طيب العمد.. بدأت حلمها مبكرا لتسجل بصمتها بكتابة الرواية وصناعة الأفلام

1643538164119421400
1643538164119421400
رشا كناكرية عمان- بخطوات ثابتة وبقلب مليء بالشغف، صعدت طيب العمد ابنة الثلاثة والعشرين ربيعا، خشبة مسرح المركز الثقافي الملكي للتحدث عن فليم “هُنَّ لِهُنَّ” الذي قامت بكتابته وإخراجه. “هُنَّ لِهُنَّ” فيلم يحاكي قضايا المرأة والعادات المغلوطة التي يضعها المجتمع، تم عرضه بداية الشهر الحالي تحت رعاية وزارة الثقافة وبحضور المخرج والممثل نبيل كوني كضيف شرف وبدعم من مجتمع مشكاة. جاءت فكرة الفيلم من باص “الكوستر” حينما تستقله وعادة المرأة حينما تقرر أن تغادره عبر طرق الشباك بقطعة نقدية “عشرة قروش” وكيف من الممكن لهذه العادة أن تجعل المرأة تصمت عن الكثير من حقوقها، وأبسطها أن تقول في أي محطة ستغادر. وتركز طِيب في صناعة أفلام واقعية، لهذا تأتي بمشكلة من داخل المجتمع الذي تعيش فيه ولكن “برمزيته الكبيرة”. وتقول “من الطبيعي أن تفعل المرأة هذا الأمر، ولكنني أخذتها بشكل “رمزي” فقط لمجرد التخيل بأنك لا تملك القدرة لقول أين ستنزل وتغادر… فهذا يطرح السؤال الأكبر للمستقبل”. نظرات الفخر التي رأتها طيب في أعين أصدقائها والكلمات المليئة بالحب والدعم من الممثل نبيل كوني زادت من جمال هذا اليوم وأهميته لها، وأنستها كل التعب الذي عانته لأشهر إلى جانب فريق عمل الفيلم الذين تصفهم بالعائلة المساندة التي تعمل معها جنبا الى جنب لتنفذ كتابتها حقيقة على أرض الواقع. لطالما أحبت طِيب المسرح، فقد كانت متواجدة على خشبته في جميع مراحل الدراسة ولم تغب عنه، وتعود بالذاكرة إلى طفولتها حيث بدأ شغفها بالكتابة من واجب بسيط لكتابة قصة قصيرة. وتستعيد ذاكرتها حينما كانت هي وأشقاؤها يدرسون بمفردهم، فهكذا علمتهم والدتهم، بأن يقوموا بالواجبات بأنفسهم، وتذكر حينما سلمت في أحد الأيام بالمدرسة الواجب لمعلمتها، لتقوم الأخيرة بالاتصال بوالدتها لتعاتبها على حل واجب ابنتها بدلا منها، وهو ما لم يكن صحيحا، ولكن القصة التي قرأتها المعلمة جعلتها تشك أن فتاة صغيرة هي من كتبتها. وهنا اختبرتها المعلمة بكتابة قصة جديدة أثناء الحصة للتأكد من قدراتها، وعند تسليمها لها ابتسمت المعلمة وأخبرت والدتها بأن يهتموا بها وبموهبتها الكبيرة وأن يعملوا على تنميتها وهنا كانت البداية. استمر حب طِيب للكتابة مع مرور السنوات، ففي سنة 2011 كتبت أول رواية لها “سلوان والقضبان الميتة” ونشرتها على منصة “تويتر”، وكانت معلمة الحاسوب أحد داعميها وقد أعجبت بها، لهذا ساعدتها على إنشاء مدونة الكترونية خاصة بها لتستمر في شغفها. وأصبح العديد من الأشخاص يتابعونها ويقرأون الرواية ويشجعونها، وهذا جعلها تستمر في الكتابة وزاد من تعلقها بها. وتقول طيب إنها لم تكن تثق بكتاباتها، فهي تكتب لتخرج ما بداخلها ولم تكن مدركة بأن النص الذي تكتبه جميل، فهي تكتب لأنها تشعر بالكلمات وتعتمد في نصوصها على “اللغة السهلة”. في آخر سنواتها المدرسية دفعتها معلمة اللغة العربية عزة الرفاعي للمشاركة في مسابقة على مستوى منطقة ينبع في السعودية التي كانت تسكن فيها مع عائلتها. وقد كتبت قصة قصيرة بعنوان “الغربة ألم وضحكات تائهة” تتحدث فيها عن القضية الفلسطينية، ولم تتوقع طِيب أن تنال أي جائزة والمفاجأة كانت عندما تم دعوتها وترشيحها لتكون من ضمن الفائزين. ذهبت حينها مع والدتها التي لم تتخيل أيضا أن تفوز ابنتها ومع كلمات مقدم الحفل “الحائزة على المركز الأول في فئة القصص القصيرة على مستوى مدينة ينبع طِيب العمد” توقف الوقت لدى طِيب ولم تصدق هذا إلا بعد مناداتها ثلاث مرات لاستلام الجائزة. وخلال المرحلة الثانوية، تفرغت طِيب للقراءة وابتعدت عن الكتابة لأنها كانت تحتاج الى مخزون لغوي، إذ شعرت أن لديها مصطلحات معينة تستخدمها في جميع كتاباتها واستمرت في القراءة إلى سنواتها الأولى في الجامعة. ففي السنتين الأولى والثانية بالجامعة، كانت كتاباتها تقتصر على النصوص الإخبارية وسيناريوهات الأفلام، وهنا بدأت بالتوجه إلى عالم صناعة الأفلام. وهنا اقتنعت طِيب أن الفيلم الذي تكتبه، هي من ستقوم بإخراجه لأنها أكثر من يعلم الشكل الذي سيخرج به، لذا أصبحت المسؤولة عن التصوير ووضعت أولى خطواتها في مسيرة الإخراج. أول فيلم قصير لها “شِلن” تكلم عن قصص حقيقية حصلت معها في الشارع، إذ كانت متحمسة جداً له بعد ما يقارب سنتين من إنجازه، ليحوز على تنويه خاص ضمن مهرجان “flickers” الدولي للأفلام القصيرة. وفي الفصل الأخير من الجامعة وخلال العمل على مادة الفيلم الوثائقي، جاءت فكرة “شباتي” الذي شارك في مهرجان الإعلام العربي لدورته الرابعة وفاز بالجائزة الذهبية على مستوى الوطن العربي، إذ تحدث الفيلم عن العم أبو سامر الذي يعاني الصمم والبكم وكيف بدأت قصته من الصفر لفتح مطعم يدخل به الثقافة الهندية. وجاء بعده فيلم “الطِيب” في مرحلة تخرجها من الجامعة وكانت قد انتهت من تصوير نصفه، ولكن جائحة كورونا والإغلاقات كانت سببا في التغير البسيط في فكرته التي تعتمد على اسمها “طِيب” لتوصل به للمشاهد أن “الطِيب” ليس مقتصرا على حامله، فـ”بإمكان كل شخص أن يكون الطيب من دون أن يحمل الاسم، أنت طِيب بأفعالك وبتصرفاتك، فالطيب ليس اسما بل هو صفة نعيش بها”. وبعد الانتهاء من الجامعة، أخرجت فيلم “دويره”؛ إذ كانت تمر بظروف نفسية صعبة وبغياب فرص العمل كتبت فيلما يتكلم عن مشاكل الشباب ومعاناتهم، وعن الصراع الذي بداخلهم، فهو يتحدث عن جلد الذات، وهذا كان أول فيلم حواري لها، فما سبقه كان يعتمد على التعليق الصوتي. وأتيحت لها الفرصة من جديد من خلال مجتمع “مشكاة” الذي نشر على حسابه بحثه عن الشباب ممن يمتلكون الإبداع ولديهم الرغبة في عمل فيلم بأن يتواصلوا معهم لعرض أفكارهم، وبالتالي تلقي الدعم المقدر بألف دينار. شارك الكثيرون فيه وتم اختيارها من ضمن خمسة مرشحين وكتبت فكرة “هُنَّ لِهُنَّ” الذي عاش فيه فريق العمل أشهرا من العمل والتعب وبذلوا فيه مجهودا كبيرا ليخرج بالصورة المثالية. كان على طيب ترك عائلتها الذين يقطنون بالخارج، والسفر للأردن لإكمال حلمها ودخول كلية الإعلام في جامعة اليرموك، وعن هذه المرحلة، تقول طِيب “ودعت أهلي بابتسامة وكنت أول مرة أسافر وحدي، كان الأمر صعبا في البداية، ولكن كنت أتحدث مع نفسي وأقنعها أن كل فصل يجب أن أنجز أمرا مهما ليكون لدي ما أتحدث به”. وتشير طِيب الى أن والدتها كان لديها النجاح يقاس بالأرقام والمعدل العالي، لهذا اهتمت بأن تكون دائما من الأوائل على دفعتها لتجعلها فخورة بها ولتخبرها أنها دخلت التخصص الصحيح والآن هي أكبر داعم لها إلى جانب عائلتها وأصدقائها. وبالرغم من بعد العائلة وفقدان القدرة على رؤيتهم في الوقت الحالي، إلا أن هذا لم يشعرها للحظة بالضعف، فالبعد بنظرها هو جغرافيا فقط، فالقلوب بجانب بعضها بعضا وأسرتها تشعر بإنجازاتها دوما وتشجعها. لهذا، سعت طِيب لتدخل جميع الميادين، فقد عملت مقدمة برامج إذاعية إلى جانب البودكاست وأسست قناة لها على “يوتيوب”، واليوم لديها 41 ألف متابع على “انستغرام”، فهي تسعى لجعلهم يفتخرون بنجاحها. وبين كل ذلك، تنظم طِيب وقتها بالورقة والقلم فهي لا تحب إضاعة الوقت، وبرأيها هذه ليست “مثالية زائدة” وإنما الطريقة الأفضل لترتب طريق أهدافها، “لا تؤجل عمل اليوم إلى الغد” مبدأ أساسي في حياتها. طِيب شابة طموحة وإنسانة تسعى للوصول للمهرجانات العالمية، فلا سقف لأحلامها، وتتمنى أن يكون لها بصمة مؤثرة في الإنتاج الأردني وأن تكون علامة فارقة في عالم السينما. وتمتلك طِيب الكثير من الخطط المستقبلية؛ إذ تأمل في إخراج مسلسل من كتابتها، إضافة الى نشر كتاب يحمل اسمها عند تقدمها في العمر، فهي تأخذ من عبارة “نخاف أن نستريح إذا شق علينا الطريق فيطيب لنا القعود”، شعارا لها، لمنع تسلل فكرة التوقف أو الاستسلام لعقلها. وختمت طيب حديثها “ربما خبرتي قليلة في مجال صناعة الأفلام والإخراج، بحكم تجاربي المعدودة، إلا أنني أشعر بالانتماء لهذا المكان وهذا العمل الذي أعتبره جزءا مني، وأنا مستعدة لتعلم الكثير لأصل للحلم الكبير يوما ما”.اضافة اعلان