حقوق ذوي إعاقة في العمل.. هل تظل أحيانا "نصا في قانون"؟

ذوي إعاقة
ذوي إعاقة
ربى الرياحي عمان- في ظل قانون "حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة" لسنة 2017؛ الذي يؤكد ضمان تحقيق المشاركة الكاملة للشخص من ذوي الإعاقة في العمل، ويلزم الجهات الحكومية وغير الحكومية بتشغيلهم بنسب محددة؛ يظل السؤال عن مدى استيفاء هذه الفئة حقوقها، وتمكينها من العمل. عصام حمدان (51 عاما)، الذي يعيش مع إعاقة حركية، هو واحد من كثيرين قست عليهم الدنيا، وهم قيد انتظار الفرصة، وتأمين مصدر الدخل. لم يطالب عصام في يوم ما بأمر ما غير حقه بأن يعيش بكرامة في مجتمعه، فهو وإن كان أسيرا لإعاقته الحركية التي أثرت على مجرى حياته، لكنه يؤمن أنه ما يزال قادرا على العطاء والعمل لتحقيق العيش الكريم له ولعائلته. سنوات طويلة مع الألم، بسبب إعاقته الحركية، و"لا سند له إلا الله".. كما يقول في حديثه لـ"الغد"، حيث الألم والمرارة وشعور الحاجة يعتصر قلبه، ويتركه مكبل اليدين لا يعرف ماذا يفعل أو أين يتجه. إعاقته الحركية، كانت سببا وما تزال في منعه من أن تكون له وظيفة تحميه وتعينه على الحياة الصعبة. الأبواب كلها -حسب قوله - أغلقت في وجهه، رغم المحاولات الكثيرة، ولكن لم يتسن لها أن تكتمل، وأوراق رسمية وتقارير طبية ظلت حبيسة الأدراج حتى اليوم رغم صعوبة وضعه الصحي واستحقاقه المساعدة والأخذ بيده كشخص أتعبه العوز ونال منه الإحباط. تشوه خلقي في عظام اليدين والقدمين منذ الولادة هو السبب وراء فقدان عصام القدرة على الحركة بعجز نسبته 80 بالمائة، كما يشخصه الأطباء. الظروف الصحية الصعبة التي عاشها منذ طفولته، جعلته يقضي ما مدته خمس سنوات في المستشفى عانى خلالها كثيرا. هو ولأنه الابن الأكبر لوالديه اضطر لأن يحمل المسؤولية مبكرا. فبعد وفاة والده لم يكن أمامه خيار سوى أن يقوى على أوجاعه، ويقف متحديا كل الصعاب، فثمانية أفراد كان عليه أن يسندهم ويعيلهم بحكم أنه الابن البكر وهذا الوضع بالطبع أجبره على ترك الجامعة، رغم أنه كان في المرحلة النهائية من دراسته للأدب الإنجليزي. يبين عصام أن تدهور وضعه الصحي تدريجيا أتعبه، لكنه مع ذلك لم يفقده الأمل. ويصر عصام على طرق كل الأبواب بحثا عن وظيفة تصون كرامته وتساعده على إعالة أسرته. لكن يواجهه رفض ومضايقات أثناء بحثه عن وظيفة ثابتة، يتعامل معها بصبر وتحد. صعوبة الحركة لديه كانت دائما ذريعة الكثيرين من أصحاب العمل لإقصائه ورفض تشغيله وتحجيم طموحه، ومع ذلك لم يستسلم فقد عمل في وظائف ومهن مختلفة، أراد فقط أن يكون شخصا منتجا قادرا على تأمين أبسط احتياجاته الأساسية وأن يكون حملا ثقيلا على أحد. عصام لم يرد سوى حقه، فقانون "حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة" ينص على أهمية ووجوب تحقيق المشاركة الكاملة للشخص من ذوي الإعاقة في شتى مناحي الحياة دون أي شكل من أشكال التمييز وعلى قدم المساواة مع الآخرين، وحصوله على فرص متكافئة في مجال العمل والتوظيف بما يتناسب والمؤهلات العلمية. كذلك، تلتزم الجهات الحكومية وغير الحكومية التي لا يقل عدد العاملين والموظفين في أي منها عن (25) ولا يزيد على (50) عاملاً وموظفا، بتشغيل شخص واحد على الأقل من الأشخاص ذوي الإعاقة ضمن شواغرها، وإذا زاد عدد العاملين والموظفين في أي منها على (50) تخصص نسبة تصل الى (4 %) من شواغرها للأشخاص ذوي الإعاقة وفقا لما تقرره وزارة العمل. يقول عصام، إن الكثيرين ممن حوله أشاروا عليه سابقا باللجوء للمعونة الوطنية من أجل منحه راتبا شهريا يسنده وخاصة أنه لم يعد قادرا على العمل كالسابق، لكن ذلك ظل خيارا أخيرا بالنسبة له فقد كان يرد في كل مرة كان يفتح فيه هذا الموضوع أن هناك من هو أحوج منه، وأنه ما يزال قادرا على العمل. ولأن الحياة تتغير في غمضة عين، فقد بدأت الأمور تسوء أكثر والحالة الصحية لعصام تتراجع حتى بات مؤخرا لا يستطيع الحركة. وعندها فقط قرر أن يقدم للمعونة وهناك صدم بالكثير من العراقيل فقد كان الأمر أكثر تعقيدا مما توقعه. عصام وقبل أن يقدم على هذه الخطوة لم يكن يدرك أن عليه أن ينتظر طويلا حتى يبت في استحقاقه الراتب. ثلاث سنوات وما يزال ينتظر دوره لعله يجد ما يسد به عوزه، منوها إلى أن تأثر العالم كله بجائحة كورونا كان السبب في تأخير دوره. صعوبة الوضع في ذلك الوقت والتوقف عن الخروج للكشف على الحالات من قبل المعونة الوطنية سببان غيرا كل شيء، فكان لزاما عليه أن يقدم أوراقه مرة أخرى وهذا بالطبع احتاج منه وقتا وجهدا كبيرين لكثرة التقارير المطلوبة وتباعد المواعيد في المستشفيات الحكومية. ويرى أن تلقيه الدعم أثناء جائحة كورونا كان كافيا بأن يلغي اسمه من سجلات المتقدمين للمساعدات من خلال راتب ثابت، فحالته الصحية الصعبة لم تشفع له عند الجهات المختصة. مرارة الحاجة، كما يشير عصام، أفقدته حتما الشعور بالأمان، وجعلته تائها لا يعرف ماذا يفعل وكيف يعيش يومه دون أن تنهك روحه الهموم وتتناوب عليه الضغوطات من كل جانب. ظروفه المادية الصعبة لم تتركه وشأنه بل باتت وجعا يسكن قلبه المتعب ويحرمه الراحة والهدوء. هو وأمام كل ذلك الفقر الذي يحيط به لم يجد خيارا سوى أن ينتقل مع زوجته إلى بيت والدته وذلك لأنه لم يعد قادرا على دفع الإيجار. "لا أريد سوى الإنصاف ومصدر دخل أعيش منه"، هكذا يقول عصام. ومن هنا يوجه رسالة للمسؤولين: "فقط نريد حقوقنا، نحتاج أن نسند أنفسنا ليس أكثر وهذا ليس مطلبا تعجيزيا"، ومن وجهة نظره "آن الأوان لأن ينظر إلينا بعدل يكفينا قهرا". والأهم، وفق عصام، ضرورة إيجاد حلول جذرية في قضية تشغيل ذوي الإعاقة، داعيا كل الجهات المسؤولة رسميا عن هذه الفئة للتحرك والعمل أكثر من أجل تمكينهم في مختلف المجالات، فهم لا يريدون شعارات وقوانين شكلية، ما يحتاجونه هو الأمان وعلى الأصعدة كافة. ستظل قصة عصام كغيرها من القصص تنتظر الإنصاف، عدم الركون إلى قانون فقط، بل إيجاد آليات لضمان وصول هذه الفئة إلى حقها في العمل والعيش بكرامة. اقرأ أيضاً:  اضافة اعلان