الجذور الاجتماعية للسياسة الأميركية

قرار ضم الجولان وقبله القدس وما سيأتي بعده من ضم للضفة الغربية أو على الأقل أجزاء منها لإسرائيل ليس مرتبطا فقط بوجود ترامب ومجموعته في البيت الأبيض والخارجية الأميركية والدفاع. وإنما يتجاوز ذلك لما يمثله هؤلاء داخل المجتمع الأميركي. وعلى الرغم من أن معظم الدول العربية ووزارات خارجيتها تُفضل التعامل مع إدارات جمهورية لأنها "أكثر وضوحاً" (بغض النظر عن ماذا يعني ذلك الآن!) إلا ان هذا التفكير والتحالفات الناجمة عنه غير قابلة للاستدامة لعدة أسباب اجتماعية-سياسية داخل الولايات المتحدة. ولأسباب أخرى ترتبط بسياسات الدول العربية في العلاقة مع الولايات المتحدة. الأسباب السياسية-الاجتماعية الأميركية تتجذر بموقف الرأي العام الأميركي من دعم إسرائيل مقارنة بالفلسطينيين. في العام 1978 كانت نسبة مؤيدي إسرائيل بين جميع الأميركيين 45 % وفي العام 2018 بقيت 46 %، مقارنة بـ 14 % و16 % للفلسطينيين في ذات الفترة حسب بيانات مركز بيو للأبحاث. تتجذر في هذا الموقف عدة دلائل استراتيجية: إسرائيل هي الحليف الذي يكسب الحروب ورأس حربة متقدمة للولايات المتحدة في المنطقة؛ الأكثر تلقياً للدعم عسكرياً واقتصادياً وتكنولوجياً؛ وهي الأكثر زيارة من قبل الأميركيين في الشرق الأوسط. راهناً تأتي قرارات ترامب استمرارا في الاستجابة لقاعدته الانتخابية من اليمين الإنجيلي المتصهين (البيض البروتستانتيين)– وهم أشد داعمي ترامب من اليمين الجمهوري. بالنسبة لهم دعم إسرائيل ذو أبعاد دينية وله ترجمة سياسية اليوم من خلال ممثلي هؤلاء في الإدارة مثل مايك بنس نائب الرئيس، جون بولتون مستشار الأمن القومي، وبومبيو وزير الخارجية، وفي الكونغرس. وتطور دعم إسرائيل بين الجمهوريين عموماً من 49 % العام 1978 إلى 79 % اليوم. ويقابل ذلك انخفاض تأييد إسرائيل بين الديمقراطيين من 46 % عالام 1978 إلى 27 % العام 2018 على الرغم من أن الصوت اليهودي الأميركي أكثر حضوراً داخل الحزب الديمقراطي منه داخل الجمهوري. أما تأييد الفلسطينيين بين الجمهوريين فينحصر بنحو 6 % اليوم بينما كانت النسبة العام 2001 نحو 16 %. وارتفع تأييد الفلسطينيين بين داعمي الحزب الديقراطي من 21 % العام 2001 إلى 25 % اليوم. وهناك أيضاً اختلاف داخل الحزبين حسب درجة المحافظة والتقدمية في تأييد إسرائيل والفلسطينيين. ففي داخل الحزب الجمهوري، أيد 81 % من المحافظين داخل الحزب الجمهوري اسرائيل العام 2018، وكانت النسبة 56 % العام 2001. اما بين معتدلي وليبراليي الحزب الجمهوري فكانت النسب 70 % العام 2018، و 41 % العام 2001. بينما تراجع تأييد الفلسطينيين عند الطرفين داخل الحزب الجمهوري. من 12 % إلى 5 % بين المحافظين، ومن 21 % إلى 8 % بين المعتدلين والليبراليين داخل الحزب الجمهوري. وهذا مؤشر على أن العمل مع الجمهوريين لحل الصراع العربي الاسرائيلي أكثر صعوبة من العمل مع الحزب الديمقراطي من الناحية الايديولودجية. أما داخل الحزب الديمقراطي، كان تأييد إسرائيل بين المحافظين الديمقراطيين (Reagan Democrats) 37 % العام 2001 والآن 35 %، ووصل التأييد لإسرائيل بينهم 53 % قبل عدة سنوات. انخفض تأييد إسرائيل بين الليبراليين الديمقراطيين من 48 % العام 2001 إلى 18 % الآن، وبقي ينخفض بشكل تدريجي منذ ذلك التاريخ وحتى الآن. أما تأييد الفلسطينيين بين محافظي الحزب الديمقراطي فبلغ نحو 17 % العام 2018 وهو شبيه بما كان عليه العام 2001. بينما ارتفع تأييدالفلسطينيين بين ليبراليي الحزب الديمقراطي من 18 % العام 2001 إلى 35 % العام 2018، هذا تحول مهم ينبغي أن يتطور أكثر لتحسين البيئة التفاوضية للعرب قليلاً في حال بقيت الولايات المتحدة متمسكة بملف عملية السلام كما كانت منذ العام 1992. ترامب أوفى لناخبيه الحاليين وناخبيي جناحه السياسي في المستقبل بما وعدهم به في منطقتنا، مدعوماً باللوبي الاسرائيلي ودوره المهم في حسم الصراعات الانتخابية. ويتجه هؤلاء نحو إسرائيل أكثر وأكثر. إذا أراد العرب العمل بشكل إستراتيجي طويل الأمد فهناك تغير مهم بين داعمي الحزب الديمقراطي والجناح الليبرالي الأكثر تقدميةً داخله يميل أكثر للتأييد الفلسطينيين وبالتالي أكثر إنصافاً لهم وللقضية العربية في الصراع مع إسرائيل. هذا لا يعني انحيازاً للعرب بقدر ما هو نظام قيمي مختلف عن ذاك الذي يحكم اليمين المتدين والمرتبط بمصالح النفط والغاز والسلاح. * رئيس مجلس إدارة نماء للاستشارات الاستراتيجيةاضافة اعلان