طاقة كبيرة من الإنسان حتى يستطيع الاستمرار في الحياة، ودائماً ما تستذكر الأحاديث والأقوال التي تدعو إلى التفاؤل. والتفاؤل هي كلمة ما إن تمر على مسامع الفرد، حتى يتذكر الكثير من المواقف في حياته التي شعر بها باليأس، وفي وسط ذلك كان التفاؤل والأمل “سبيلا له” للخروج من الحالة النفسية الصعبة، لذلك عرف التفاؤل في معاجم اللغة بأنه “استعداد نفسي يهيئ لرؤية جانب الخير في الأشياء والاطمئنان إلى الحياة ويساعد على تحمل مصاعب الحياة، وهو دائم الانشراح ومن يرى كل شيء جميلا عكس التشاؤم”. ولكونه “استعدادا نفسيا”، فإن التفاؤل هو حالة نفسية تؤثر على مسار حياة الإنسان بشكل إيجابي، ويعرف اختصاصي الصحة والطب النفسي الدكتور أحمد عيد الشخانبة، الشخصية المتفائلة، بأنها الشخص الذي لديه اعتقاد بأن أي شيء لم يحدث يعد إيجابيا، في حين أن الشخصية المتشائمة هي التي ترى أن أي شيء لم يحدث هو أمر سلبي. وبالتالي، فإن المنظومة الفكرية لدى الشخصية المتفائلة تتعلق بأفكار وتوقعات وتفسيرات إيجابية، وفق الشخانبة، بيد أن المنظومة الفكرية لدى الشخصية المتشائمة تتعلق تفسيراتها بأفكار وتوقعات سلبية وغير سارة، وهنا فإن المزاج الحزين والمحبط هو الطاغي على هذه الشخصية، ويكون مكتئبا ويفكر دائماً بالأسوأ، والشخص المتفائل يتمتع بشخصية سعيدة ومرحة ومحبوبة ودائماً ما ينتظر الأفضل. قد يكون للأحداث الجارية دور كبير في تحديد شخصية ومزاج الإنسان وتحوله ما بين متفائل أو متشائم، لذلك، تؤكد سمر الحاج أنها ما تزال تستغرب من الكم الكبير من التفاؤل لديها وتمسكها بالأمل بعد أن تابعت أولا بأول حادثة الطفل المغربي ريان الذي استمرت محاولة إخراجه أياما متتالية، وبقي الأمل والتفاؤل لدى المتابعين من إمكانية إخراجه معافى، رغم النهاية المأساوية التي انتهت بوفاته. وتقول سمر التي علقت على الحادثة من خلال منشور عبر مواقع التواصل الاجتماعي، إنها ورغم خروج الطفل “متوفى”، إلا أنه خلق حالة من التشبث بالأمل والتفاؤل بأن السعي يمكن أن يقدم الخير وأن يحصل الإنسان على مراده، وهذه صورة واقعية وحدث آني يتمثل فيه التفاؤل لديها، وتقول “كل إنسان لديه متاعب في الحياة ولكن لا يجب أن تبقى عائقاً وهمياً ونفسياً لتقدمه وحدوث الأفضل في المستقبل”. وعلى الرغم من أن أي شخص يعتقد أن التفاؤل هو حالة “وهمية نفسية فقط”، إلا أن الشخانبة يؤكد مدى ارتباطها بالحالة الجسمانية للإنسان، ما بين “حزين متشائم وسعيد متفائل”، فهي تؤثر على معدل نبضات القلب وضغط الدم وسرعة الدورة الدموية وحرارة الجسم، وتكون بلا شك أفضل لدى الشخص المتفائل، كما أنه يتمتع بروح معنوية عالية جداً، ولديه القدرة على البحث عن الحلول ولا يستسلم بسهولة عند مواجهة التغيرات وظروف الحياة الصعبة، وبالتالي لديه فرصة لحل مشاكله والتخلص منها. بينما يرى الشخانبة أن المتشائم لا يبحث عن الحلول وهو سريع الاستسلام، ويعاني الضغوط والمشاكل الصحية فيما بعد، ويصبح مرهقا ومريضا ويتسبب توتره وخوفه وقلقه السلبي بزيادة إفراز هرمون الأدرينالين في الجسم بفضل تلك الضغوط. ويستشهد الشخانبة بدراسة علمية لمرضى السرطان، تبين من نتائجها بعد تقسيم المرضى إلى قسمين “قسم متفائل حول مدى إصابتهم بالمرض، وآخر متشائم بتأكدهم من الإصابة”، أن نسبة الوفيات كانت أعلى لدى المجموعة المتشائمة مقارنة بالأخرى المتفائلة. وفي الوقت ذاته، يشدد الشخانبة على أهمية أن ننمي لدى أبنائنا “الأطفال واليافعين” الإيمان والتفاؤل في كل تفاصيل حياتهم، إذ يعني هذا الأمر أن المتفائل يقول دائماً، هناك أمل وهناك حل ويجب المحاولة، بينما سيقف المتشائم لا يحرك ساكناً ومتأكد من استحالة الأمل وأن الفرص معدومة وأنها “النهاية دائماً”. الاستشاري والخبير التربوي الدكتور عايش النوايسة، يؤكد مدى أهمية تعزيز البعد التربوي في حياة الإنسان وأن يكون دائماً على قدر من التفاؤل وانتظار الأجمل، إذ إن وجود شخصية متفائلة في محيط الأسرة هو وجود حيوي يساعد على بث الروح الإيجابية لدى الجميع ويساعدهم ويدعمهم، وبالذات في ظل هذه الضغوط التي تعانيها الأسرة، بسبب التغيرات الاقتصادية وظروف الجائحة التي ألقت بظلالها على كل بيت في المجتمع. ويشير النوايسة إلى أن الشخصية المتفائلة هي الشخصية المضادة للسلبية منها، وهناك إستراتيجية متبعة تربوياً لتعزيز السلوك الإيجابي من خلال وجود القدوة والنموذج والتي تسمى “النمذجة”، لغاية تعديل السلوك، إذ إن وجودك في محيطك كشخص متفائل وتبث الأمل في محيطك يجعلك “عامل عدوى صحية ومحببة لدى عائلتك ومحيطك ويخفف من تأثير الشخصية السلبية الموجودة”، على حد تعبيره. ولكون السلوكات تنعكس على البيئة المحيطة، فإن النوايسة يشير الى قدرة الأهل على تربية أبنائهم بأن يكونوا أشخاصا متفائلين مستمتعين بتفاصيل الحياة قادرين على التحدي والتجربة والمواجهة، فالإنسان ابن بيئته كما هو، مضيفا “وللوالدين دور مهم في زرع هذا النمط من التفكير في الحياة، حتى في وسط الأحداث الصعبة أو الحزينة فإنهم قادرون على التسليط على الجانب الإيجابي فيه، ووجود تغذية راجعة من تجربة الأسرة”.

اقرأ المزيد:

التفاؤل ودوره في تحقيق النجاح وتعزيز الصحة

خبير اجتماعي: التفاؤل والأمل سلاحنا في مواجهة الواقع الصعب

اضافة اعلان