"الهروب أم المواجهة".. ماذا يختار الفرد لتخطي مشاكله؟‎‎

244
244
رشا كناكرية عمان- اكتشفت غزل عبد الرحمن متأخرة أن اختيارها لطريق الهروب هو ما جعل مشاكلها تتفاقم أكثر، وزاد من سوء حالتها النفسية. كانت تظن أن الهروب سينهي المشكلة سواء مع أفراد أسرتها أو صديقاتها وجميع المحيطين بها، ولم تعلم أنها كانت تجرها معها لسنوات بل وتجعلها أكبر وأكثر ضرراً، فالألم ما يزال مدفونا في داخلها، لأنها لم تعالجه أو تواجه وفي النهاية اضطرت أن تعود لتواجهه. وتقول غزل أنها دائما كانت تتعامل مع مشاكلها سواء النفسية أو التي تواجهها مع الأشخاص من حولها بـ “الهروب” وبالنسبة لها كانت الطريقة الأفضل من خلال إشغال نفسها بعملها وبمختلف النشاطات، لكي لا تجد وقتاً لتجلس مع نفسها وتفكر في مشاكلها رغم كثرتها. وبعد سنوات من السير في هذه الطريق أدركت أن الهروب فاقم المشكلة لديها ولم يحلها، فاكتشفت أن هناك “مساحة رمادية في نفسها” كما تصف، مليئة بمواقف مؤلمة ومحبطة من قبل أشقائها وشقيقاتها، فالجميع يعلم أنها “تعتذر دائما” ولا تناقش بالمشكلة حتى لو كان الحق لها، وكذلك الحال مع صديقاتها في المدرسة والجامعة. ارتأت غزل أن المواجهة هي الطريق الصحيح لتخطي المشاكل التي تمر بها، فهي الطريق الذي كان يجب أن تسير فيه حتى لو كان صعباً. وبررت غزل هروبها بسبب خوفها من المواجهة، وعدم وجود شخص تثق به لينصحها كيف تواجه الآخرين. وتصف غزل شعورها بعد مواجهتها الأولى، عندما أقبلت على نقاش إحدى صديقاتها في العمل بوجهة نظرها، واستطاعت أن تثبت ذلك، بل وكسبت تأييد الزملاء الآخرين، مبينة، أنها كانت خائفة.. لكن هذه المواجهة حلت لها العقدة.. ولم تكن تعلم أن الأمر بهذا السهولة، لذلك كان قرارها أن تواجه جميع مشاكلها حتى تتخطاها وتستمر في الحياة، فقد شعرت بأن ثقتها بنفسها قد زادت. اختصاصي علم الاجتماع الدكتور حسين الخزاعي يبين أن اختيار الهروب أو المواجهة يعتمد على مدى معرفة الإنسان لقدراته الشخصية والنفسية والاجتماعية، بالإضافة إلى ثقة المحيطين به وبناء على الخبرة التي تكونت لديه. ويتابع الخزاعي، عدم وجود المساندة الاجتماعية من الأشخاص، وغياب الدعم، أسباب لجعل الإنسان يلجأ إلى الهروب كطريقة للتعامل مع الواقع. ويوضح الخزاعي أن هنالك أشخاصا في حالة الحزن يلجأون إلى إشغال أنفسهم حتى لا يبقوا تحت تأثير المشكلة، وهو حقيقة قد يكون شيئا جيدا ومحفزا، وخاصة إذا لم يستطع الإنسان أن يواجه ويحل المشاكل فهو يهرب إلى “الحل السليم” كما يراه. ولكن الأمر المهم في هذا الهروب هو أن يكون الإنسان مقتنعا بالأمر الذي يقوم به، وأن لا يكون عرضة للظلم أو الأذى والاستغلال. ويشير الخزاعي إلى أنه في بعض الأحيان البقاء في وضع المواجهة يسبب الضرر والأذى، ومن المفروض هنا حل الأمور بالحوار وبالطرق المثلى وعدم التسرع وإعطاء الوقت لها بعيدا عن الإرهاق الجسدي والنفسي. وينوه الخزاعي، أن المواجهة أمر رائع، ولكن إذا كانت غير مفيدة وغير مثمرة فلا حاجة لها، مبينا أن استخدام الهروب في طريقة التعامل مع المشاكل التي نمر بها هو أمر منتشر في مجتمعنا بسبب غياب ثقافة الحوار وحضور ثقافة التعصب للرأي، فإن أكثر المشاكل التي نعيشها ليست مع الأصدقاء، وإنما داخل محيط الأسرة وهذا هو الخطر الأكبر. ويبين أن الصداقة انتقائية وليست إجبارية، ممكن تستمر علاقتك بصديقك أو تنتهي، أما الأسرة فهي ملازمة معك، لذلك هذه المشاكل عندما تقرر أن تواجهها مع أقرب الأشخاص لك هنا الخطورة الكبيرة لذلك عليك التفكير جيدا، وفق الخزاعي. وينوه الخزاعي إلى أن للهروب أثرا كبيرا على المجتمع أهمه “الانعزال”، إذ ينعزل الشخص عن الآخرين ولا يكون هنالك أي تعاون أو محبة وطيبة بين أفراد المجتمع، بالإضافة إلى فقدان الثقة. وفي آخر دراسة أجريت في مركز الدراسات الاستراتيجية في الجامعة الأردنية بينت وجود نسبة 72 % من الأردنيين لا يثقون ببعضهم البعض وهذه نسبة خطيرة، وينبغي الانتباه فهو ليس بأمر سهل. لذلك يؤكد الخزاعي أن علينا أن نواجه ولكن بالطريقة الصحيحة والوقت الصحيح، وأن نكون على علم ودراية بالطرف الآخر الذي سنواجهه “هل يتقبل المواجهة؟”، من خلال معرفة شخصية الإنسان الآخر وطبعه “محتد أم متسامح” وهل هو لديه تعصب للرأي، فليس الكل يمتلك القدرة على الحوار والوصول إلى الحل. ويذهب اختصاصي علم النفس الدكتور موسى مطارنة إلى أن المواجهة هي الأمر الصحيح للقيام به أما الهروب فوصفه بـ “المرض”. ويوضح مطارنة أن الشخص الذي يمتلك مشكلة ما في حياته عليه في البداية أن يقوم بتحليلها والتعامل مع الحلول الممكنة لها، مبينا أن الإشكالية الموجودة في مجتمعنا هي “أننا نبقى نعيش داخل المشكلة ولا نفكر في حلول لها”، وبالتالي تكبر وتصبح متعبة لنفسيتنا وتفكيرنا ويصبح الشخص في حالة من عدم الاستقرار، لذلك فإن الأمر يتطلب أن تبحث عن حل للمشكلة حتى تنتهي منها. ويؤكد مطارنة أن الهروب من المشكلة هو ليس حلا بل مشكلة أخرى، ويسبب إشكاليات أخرى في حياة الشخص ويعيش في حالة من الصراع النفسي والفكري، ومن الممكن أن تتراكم لديه المشاكل ويصل إلى حالة من الانفصام أو بعض الأمراض النفسية نتيجة الضغط الشديد الذي يعيش فيه. ويرى مطارنة، أن التعامل مع المشكلة يجب أن يكون من خلال التفكير بحلول وتطبيقها للخروج من المشكلة، والتخلص من الضغط النفسي الواقع على الشخص. ويشير الى أن الإنسان الذي يمتلك مهارات التعامل مع المشكلة لا يلجأ للهروب، منوها إلى أن تأجيل المواجهة هو مشكلة أخرى، فمن المفروض في حال وجود مشكلة هو حلها للانتهاء منها، فليس هنالك مشكلة في الحياة صعبة إذا أنت بحثت عن الحلول لها. ويؤكد مطارنة أن على الإنسان أن لا يضع نفسه تحت الضغط النفسي في أي شكل من الأشكال، لأن هذا يؤثر على حالته النفسية ويجعله إنسانا عصبيا وانفعاليا، وردود أفعاله قد تكون مؤذية، وتؤذيه أكثر من غيره. وينوه مطارنة إلى أن البعض يختار الهرب ضعفا منه، وقد تكون لديه إشكالية نفسية ويعيش حالة من الضعف وعدم القدرة على المواجهة، بالتالي يهرب من المشكلة، وهذا ما يزيد الضرر. ويختم مطارنة بأن الحل يكمن في التعامل مع المشكلة ضمن إطار حلول المشكلات وامتلاك “مهارات حل المشكلات”، فليس هنالك شيء اسمه هرب في الحياة فهو “إشكالية نفسية”، فالشخص لا يهرب إلا لخطة جديدة في الحل، وقد يبتعد قليلا عنها ليحاول الالتفات لها وحلها أو تطويقه للمشكلة، وهذا ليس هروبا بل من أساليب الحل.اضافة اعلان