الكوفحي يحتضن مواهب التشكيليين تحت مظلة واحدة في إربد

التشكيلي خليل الكوفحي- (من المصدر)
التشكيلي خليل الكوفحي- (من المصدر)

أحمد التميمي

إربد- حتى وقت متأخر وقبل نحو 5 سنوات أو أكثر، كانت مدينة إربد، وبالرغم من أنها تحتضن الجامعة التي فيها أول كلية للفنون الجميلة في الأردن، وقليلة المشاركة في الفعاليات والأنشطة الفنية، وخصوصا تلك المتعلقة بالرسم تحديدا والملتقيات كذلك، إلا أن ابن مدينة إربد رئيس جمعية الرواد للفنون التشكيلية الفنان خليل الكوفحي حرص على جعل مدينة إربد لها حضور فني ليس على المستوى المحلي أو العربي بل على المستوى العالمي.

اضافة اعلان


بدأ الكوفحي رحلته الفنية متصديا للكثير من المعيقات سواء ببعد المسافة عن العاصمة أو شح الإمكانات وغيرها من التحديات منطلقا من فكرة الملتقيات عبر حضور وجذب الفنانين الى المدينة.


بدأ الفنان الكوفحي بدراسة المشهد العام ووضع رؤية لما سيقدم عليه، وانطلق في أول ملتقى فني له بتنظيم من جمعيته التي يرأسها، وارتأى أن يبدأ عالميا منذ الملتقى الأول بمشاركة فنانين من مختلف دول العالم، وتعين عليه حشد كل إمكاناته وخبراته في تنظيم الملتقى بالرغم من عدم وجود دعم مادي لأي من الجهات الحكومية والخاصة.


وبإمكانات قليلة، انطلق أول الملتقيات في العام 2016 في متحف السرايا في قلب مدينة إربد بحضور فنانين من مختلف دول العالم؛ حيث انطلقت عجلة الملتقيات بورشات الرسم المباشر في باحات المتحف، واختتمت بمعرض فني بحضور جماهيري لافت، وكان ذلك الملتقى فاتحة خير على المدينة التي استقبلت بعد ذلك 12 ملتقى حتى العام 2019 التي توقفت بفعل جائحة كورونا، وكانت الملتقيات تقام في كل مرة بموقع مختلف.


كان ذلك الملتقى الذي أقيم في متحف دار السرايا حدثا غير عادي، فلم تنظم سابقا ملتقيات مشابهة أو لم تقم معارض ضخمة بهذا العدد أو بهذا التنويع من جنسيات الفنانين المشاركين، ولأن صالات الفنون في مدينة إربد تكاد تكون معدومة، إلا أن الملتقى كسر التقليد العام بحضور فنانين عالميين، فقد وفر للجمهور لقاء فنيا مغايرا مع فنانين يلتقيهم للمرة الأولى.


توالت بعد ذلك الملتقيات الفنية منذ العام 2016 دون انقطاع، وكانت بواقع اثنين أو ثلاثة في كل عام وليس في مركز المدينة فحسب، بل في ضواحي مدينة إربد وقراها، فكان لأغلب الأماكن نصيب من تلك الملتقيات والورشات الفنية والمعارض، فقد حظي المشاركون في الملتقيات بالتعرف الى قرى وأرياف المدينة وضواحيها، فقد طاف الفنانون في العشة ودير يوسف وموقع معركة اليرموك والبحر الميت والأغوار والمشارع والمخيبة الفوقا وأم قيس وعجلون وبرقش والمشارع ودير الياس وزحر وعمان وناعور ونهر الأردن وجرش وغيرها من المواقع، التي شكلت لدى المشاركين رصيدا فنيا، ونقلوا معرفتهم عن إربد الى بلدانهم.


يحرص الفنان الكوفحي على حشد الدعم، بالتنسيق مع هيئات المجتمع المحلي من مجالس بلدية ووزارات الثقافة والتربية والسياحة والبيئة والجامعات، لإنجاح الملتقيات وجذب مشاركات الفنانين من المجتمع المحلي، الى جانب مشاركة طلبة المدراس والجامعات.


وبما أن الفنانين المشاركين من دول أوروبية والأميركتين والدول العربية ودول آسيا وتركيا هم سفراء بلدانهم، فقد حرص الكوفحي على توفير أعلى درجات التنظيم وسبل الراحة وتنويع برامج الفنانين، لأنهم سينقلون صورة راقية عن الأردن، وعن مدينة إربد تحديدا، التي باتت على خريطة العالم الفنية منذ الملتقى الأول.


ما يميز تلك الملتقيات أن أغلب الفنانين المشاركين يعرفون العاصمة عمان قاموا بزيارتها سابقا، لكن كانت مدينة إربد بالنسبة لهم مكانا جديدا ولا بد من اكتشافه، لأنها مدينة تزخر بالجماليات وتغري بالحضور إليها لما فيها من رصيد فني طبيعي غير مكتشف.


ونجح الكوفحي في مسعاه بوضع إربد موضع اهتمام الفنانين في العالم عند الإعلام عن كل ملتقى جديد عبر القنوات الإعلامية أو وسائل التواصل الاجتماعي، وكانت المشاركات في ازدياد في كل مرة، بل إن جزءا من الفنانين حضر أكثر من مرة، فقد وفرت المدينة وقراها وضواحيها للمشاركين مادة دسمة للرسم، فوثقوها في لوحاتهم وصورهم، فلقد كانت الملتقيات تختتم بمعرض فني يظهر جماليات المدينة، والتي كانت تبهر المشاركين والحضور على حد سواء.


في ملتقيات إربد المدينة التي باتت عالمية، كانت تحمل ملتقياتها مسميات لها علاقة بالمكان مثل النهر والليمون والبحر واللون والشمس والدحنون وغيرها من التسميات، وكان كل ملتقى للمشاركين بمثابة رحلة سياحية، وليس مجرد ورشة فنية وتنقضي وينتهي الأمر، بل يمتد النشاط من الصباح حتى منتصف الليل.


وبحسب ردود فعل كثير من المشاركين، فإن مدينة إربد مثلت بالنسبة لهم مدينة وادعة حميمية التنوع فيها لا حدود له، فقد غدت وجهة عالمية بفضل الفن، في حين اكتشف الفنانون علاقة المدينة وأصالة أهلها وإرثها التقليدي وكرم أبنائها.


لقد كان لتلك الملتقيات الدور الأكبر في لفت الانتباه للمدينة من قبل المنظمات الأممية، فقد أسهمت وبقوة باختيار إربد مدينة الثقافة العربية للعام 2022، ولما تحظى به المدينة أيضا من مزارات ثقافية وجامعات ودور علم ومنتديات، فضلا عن تاريخها العريق وأصالتها.


إربد المدينة العريقة تنتظرها فعاليات كثيرة؛ حيث ستعود هذا العام الملتقيات عما قريب، وكذلك فعاليات فنية متنوعة تكشف عن جماليات أخرى من فنانين آخرين سيحضرون للمدينة للمرة الأولى من مختلف دول العالم قاصدين البحث عن الجمال، فالمدينة وأبناؤها الفنانيون يستعدون لاستقبال مبدعين مسكونين بشغف الاكتشاف والمدينة التي لم تبخل على ضيوفها، وستكون كعادتها مدينة الحب والجمال.


تلك الملتقيات الفنية لم تقدم لمدينة إربد خدمة فنية فقط، بل كانت وجهة سياحية والسياحة الفنية أعمق وأشمل وأكثر تأثيرا لدى الجمهور، لأن التوثيق البصري باللوحة له ديمومة أكبر وأطول عمرا.

ملصق لاحتفالية اربد العاصمة العربية للثقافة 2022- (من المصدر)