"حصالات" وتخصيص مبالغ شهرية.. نهج عائلات لفعل الخير

حصالات يتم فيها وضع النقود لتوزيعها على محتاجين - (الغد)
حصالات يتم فيها وضع النقود لتوزيعها على محتاجين - (الغد)
منى أبوحمور عمان – رغبة في فعل الخير ومساعدة المحتاج، تقوم ريما محمد في أول كل شهر بشراء مجموعة كبيرة من الحصالات التقليدية القديمة لتوزيعها على أفراد عائلتها والأقارب ومن يرغب في فعل الخير والتبرع للأسر المعوزة.

“الحصالة” تعزز المسؤولية لدى الأطفال

تبدأ ريما وأسرتها بادخار ما يتوفر من النقود المعدنية بشكل يومي في الحصالات إلى أن تمتلئ، لتعود مرة أخرى بجمعها من جديد وتوزيعها على الأسر المحتاجة إما نقود أو شراء ما ينقص عليهم. تقول ” اعتدنا في العائلة على تعبئة هذه الحصالات وتوزيعها وفي كل مرة نشتري مجموعة جديدة”، دون أن تحمل نفسها وعائلتها عبئا ماديا، حيث يضعون فيها ما يتوفر لديهم من نقود تزيد على حاجتهم الأساسية بشكل يومي. ويشارك في تعبئة الحصالات الجميع كبارا وصغارا، واصفة شعور الفرح والسعادة الذي يملأ قلوبهم عند تعبئتها وتوزيعها على من يستحقها، خصوصا في ظل الظروف الصعبة التي يعيشها الكثيرون في فصل الشتاء. وبالرغم من الأشكال الكثيرة من أفعال الخير التي تقوم بها ريما وعائلتها، إلا أن فكرة تعبئة الحصالات مختلفة تماما بحسب قولها، إذ تجعل الشخص يفكر بهذه العائلات بشكل يومي وفي كل مرة يضع النقود فيها لتصبح هذه الأسر جزءا من تفاصيل يومك. بعيدا عن المساعدات التقليدية؛ يقوم أبو أحمد وأفراد عائلته بتوزيع “الحواشات” الممتلئة، على عائلات مختلفة في كل مرة، حيث تقوم العائلة بشراء ما تحتاجه او ينقصها بما تراه مناسبا حتى وإن كان مبلغا قليلا. إلى ذلك، يرى خالد الدبعي أن “شراء مواد تموينية بمبلغ متواضع نهاية الشهر وتخصيصه في كل مرة لعائلة يسد احتياجات الكثيرين”، ويعزز التعاون بين الناس فليس بالضرورة تقديم مبلغ كبير للمساعدة. ومع الظروف الاقتصادية والاجتماعية الصعبة التي خلفتها جائحة كورونا والأزمات المالية التي عصفت بالكثير من البيوت، إلا أن الشعور بالآخرين والسعي لتلبية احتياجاتهم حتى ولو بالقليل هو ما يسعى له الكثيرون رغم محدودية الدخل. “ليس بالضرورة أن تكون من أصحاب الدخول العالية حتى تطعم جائعا أو تمنح الدفء لمن يشعر بالبرد”، هذا ما قاله علي حسن الذي يخصص مبلغا صغيرا كل شهر من راتبه لفعل الخير. ويقول علي “يمكن لأي شخص فينا أن يفرج ضيقة جاره أو أخيه دون أن يثقل على نفسه”، لافتا إلى أنه وفي كل نهاية شهر عند استلامه الراتب يقوم بوضع مبلغ صغير من المال لا يتجاوز عشرة دنانير يتركه في إحدى المخابز في منطقته. تأمين لقمة عيش لعائلات مستورة لا تتمكن من شراء خبز يومها، هي غاية علي من المبلغ الذي يتركه في المخبز لعله بذلك المبلغ الصغير يسكت جوع أطفال هنا أو هناك. صور عديدة، يبتكرها محبو فعل الخير في الوقوف إلى جانب الآخرين ومساندتهم في ظل الظروف الصعبة التي تعيشها الأسر ومع استمرار جائحة كورونا ودخول فصل الشتاء. وتحرص هانيا محمد في كل عام على جمع أكبر عدد ممكن من الحرامات الشتوية والمدافئ المستعملة وبعض المعاطف من أفراد عائلتها وتقوم بتوزيعها بسيارتها الخاصة على بعض الأسر الفقيرة. وتبين أنها في كل مرة تنبه على أفراد عائلتها بعدم التصرف بأي شيء زائد على حاجتهم من معاطف وألبسة شتوية ومدافئ مستخدمة حتى أبسط الأمور التي قد تكون بالنسبة لآخرين حاجة أساسية. وتصف هانيا الفرحة الكبيرة التي تراها في وجوه الكثير من العائلات المستورة التي تساعدها، لافتة إلى أن الكثير لا يعون قيمة معطف أو حتى بلوزة تبقى مركونة في خزانة الملابس بالنسبة لكثيرين لا يجدون ما يمنح الدفئ لأجسادهم في الشتاء. المساعدات لا تتوقف على الملابس فحسب، فقد اعتادت عائلة أبو أحمد المناصير على شراء “حواشة نقود”، يدخرون فيها ما يتبقى من عملات معدنية بعد انتهاء يومهم وعند امتلائها تعطى أيضا لإحدى الأسر المحتاجة. وتتفق في ذلك تهاني زعاترة التي تؤكد أن أي شيء مهما كان بسيطا، فإنه يسد حاجة للآخرين والأسر خصوصا التي يوجد فيها أطفال. زعاترة اعتادت على توضيب ملابس أبنائها بين الحين والآخر وتوزيعها على الأسر المحتاجة في الحي الذي تسكنه. إلى ذلك، فإن زعاترة وبرفقة زوجها واطفالها الصغار تحرص على زيارة بعض الأسر المحتاجة في المخيمات وفي كل مرة تقدم نوعا مختلفا من المساعدة سواء كانت مواد تموينية، علاجا وأدوية وملابس. أما خالد الكركي، يقوم بترك 10 دنانير أسبوعيا في الكازية القريبة من منزله لمن يحتاج تعبئة الكاز للمدافئ ولا يتمكن من ذلك. ويقول “كثيرا ما كنت أرى البعض يقوم بتعبئة زجاجة بدينار أو دينارين لعدم القدرة على شراء ما يملأ المدفأة”، لافتا إلى أن الطقس البارد في اربعينية الشتاء لا يمكن لأحد احتماله من دون مدفأة. ويناشد الكركي الجميع بترك مبلغ وإن كان دينارا واحدا في الكازيات التي يثق بها لمساعدة الاسر العفيفه على تدفئة صغارها. المجتمع بطبيعته داعم ومحب للخير ويساند بعضه بعضا حتى في أصعب الظروف الاقتصادية، بحسب أخصائي علم الاجتماع الدكتور محمد جريبيع إلا أن بعض الظروف والأوقات تستدعي أن يكون ذلك الشعور والعطاء أكبر. اعتاد الاردنيون على التكاتف بشكل كبير ومساندة بعضهم بعضا في مواسم لعلها الأكثر في السنة مثل شهر رمضان المبارك، وبداية العام الدراسي وخلال فصل الشتاء. في ظل الظروف الاقتصادية السيئة التي يعيشها الشارع في ظل جائحة كورونا أصبحت الحاجة أكبر للتكاتف سويا والنظر إلى الناس المحتاجين. ويعتقد جريبيع بأن أي إنسان لديه الرغبة أو الإيمان المطلق والاعتقاد الراسخ بضرورة تقديم الخدمة والمساعدة للآخرين سيقوم بها مهما كانت ظروفه ومهما كان دخله. ويشير إلى الكثير من الأوجه التي يمكن من خلالها دعم ومساعدة المحتاجين كالتبرع بالملابس والحرامات والتدفئة والكاز، ومن جهة أخرى يمكن التبرع من خلال محلات السوبر ماركت والمخابز القريبة من مكان السكن والتي يكون الشخص على ثقة بأصحابها وأنهم سيقومون بتقديم المساعدة لمن يحتاجها. هذه الظاهرة وفق جريبيع أصبحت شائعة لدى المجتمع وازدهرت وزادت خلال جائحة كورونا خلال السنوات الأخيرة. أخصائي علم النفس التربوي الدكتور موسى مطارنة يشير بدوره إلى أن الحس الإنساني دائما حاضر، ويستطيع الإنسان تقديم الكثير رغم شح الموارد ومهما كان الدخل قليلا وهذا يدل على الإحساس العالي لدى الإنسان بغيره. أساس المجتمع المتكافل القائم على التواصل الإنساني والأخلاقي لا يجوع فيه أحد ولا يبرد فيه أحد ولايحتاج للقمة تسد جوعه، مناديا بضرورة تفقد العائلات المحتاجة وتقديم ما يمكن تقديمه لهم ضمن الإمكانيات المتاحة. هذه الصور المختلفة من المساعدات والوقوف مع الآخرين في هذه الفترة الصعبة والظروف الاقتصادية المتعبة التي يعيشها المواطن بسبب جائحة كورونا تخلق شعورا بالطمأنينة لدى الاسر المحتاجة وتنمي بدواخلهم احساس الأمن والأمان وأنهم لن يطالهم ضيم بفعل أهل الخير. شعور الآخرين بخوف أبناء المجتمع عليهم، تنعكس بشكل إيجابي على أفراد المجتمع وبأن هناك من يفكر بهم ويخاف عليهم ويقدم لهم يد العون ويسأل عن احتياجاتهم بحسب مطارنة. ويؤكد أن هذه السلوكيات الإنسانية تخلق مجتمعا متحابا متكافلا تنتشر فيه العلاقات الودية المتحابة وتقل فيه البغضاء والحقد والكراهية وتمنح من يقدم هذه المساعدة وإن كانت بسيطة الشعور بالراحة والرضا عن النفس. اقرأ المزيد: اضافة اعلان