"الطعمة".. هدية بسيطة تحمل قيمة كبيرة

مخللات وأطعمة موسمية كثيرا مايتم تبادلها على سبيل الهدية بين الأقارب والجيران-(الغد)
مخللات وأطعمة موسمية كثيرا مايتم تبادلها على سبيل الهدية بين الأقارب والجيران-(الغد)
تغريد السعايدة عمان- "الله يطعم فلان، الله يطعم من أطعمنا.. وغيرها"، كلمات تتردد عند سماع دقات الباب من قبل أحد الجيران أو الأقارب، حاملا بيده ذلك "الكيس" أو "الطبق"، الذي يضم أحد أصناف الطعام أو المجهز من "حواضر" البيت، وهي من العادات الموسمية، التي يطلق عليها في مجتمعنا الأردني "الطعمة". الطعمة تلك الهدية البسيطة المتوفرة في البيت، وتهدى للجار والأخ والقريب، والغني والفقير، وعابر السبيل أحياناً، لتكون دلالة على "الخبز والملح" الذي يمتد عبيره إلى سنوات وأجيال في المجتمع الأردني، والتي تختلف في مضمونها وتفاصيلها وشروطها عن "الصدقة" المتعارف عليها، كون الطعمة لا تفرق بين غني وفقير، وقريب وبعيد.

تبادل الأطباق.. عادة اجتماعية صامدة يتوارثها الأبناء عن الأجداد

تبادل الأطباق بين الجيران طقس اجتماعي حاضر في زمن “كورونا”

الطعمة، هي كلمة عربية فصحى، وقد ذكرت في القرآن الكريم في قوله تعالى "ويطعمون الطعام على حبه"، بمعنى الإطعام والإهداء بكل حب وعن طيب خاطر، للعديد من الفئات في المجتمع، رغم أن كثيرين يعتقدون أنها كلمة عامية "من لهجة البادية على وجه التحديد"، ولكن بلاغة العرب صاغت معنى تلك الطعمة بأنها "كل ما يطعم من الرزق"، كما أطلق قديماً على الخراج والغنيمة وأي وجه من وجوه الكسب، على أنها طعمة، كما قيل إنها الدعوة للطعام.

معان: تبادل المأكولات الرمضانية موروث تكافلي لم يصمد بوجه “كورونا”

طبق الجيران يفوح برائحة الودّ والمحبة والذكريات الجميلة

وعلى الرغم من مرور الزمن والتغيرات التي لم تترك جانباً في حياتنا الاجتماعية إلا وترك فيها أثراً "تكنولوجياً" واضح العيان أثر في جميع العلاقات، إلا أن الطعمة ما تزال متواجدة في المجتمع ولم يزل أثرها، وقد يرى فيها كثيرون أنها أصبحت أحياناً تأخذ طابعاً "موسمياً" يتكرر عند مواسم الرزق لدى البعض. "مرطبان صغير من الزعتر البلدي وآخر تم تعبئته بالمكدوس"، هي طعمة صغيرة، ولكنها بقيمة كبيرة وصلت إلى ناديا من شقيقتها الكبرى التي اعتادت في كل وقت من هذا العام، الذي يتم فيه تحضير المكدوس والزيتون والمخللات، أن ترسل لها كميات متواضعة مما تحضره في البيت، كنوع من "الطعمة" والمساعدة في الوقت ذاته. تقول ناديا، إنها لا تمتلك المهارة والوقت الكافي لتحضير "مونة البيت في هذا الموسم"، لذلك تلجأ إلى شرائها من سيدات الإنتاج المنزلي، كونها تفضل منتجات السيدات أفضل من المحلات التجارية الأخرى، ولكن "طعمة" شقيقتها لها نكهة خاصة، على حد تعبيرها، عدا عن كونها دليل تآلف ومحبة وتذكرها من شقيقتها له وقع في النفس. ولكن الطعمة لا تقتصر على الإخوة والأقارب فقط، وإنما بين الجيران والأصدقاء، وحتى أنها تصل إلى بعض المغتربين في كثير من الأوقات، وخاصة المنتجات الموسمية، كما أشير لذلك، كونها مرتبطة بالبيت والأسرة والأجواء العائلية، مهما كانت قيمتها وكميتها المقدمة. ولكونها عادة اجتماعية متأصلة في المجتمع الأردني، يشير خبير التراث الاجتماعي الأردني نايف النوايسة، إلى أنها بالفعل عادة حسنة ومحببة وهي جزء متجذر من التراث الأردني، وتختلف في أشكالها وكمياتها، فقد تكون طعاما أو نقودا أو مواد عينية، أو مزروعات موسمية، وكان الأردنيون في السابق يقدمون الطعمة في مواسم الزيتون والقمح "بعد البيد والحصاد"، ويقوم صاحب الزرع بتقديم كمية من القمح أو الطحين للجيران أو الأقارب المحيطين، ومن الممكن أن يتم تبادل الطعمة بين الناس، كصورة على تبادل الأنواع والتآلف بينهم وأنهم "حال واحدة". ويبين النوايسة أن "الطعمة" قد تتداخل في الصدقات التي يتم تقديمها للآخرين، وذلك أن بعض العائلات تعمد إلى مساعدة الآخرين من الأقارب أو الإخوة والجيران، عن طريق تقديمها بكمية مناسبة أو بشكل مختلف، كنوع من المساعدة لهم، وهذا بات أمرا متعارفا عليه كذلك. ومن الأمثلة على ذلك، بحسب النوايسة، أن بعض العائلات في السابق، كانت تقوم بإهداء "عدد قليل من الماعز أو الخراف الصغيرة؛ اثنين أو ثلاثة فقط، للعائلات المحتاجة، كنوع من إيجاد مصدر رزق لهم نوعاً ما"، وقد يكون ذلك في موسم تكاثر "الحلال"، التي يطلق عليها اسم "الملوحة"، وفي هذا الموسم يتم إطعام اللبن والحليب والزبدة، وغيرها من المنتجات. وحتى هذا الوقت، ومنذ عشرات السنين، تعمد الحاجة أم زيد إلى تخصيص كمية كبيرة من محصول "دالية العنب" عند منزلها وشجرتي التوت والليمون، لأن تكون "طعمة"، وذلك من خلال قطف كمية وافية من العنب، على سبيل المثال، وتحضير أكياس خاصة لذلك، وتقوم بتقسيمها بكميات متساوية وتوزيعها على الأبناء والجيران والأقارب، حتى وإن كانت كمية قليلة، ولكنها "طعمة" وليست هدية، كما تقول. وكذلك الحال، مع شجرة الليمون، والتوت في موسمه، تقوم أم زيد بالعمل ذاته، كما يقوم بذلك معظم الجيران ممن يوجد لديهم ثمار "التين، المشمش، الرمان، اللوز.."، وغيرها الكثير مما يؤكل من الثمر، كما أن الكثيرين يعمدون لتوزيع نوع من الطعام "المطبوخ" للجيران مثلاً، على هيئة "صحن صغير فيه قليل من الأرز وقطعة دجاج واحدة" هي لا تكفي كل أفراد الأسرة، ولكنها "طعمة" بقيمة معنوية كبيرة، و"ردة نفس" كما يطلق عليها البعض، وخاصة فما يتعلق بـ"الطعام المطبوخ". ومن أفضل أشكال الطعم في السابق كذلك، يتحدث النوايسة عن إطعام المرأة "النفاس" التي وضعت مولودها قبل أيام، وذلك لمساعدتها على توفير الغذاء المناسب لها خلال هذه الفترة، والتي كان يطلق عليها المجتمع في السابق "المرأة الحورية"، وذلك كنوع من التكريم لها والرفع من شأنها، يتم تقديم كل ما يشد من عزيمتها وتوفير أفضل الأطعمة لها. وهذا إن دل فإنه يدل على المكانة الرفيعة للمرأة وتقديرها في الطعمة، وفق النوايسة، الذي يشير كذلك إلى تقدير المرأة "الأرملة" التي تربي الأيتام، لتكون المساعدة على شكل "طعمة" وكذلك الحال للعائلات العفيفة، وذلك لحفظ المحبة والتودد فيما بينهم للمساعدة بطريقة مناسبة دون أن يبادروا لطلب المساعدة والستر في الصدقة. ويرى النوايسة أن "تبادل الأطباق في رمضان" يعد من أشكال الطعمة، وما يتم تبادله بين الإخوة، وهو صلة الرحم، هو أيضاً من أشكالها، وما يتم تقديمه للطفل من طعام أو حلوى أو حتى نقود لشراء الحلوى يعد "طعمة"، تعد بكل تفاصيلها من أجمل العادات التي تحكم المجتمع في نظام التكافل والعون. [caption id="attachment_1117702" align="alignnone" width="436"] مخللات وأطعمة موسمية كثيرا مايتم تبادلها على سبيل الهدية بين الأقارب والجيران-(الغد)[/caption]اضافة اعلان