دراسة للزعارير عن "الصناعات والحرف في جنوب بلاد الشام"

غلاف الكتاب- (الغد)
غلاف الكتاب- (الغد)

عزيزة علي

عمان- ضمن إصدارات سلسلة فكر ومعرفة، صدر عن وزارة الثقافة كتاب بعنوان "الصناعات والحرف في جنوب بلاد الشام في العصرين الأيوبي والمملوكي (الأردن وفلسطين)"، للباحث طه حسن الزعارير.اضافة اعلان
جاء الكتاب في ثلاثة فصول وخاتمة؛ الأول يتحدث عن الصناعات والحرف ذات المصادر النباتية، مثل "صناعة السكر، طحن الغلال، صناعة الخبز، صناعة استخراج الزيوت من مصادرها المتنوعة، صناعة الصابون والورق، صناعة الحلويات، وكذلك صناعة تجفيف الفواكه والدبس"، وصناعة الأدوية من النباتات المتوفرة في المنطقة، واستخراج البلسم وإبراز أهميته في العصرين الأيوبي والمملوكي، وطرق صناعة المنسوجات المختلفة من "القطن والكتان"، وتعرضت الدراسة لصناعة "المراكب والسفن"، وأماكن انتشارها التي كانت في الغالب لأغراض عسكرية وحربية، ومن المعدات والآلات الحربية مثل المنجنيق، الدبابة، السلالم، الرمح، الأقواس، الكنائن، وعمل الجسور، وغيرها من الصناعات الحربية التي اعتمدت على الأخشاب في صناعاتها ومن الصناعات المهمة، الأدوات الزراعية، مثل المحراث وغيره، وصناعة الأبواب والشبابيك، والمشربيات واستخداماتها، وفن الحفر على الخشب، وفن صناعة المنابر والصناديق والكراسي وأدوات التسلية والموسيقا والقباقيب وغيرها.
فيما يتناول الفصل الثاني الصناعات والحرف ذات المصدر الحيواني، وأهم الحيوانات التي كانت تعيش في المنطقة وأهميتها، وأهم الصناعات والحرف التي قامت عليها مثل "صناعة الجلود وما يندرج تحتها من صناعات مثل صناعة الأحذية، والسروج، والقراب وغيرها"، وكذلك صناعة الألبان ومشتقاتها المتعددة وطرق تحضيرها، وطرق استخراج عسل النحل واستخداماته وصناعة شموع الإنارة، ومن الصناعات، أيضا، تجفيف اللحوم والأسماك وطرق حفظها المختلفة، وكذلك أبرزت الدراسة دور المنطقة في صناعة وإنتاج الحرير من دودة القز، وكذلك الصناعات الصوفية المختلفة وصناعات شعر الماعز ووبر الجمال مثل "البسط، السجاد، وبيوت الشعر، وغيرها".
بينما جاء الفصل الثالث بعنوان الصناعات المعدنية، الذي يتحدث فيه عن صناعة وطرق صياغة الذهب والفضة، وتصنيع النحاس والحديد وغيره من المعادن، مثل صناعة الحلي والمجوهرات، والقناديل، وسك العملات من الدنانير والدراهم والفلوس، وكذلك كيفية طلاء والأواني، من الفضة والنحاس، وزخرفة المخطوطات، وفن التكفيت، وطرق استخراج المعادن من باطن الأرض، واستخداماتها، وما يلزم المزارع والنجار وغيرهما من أدوات يستخدمونها في حرفهم، وكذلك صناعة القصدير، والكبريت والنفط والبارود، وصناعة الأملاح، وتناولت الدراسة صناعة الأحجار الكريمة، التي تدخل في صناعة الحلي وأغراض أخرى، وكان من أشهرها "اللؤلؤ والياقوت والألماس وغيرها"، وكذلك الصناعات الزجاجية من حيث استخراجها وطرق تصنيعها، والصناعات الفخارية والخزفية، والبناء ومقاطع الحجر والرخام.
يقول الزعارير، في مقدمته للكتاب، إن موضوع الصناعات والحرف هو جزء مهم من الجانب الاقتصادي، إذ كان له دور كبير في حياة المجتمع، من حيث تنشيط الاقتصاد، وإشاعة الرخاء والاستقرار بين السكان، مما مكنهم من السير قدما نحو التقدم والازدهار، إضافة إلى أن تنوع المناخ في منطقة جنوب بلاد الشام جعلها تزخر بأنواع عديدة من النباتات والأشجار التي تنبت على أرضها، فإنه جعلها بيئة ملائمة لتربية العديد من الحيوانات، إضافة إلى تربيتها التي احتوت على العديد من المعادن، وتعد هذه الثروات النباتية والحيوانية والمعدنية أساس كل الصناعات، فهي المادة الأولى "الخام"، لنشوء هذه الصناعات على أرض منطقة الدراسة.
ويرى المؤلف أن نشأة المدن في جنوب بلاد الشام كان لها أكبر الأثر في تطور الصناعة؛ إذ تعد تلك المدن من عوامل الجذب للسكان لتوفر فرص العمل فيها والعديد من الخدمات، وكذلك فإن اختلاف أسباب نشأة تلك المدن جعل الصناعات متنوعة ومتعددة، فقد نشأت مدينة بيت المقدس على أساس ديني، وكانت محجا للمسيحيين من أنحاء العالم كافة، وكان يلزم الحاج متطلبات عدة، في إقامته وطقوسه الدينية، التي يحتاجها أثناء وجوده في المنطقة، وكذلك فإن وجود المسجد الأقصى وقبة الصخرة المشرفة جعلها محط أنظار المسلمين، فهي أول القبلتين ولا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد ومنها المسجد الأقصى، كل ذلك كان من عوامل الجذب الذي جعل منها مدينة متكاملة تشتمل على الكثير من الخدمات وتحتوي على مصانع وأسواق، وشجع عملية الصناعة على التطور والازدهار وليست مدينة بيت المقدس هي الوحيدة، وانما كانت مدن عدة في منطقة الدراسة تميزت بعضها عن غيرها في العديد من الصناعات، مثل "الكرك، الشوبك، البلقاء، عمان، عجلون، صفد، نابلس، الرملة، اللد، الخليل، غزة وزغر إيلة (العقبة)"، وغيرها من المدن.
ويشير الزعارير إلى أن الأرياف لم تكن في منطقة خالية من الصناعات، فقد وجد بها العديد من الصناعات والحرف التي تسد حاجات سكانها مما يحتاجونه من أدوات أساسية مختلفة كالأدوات الزراعية، وأوان لحفظ منتوجاتها وتجهيزها إلى الأسواق أو الاستهلاك، إن وجود منطقة الغور في جنوب بلاد الشام، وما تحتويه من ثروات زراعية وحيوانية ومعدنية حفز الصناعات على الظهور، لا سيما أن نهر الأردن وما يتبعه من روافد تخترق منطقة الدراسة من بحيرة طبريا في الشمال إلى البحر الميت جنوبا كان له أثر كبير في إقامة العديد من الصناعات على جانبيه.
وفي خاتمة الكتاب، يقول المؤلف إن مفهوم الحرف هو أعمل وأشمل من مفهوم الصناعة، إذ يدخل في نطاق الحرفة عمل يقوم به الإنسان، بينما الصناعة عمل يرتكز على تحويل المواد الخام الأولية إلى مواد أخرى أكثر فائدة منها، وهي بمفهومها هذا تدخل في نطاق الحرفة، فالصناعة حرفة الصانع، والصناعات والحرف، من أهم مظاهر النشاط الاقتصادي في المجتمع، وقد أوضحت هذه الدراسة أهمية مصادر تاريخية عدة مثل "رسائل أخوان الصفا، والإمام الغزالي، في كتابه إحياء علوم الدين، ومقدمة ابن خلدون وغيرها من المصادر".
ويقول الزعارير إن دراسته بينت ازدهار الصناعات في العصرين الأيوبي والمملوكي، بسبب توافر المواد الخام، وتوافر المياه بوجود عدد من الأنهار مثل نهر الأردن، حيث ازدهرت الصناعات بتشجيع السلاطين للحرفيين، وأرباب الصنائع، على القيام بأعمالهم، لأن السلاطين بحاجة لمثل تلك الصناعات، خاصة في أيام الحروب لتزويد الجند بما يلزم من عتاد، واستفادت الحضارة الإسلامية من الأمم الأخرى في تطوير حضارتها، ومنها الاقتصادية ممثلة في تطوير الصناعات مثل "الورق والحرير"، التي نقلت من صناع الصين، ثم بنوا عليها وطوروها، لتصبح صناعات منافسة تسد حاجة أهل المنطقة وما يفيض على حاجتها يتم تصديره إلى الخارج، كسلع مطلوبة ومنافسة.
كما أن الصناع في جنوب بلاد الشام، امتازوا بالدقة والحرفية والذوق العالي الرفيع في صناعتهم، وإن الصناعات كانت منتشرة في مدن منطقة الدراسة، وإن أهل الأرياف برعوا في الكثير من الصناعات، التي احتاجها المزارعون في أعمالهم اليومية، وما يسد حاجاتهم من صناعات غذائية، مبينا أن المرأة في جنوب بلاد الشام أسهمت بقدر وفير في مجال الصناعات، فقد كانت تتولى عملية الغزل والنسيج.
ويشير المؤلف إلى أن السكر كان يتم تصنيعه محليا داخل البيوت من قبل هذه النساء، اللواتي أظهرن براعة فائقة في تلك الصناعات، أيضا الكشف عن العديد من معاصر قصب السكر، خاصة في منطقة الغور وامتاز بجودته العالية، حتى وصلت شهرته إلى أنحاء عدة من العالم، كما امتازت المنطقة بوفرة الزيتون، الذي أقيمت له معاصر عدة لاستخلاص زيت الزيتون، الذي تميز بجودته العالية، والذي ارتبط به عدد من الصناعات الغذائية مثل الحلويات وغيرها، وكذلك الصابون الذي كان يصنع في جنوب بلاد الشام، وفي متناول أيدي الجميع.