العمري: الحياة لا تأتي على مقاس أمنياتنا لكننا مستمرون بالمقاومة

0258
0258
ربى الرياحي عمان- “الحياة لا تأتي على مقاس أمنياتنا وأحلامنا.. لكننا مستمرون بالمقاومة”؛ بهذه الكلمات يبدأ الشاب رعد العمري (32 عاما) حديثه مع “الغد”، وهو الذي يؤمن بأن الخير كله قد يختبئ في أكثر اللحظات ظلمة. ولأن العمري لا يرضى بأنصاف الحلول كما يقول؛ يرى “أن نفرض أنفسنا بقوة أو نبقى على الهامش في إحدى زوايا العتمة”. وكشخص من ذوي الإعاقة الحركية، قرر أن يواجه الواقع ويعيش في النور تاركا خلفه كل العبارات المحبطة والآراء السطحية المضللة لطريقه. لم يتصالح العمري مع العزلة ولم يقبل أن يسجن بعيدا عن الحياة هربا من نظرات اللوم والاستغراب، بل عزم على أن يتحدى ثقافة العيب بإرادته لأن الإعاقة لا يمكنها أبدا أن تقتل الطموح وتصادر الأحلام. عمله على إحدى البسطات وبيعه الإكسسوارات الخلوية واليانصيب الخيري والحقائب، دليل قوي على أن لا شيء مستحيل مع الإرادة وأن العيب يكمن في اتخاذ الإعاقة ذريعة لتبرير الفشل والاستسلام والانزواء، وهو أيضا إثبات لحق ذوي الإعاقة وغيرهم بالعمل بشرف في أي مهنة بإمكانها أن تبعدهم عن حاجة الناس واستعطافهم. يقول العمري إن قصته مع الإصرار بدأت منذ الولادة عند اكتشاف مشكلة في أطرافه السفلية والعلوية، ومن هنا تحتم عليه أن يختبر كل ما هو صعب وأن يكون قويا يعرف تماما ماذا يريد من الحياة. العمري كبر وفي داخله إحساس بالمسؤولية تجاه نفسه لم تثبط عزيمته قيود المجتمع. غياب التسهيلات البيئية حرمته من أن يدرس ويتعلم كغيره، لكنها أبدا لم تستطع أن تطفئ شغفه في أن يكون مطلعا ومثقفا قادرا على اكتساب خبرات جديدة. عدم الذهاب إلى المدرسة بقي غصة في قلب رعد وحسرة تطارده بقسوة، رغم أنه لم يستكن لذلك العجز إنما بقيّ يحلم بالأفضل، لذلك رأى أن يقبل هو على الحياة بكل ما لديه من إيمان فاستطاع أن يتغلب على الشلل الدماغي عنده ويتعلم القراءة مع إخوته. لم يقف عند هذا الحد فحسب بل اجتهد ليثري شخصيته بالخبرة والمعرفة. العزلة بالنسبة له لم تكن خيارا في يوم من الأيام، فقد أيقن أن الاختباء وراء جدران صماء لا تشعر ليس هو الحل أبدا، مبينا أن المعيقات في الغالب تتجلى في البيئة المحيطة سواء كان ذلك من حيث جغرافية المكان أو الصورة النمطية السائدة عن الإعاقة وهذا بالطبع كله ينعكس سلبا على حياة ذوي الإعاقة. ويلفت إلى أن الحل يبدأ أولا من الأسرة الصغيرة للشخص عندما تؤمن به وبإمكاناته وتكون داعما وسندا له، وليس حجر عثرة في طريقه وحتى يكون ذلك لا بد من منح الثقة لهذا الشخص ليظهر كل ما لديه من إبداع وقدرة على الإنجاز والاستقلالية إضافة إلى أن هذه الثقة التي تعطى من قبل الأهل للشخص من ذوي الإعاقة تساعده حتما على أن ينجح ويكون مصدر فخر بالنسبة لعائلته ولكل من يعرفه. اعتماده على نفسه ماديا ووصوله إلى هدفه وتمكينه من أن يكون منتجا بدلا من شخص لا حول له ولا قوة ينتظر الشفقة والإحسان، كلها خطوات مهمة ليكون سببا في فتح الباب أمام غيره من الشباب ممن يبحثون عمن يلهمهم. رعد بتصميمه وإيمانه الكبير بنفسه قرر أن يتحدى ثقافة العيب ويثبت للجميع أن العجز ليس له علاقة بالإعاقة هو نابع من الخوف والإحباط والخضوع لتلك القيود الاجتماعية المعادية للتغيير. ومن خلال عمله وبيعه لإكسسوارات الخلوي واليانصيب الخيري الأردني والحقائب، يوجه رسالة لكل فئة ذوي الإعاقة مطالبا إياهم أن يتحرروا من دائرة الخجل والاستسلام، فالإرادة تهزم المستحيل وليس هناك شيء صعب على الإنسان إذا كانت لديه الرغبة في أن يستقل ويكون ناجحا وقدوة لغيرهم ممن سيرون فيه رمزا للأمل والعزيمة والإنجاز. أما عن التشريعات والقوانين غير المفعلة والتقصير بحق ذوي الإعاقة، فيرى رعد أن تطبيق هذه القوانين على أرض الواقع وبالشكل الصحيح يحتاج لجهد أكبر من المبذول وعمل حقيقي ملموس، لذا فإن على الجهات الرسمية تحديدا أن يبدأوا بإنصاف هذه الفئة وتقديم الأفضل لهم من باب حقوق وليس استعطافا لعلهم يستطيعون تحقيق شيء من العدالة الاجتماعية. مطالبته بحقوقه ليست لأنه صاحب إعاقة بل لأنه إنسان من حقه أن يعيش بكرامة، وهنا يستذكر رعد مقولة المغفور له الملك الحسين بن طلال طيب الله ثراه عندما قال “الإنسان أغلى ما نملك”، وهذا إن دل فإنما يدل على أن الجميع سواسية لا فرق بينهم لذا لا بد من أن تخرج هذه السياسات والتشريعات الخاصة بفئة ذوي الإعاقة عن نطاق الورق وتدخل فعليا حيز التنفيذ حتى تشعر هذه الفئة على الأقل بالاستقرار النفسي والمادي. وينوه رعد إلى أن العوائق أمام الأشخاص من ذوي الإعاقة ما تزال كثيرة فهو شخصيا وعن تجربة يواجه صعوبات عديدة آخرها كانت أثناء انتخابات البلدية بعدم تهيئة البيئة المناسبة لذوي الإعاقة كما يجب، واضطراره لأن يحمل من قبل من حوله للوصول للطابق الثالث ليدلي بصوته مستنكرا هذا التهاون. وعن الصعوبات التي تعترضه في عمله؛ يقول رعد “لكل منا قصته ومشكلاته التي تؤرقه وتتعبه وكغيره من الأشخاص فإن الصعوبات تحيط به من كل مكان لكنه مع ذلك يجد نفسه قادرا على تجاوز أي عقبة قد تقف أمامه”. وفي المقابل بات يعرف جيدا كيف يبرهن على إمكاناته ويثبت للعالم أن عمله هذا تأكيد على حقه في إعالة نفسه وحمايتها من أن تكون فريسة للوحدة والتهميش وليس بوابة للتسول كما يعتقد البعض. رعد استطاع من خلال عمله على البسطة أن يبدل نظرات العطف والشفقة إلى نظرات إعجاب واحترام لأنه يريد أن يكون مفيدا لنفسه ولغيره من الشباب العاطل عن العمل. يدرك اليوم أن عمله في وسط البلد أضاف له الكثير، فتواجده الدائم في مثل هذه المنطقة سمح له بالاحتكاك المباشر مع الناس وأكسبه شخصية قوية وأيضا مكنه من تثقيف نفسه اجتماعيا وسياسيا واقتصاديا، بمعنى آخر سهل أمامه الطريق للدخول لشتى مجالات الحياة وكله شغف في أن يكون له يد في تعبيد كل الطرق الوعرة ليستطيع الأشخاص من ذوي الإعاقة تحقيق أحلامهم والوقوف بثبات مهما كانت العراقيل. ويتوجه العمري بالشكر الكبير لصحيفة “الغد” على اهتمامها بذوي الإعاقة وإيصال صوتهم وتسليط الضوء على قضاياهم والتطرق لقصص نجاح ملهمة ومميزة هدفها إبراز حقيقة هؤلاء الأشخاص والاحتفاء بما لديهم من إنجازات وإبداع يستحق التقدير. اقرأ المزيد: اضافة اعلان