السوشال ميديا وقضايا الرأي العام.. حينما تأخذ منحى ساخرا يضيع الحقيقة

547
547
تغريد السعايدة عمان – تشغل قضايا الرأي العام حيزاً كبيراً في وسائل التواصل الاجتماعي، ولكنها كثيراً ما تكون محط سخرية”واستهزاء” من قِبل مستخدمي تلك التطبيقات، وخصوصاً من فئة الأعمار الصغيرة. وبخلاف ما تثيره هذه القضايا من جدل مجتمعي واسع، فإنها وأطرافها تكون محطة لبث النكات وعمل مقاطع تمثيلية ساخرة، يحاول من خلالها هؤلاء المستخدمون أن يلاحقوا “الترند” والذي يجلب لهم المتابعات والمشاهدات والشهرة والمعرفة. هذه المقاطع تزداد وتيرة انتشارها مع وجود تفاعل مجتمعي يدفع الناس إلى متابعة مواقع التواصل الاجتماعي، لعدة اعتبارات منها للتسلية والترفية، أو بحثاً عن المعلومة، حتى وإن كانت نسبة كبيرة منها غير دقيقة ولا تحمل معلومة حقيقية، والهدف من نشرها مجاراة الحدث والتداخل الاجتماعي الذي يحدث ما بين الواقع الحقيقي والافتراضي، الذي تتوه فيه المصداقية كما هي الأسماء الوهمية المستخدمة. ووفق تقرير أصدرته شركة “Hootsuite” العالمية فقد بلغ عدد حسابات الأردنيين في مختلف شبكات التواصل الاجتماعي حوالي 10.9 مليون حساب، بأن اكثر تواجد للأردنيين عبر عالم التواصل الاجتماعي تركز على شبكة فيسبوك الاكثر شعبية واستخداما في جميع ارجاء العالم. بيد أن نسبة كبيرة من الشباب الأردني توجه، كما اقرانهم في مختلف دول العالم، إلى فضاءات “التيك توك”، والذي يسمح لهم بهامش حرية أكبر نوعاً ما، بسبب قوانين الشركة المالكة للتطبيق، وهذا ما يدفع الكثيرين كذلك إلى متابعة المحتوى الذي يتم بثه عبر التيك توك، بسبب اختلافه “إلى حد ما عن باقي تطبيقات التواصل الاجتماعي الأخرى”. ومن هنا، يتابع الأردنيون آلاف المقاطع التي يتم بثها عبر التيك توك، فيما يتعلق بقضاياهم الخاصة والعالمية، ولكن قد تجد المقاطع التي تتناول قضايا الرأي العام صدى واسعا في تلك المساحة الافتراضية، والتي قد تدفع بالكثيرين من الشباب واليافعين إلى محاولة جذب المشاهدات ببث مقاطع تمتاز بعضها بالجرأة وأحياناً تتجاوز “الحدود القانونية والأخلاقية” في تناول قضية ما وتعكس الصورة السلبية عن المجتمع ومؤسساته والتي يتخللها “اغتيال الشخصية” في بعضها. وفيما يتعلق بما يجري على منصات التواصل “الساخرة”، يشير الخبير والمدرب التربوي الدكتور عايش النوايسة أن ذلك يدخل من باب التقليد لما يجري في المجتمع، ويدل على قصور ثقافي في التعامل مع الأحداث والنظر إليها بنظرة سلبية، وذلك يتطلب تربية الأجيال على أهمية التعامل مع القضايا المجتمعية بطريقة أفضل ومواجهة التحديات المتعلقة بالسلوكيات الأخلاقية. كما يجب الابتعاد عن أخذ المواضيع العامة والحساسة بطريقة استهزاء وسخرية وإدراك تبعات ذلك، وفق النوايسة، وأهمية التعامل بطريقة أكثر حكمة ودراية مع تلك المواقع وان يتم مشاركة الآراء بطريقة أكثر جدية ومؤثرة بشكل إيجابي دون الإساءة لأي طرف من أطراف القضية التي يتم التطرق لها، مع إعطاء المجال بمساحة حرية ولكن مصانة بالأخلاق. الخبير وأستاذ علم الاجتماع الدكتور حسين الخزاعي يذهب الى أن مستخدمي تلك المواقع بهذه الطريقة هدفه “الإثارة” وحصد اكبر عدد ممكن من المشاهدات”، مشيراً إلى أنهم لا يضعون البعد الأخلاقي والوطني والاجتماعي في أولوياتهم، وما ينتج عنها من مضار ونتائج سلبية. ويوضح الخزاعي أن وجود مثل تلك المقاطع التي تُطلق بسخرية وإستهزاء من دون مراعاة الابعاد، قد يكون سبباً في حدوث الصراعات والنزاعات التي تسبب شرخاً في المجتمع، ولها تاثير سلبي كارثي أحياناً. لذلك، يشدد الخزاعي على ضرورة التأني في التعامل مع قضايا الرأي العام، بعيدا عن اصدار الاحكام المسبقة على أطراف القضايا الشائكة والتي تأخذ حيزاً من حوارات ونقاشات المواطنين في المجتمع، وانتظار الفصل فيها للقانون أو الجهات المختصة أياً كانت، والأهم من ذلك ألا نأخذها بسخرية وأن تستوقفنا الأخلاق، كون هناك الكثير ممن ينساقون نحو التفاعل مع “الترند” قد يقعون في مطب الإساءة سواء للدولة أو مؤسساتها أو أشخاصها، وهذا يتنافى مع ” البعد الوطني”. كما يدعو الخزاعي إلى الابتعاد عن التفاعل السلبي مع الأشخاص المؤثرين عبر تلك المواقع، والذين يستغلون تلك القضايا العامة في رفع رصيد حساباتهم عبر بث المقاطع الساخرة التهكمية دون وعي بخطورة ذلك، وأن الأولى الالتفات إلى قضايا وطنية أكثر أهمية من قضية عابرة يكون القضاء هو الحكم فيها، والتركيز على الجوانب المجتمعية المهمة كما في قضايا الشباب والبطالة والفقر ورفع الاسعار وكيفية معالجتها، فهي أكثر أهمية من مسابقة الترند وبث ما لا يتناسب مع أخلاقنا وعاداتنا وتقاليدنا المتعارف عليها. ووفق الخزاغي، فإن اغتيال الشخصية الذي نراه في بعض القضايا، من دون انتظار قرار الفصل من القضاء، أحياناً، قد يكون دافعا لبعض الأشخاص للانتقام عبر تلك المواقع الافتراضية، خاصة لمن يستخدمها دون معرفة بالقوانين الجرمية فيها، والأهم في ذات الوقت أن يكون المواطن على علم ووعي بحقوقه وواجباته من أجل حماية نفسه من الآخرين، وألا يكون سبباً في إيذاء الآخر بطريقةٍ ما. كما يرى النوايسة أن الخوض المبالغ فيه من قِبل الشباب صغار السن في القضايا العامة أو القضايا الحساسة، يجب ان يكون مدروسا ومتابعا من الأهل، وعدم السماح لهم بأن يخوضوا في التفاصيل غير المهمة، أو اطلاق الأحكام المسبقة، وهذا نوع من الثقافة السلبية القاصرة جداً، ووجودها يُشكل خطرا على منهجيات التفكير والتربية والتواصل الاجتماعي. كل ذلك، يتطلب من الأهل والشباب تغيير الأدوات التي يستخدمها الشباب للتعبير، وأن يكون هناك تركيز على مجال التربية الإعلامية، والحاجة ايضا، للتعامل الصحيح مع التكنولوجيا وأدوات النشر، ومن مختلف الجهات الاجتماعية والتشريعية ومراقبة المحتوى بشكل كافٍ، إذ إن اخذ المنحى السلبي في القضايا يؤثر على الأجيال من النواحي التربوية وقد يتحول إلى سلوك جماعي وبعيد عن المنهجيات السليمة، والتطلع نحو فكر مبني على القيم وتعزيز الجوانب الإيجابية. اقرأ أيضاً: اضافة اعلان