فتيات يطاردن هاجس الجسد المثالي فيقعن في فخ "اضطرابات الطعام"

9+87
9+87
رشا كناكرية عمان – يتعمد مؤثرون ومشاهير أن يظهروا على صفحات السوشال بأجسادهم المتناسقة والمثالية وملامحهم الخالية من العيوب. قد لا يتأثر البعض بما يشاهدونه، لكن هنالك فئة كبيرة من المتابعين قد يعانون مشاكل نفسية حينما يقارنون كل ما يعرض مع نمط حياتهم وشكل أجسادهم، وما يسببه ذلك من حالة غياب الرضا. وتتغير نظرة بعض رواد مواقع التواصل لأنفسهم بسبب ما يرصدونه من صورة نمطية للجسد المثالي والسعي للوصول إليه، وبالتالي اللجوء لنمط الحرمان من تناول الطعام، واتباع حميات غذائية صعبة وغير متوازنة لإنقاص الوزن أو زيادته، ما يوقع الفرد ضحية لاضطرابات الأكل. ريم أحمد (24 عاما)، واحدة ممن شعرن بتراجع الثقة بأجسادهن، فنتيجة لما تراه على مواقع التواصل الاجتماعي قررت التقليل من كمية طعامها للنصف، ولكنها لم تجد تغييرا ملحوظا، فكان الحرمان قرارها لتسرع عملية نقصان الوزن. اكتفت بوجبة واحدة في اليوم لعلها تصل للجسد المثالي الذي يتمتع به المشاهير على السوشال ميديا، ورافق هذا الحرمان تعب كان يزداد يوما بعد يوم، وبالرغم من شعورها بالجوع الا أنها كانت تعاند نفسها وتقسو عليها. تقول “فقدت الاحساس بالشبع وزادت عصبيتي وفي بعض الأوقات أبكي من الجوع لكنني استمررت بالمقاومة”. ولكن مع الأيام أصبح نقصان الوزن يزداد بشكل كبير، كما تقول، وانخفضت طاقتها ولم تعد تشعر برغبة في الطعام، وأصبحت دائمة التعب الى جانب التوتر والقلق، وفقدان الاتزان في حركتها، ولأنها شعرت بالخوف قامت بمراجعة طبيب للاطمئنان على نفسها وكانت المفاجأة بأنها مصابة بفقدان الشهية. أخبرها الطبيب أن متابعتها لنظام الحرمان أدخلها في حالة من اضطرابات الأكل، ونصحها بالذهاب لاختصاصية تغذية لتحصل على النظام الصحيح لتتخلص من هذا الاضطراب وفعلا فعلت ذلك وقد تطلب منها ذلك وقتا وجهد كبيرا للشفاء منه. بينما وعد (17 عاما) كان قرارها معاكسا لريم، وبردة فعل عكسية، إذ باتت تتناول الطعام في كل الأوقات بسبب عدم رضاها عن جسدها واعتقادها بأنها لا تستطيع إنقاص وزنها، لهذا اختارت أن تأكل دون الاهتمام لرأي أي أحد. وتقول وعد “كنت آكل بطريقة سريعة وبكميات كبيرة ووجبات جاهزة دون الاهتمام لوزني.. فأنا لن أصل للجسد الذي اريده”، ما تسبب بزيادة وزنها بشكل كبير وادخلها في حالة نفسية صعبة. ولحسن حظها، كانت ملاحظة والدتها لها ومتابعتها سببا في خروجها من هذه الحالة، اذ كانت تحاورها في البداية وتقنعها بأن ليس عليها أن تشبه أحدا وأن رضاها عن جسدها هو الأهم وألا تقارن نفسها مع غيرها. كان اقتراح والدتها، زيارة اختصاصية تغذية لتساعدها في اتباع برنامج غذائي يناسبها ولا يسبب لها أي مشاكل صحية، بالإضافة إلى اختصاصي نفسي لمتابعة حالتها ومساعدتها على تغير أفكارها. أخصائية التغذية ربى العباسي تبين ان اضطرابات الأكل شائعة بين المراهقات أكثر من غيرهن، فهن بهذا العمر يتابعن المشاهير ويعتبرنهم نموذجا يحاولن تقليده. وتوضح العباسي لـ”الغد” أن الاضطراب يبدأ لدى الفرد بالحرمان من الوجبات الثلاث، والاقتصار على وجبة واحدة في اليوم، بينما البعض الآخر قد يحرم نفسه من النشويات ويركز على أخذ البروتين أكثر أو يقتصر على الخضار والسوائل فقط لا غير. وتلفت العباسي الى أن الأهل اذا لم يتابعوا الابناء في وقت مبكر، فإن ذلك يصعب حل المشكلة، خصوصا إذا وصل هذا الأمر لمراحل متأخرة، مبينة أن المشاكل الناتجة ليس فقط نقصان الوزن وإنما من الممكن أن تكون هنالك مشاكل تغذوية، وتأثر بوزن الكتلة العضلية، بخاصة على المراهقين الذين ما يزالون في مرحلة النمو. وتتحدث العباسي عن بعض الحالات التي تعاملت معها، إذ إن الحمية التي تتبعها فتيات قد تؤثر على المبايض، واحتمالية انقطاع الدورة الشهرية لفترة طويلة، إذ إن النسبة الأكبر تأثرا بين المراهقات من عمر (13-17)، خصوصا مع ساعات الصيام الطويلة والحرمان من الطعام، بالتالي التعرض لحالة نفسية صعبة، يصل لبكاء هستيري من الجوع، ولكن المعاندة تكون بالإصرار على انقاص الوزن بهذه الطرق غير الصحية. وتضيف العباسي أن هذا الحرمان قد يرافقه نقص فيتامينات مهمة مثل الزنك المهم للنمو و B12 وفتامين D والحديد، فقد يميل الوجه للون الأصفر، والبعض قد لا تتطور علامات النمو لديه بالشكل الصحيح. من جهتها تنوه العباسي إلى أن اضطراب الشره المرضي العصبي، يحاول فيه الفرد أن يبتعد نهائيا عن الطعام وفي حالات أخرى الأكل بسرعة، من ثم اللجوء لـ”الاستفراغ” في محاولة لتجنب الزيادة بالوزن. وتؤكد العباسي أهمية انتباه الأهل للأبناء من البداية، وتنظيم برامج غذائية صحية لهم بالتعاون مع أخصائي للتغذية، قبل أن يؤثر حرمان الطعام ويتسبب بفقدان الوعي، فالمراهقات هدفهن التشبه بالأجساد التي يرونها على مواقع التواصل، إذ أصبح هنالك صورة نمطية لجسد المرأة. وحذرت دراسة حديثة من أضرار متابعة صور المشاهير بأجسامهم المثالية المتناسقة في مواقع التواصل، وتأثير ذلك على الصحة النفسية للفتيات. وأشارت الدراسة التي أجراها باحثون في جامعة “يورك” بتورونتو، إلى أن الفتيات يملن إلى اختصار الصورة المثالية للجسد بحسب ما تنشره الشخصيات المؤثرة على مواقع التواصل والمشاهير. وشملت الدراسة التي نشرت نتائجها في مجلة “بودي إيميج” مشاركة 400 طالبة جامعية، في استبيان للرأي شمل عرض صور لعارضي أزياء ومشاهير ومؤثرين على “السوشال ميديا”. وقالت مؤلفة الدراسة والمتخصصة في علم النفس الإكلينيكي سارة ماكومب: “مقارنة المرء نفسه بصور المشاهير والمؤثرين على مواقع التواصل يتسبب بضرر بالغ بصورة المرأة المثالية لدى الفتيات”. وأضافت ماكومب: “وجدنا بشكل عام أن الفتيات اللواتي قارنّ أنفسهن بأحد أنواع الجسم الثلاثة مثلا (النحيفات للغاية- صاحبات الوزن المثالي- الممتلئات بشكل ساعة رملية) على إنستغرام عانين من زيادة في عدم الرضا عن الوزن، وكذلك الأمر بالنسبة للمظهر، والشعور بالثقة”. وحذرت من خطورة الأمر، حيث يمكن أن تسبب المقارنة بالأجساد المثالية للمشاهير إلى اضطرابات خطيرة في الأكل مثل فقدان الشهية العصبي أو الشره المرضي. وتشير العباسي إلى أن هنالك بعض الأشخاص التي قد تخفي وتعاند، وهذه مشكلة بحد ذاتها، وتحتاج لتدخل من أخصائي نفسي. وترى العباسي أن هنالك عدد من الشباب يصابون بحالة من “الشره المرضي”، وهو الأكل من دون وضع أية حدود، ويرافق ذلك الكثير من المشاكل من ضمنها ارتفاع نسبة الكولسترول في الدم، خاصة عندما يكون التركيز على الوجبات السريعة. والحل هو اتباع نظام صحي الى جانب ممارسة الرياضة، بالإضافة إلى النوم مبكرا، اذ إن الشره يكثر في ساعات الليل، لذا فالنوم باكرا يساعد في تجاوز هذه المرحلة، أما اذا كان النزول في الوزن مرضيا، هنا تكون الحاجة لتدخل طبي، واللجوء لبدائل غذائية مشبعة. وتشير العباسي إلى أن هنالك حالات تم علاجها وأصبحت أحسن حالا، ووصلت لمرحلة الرضا مع ذاتها وجسدها، إذ إن اضطرابات الطعام تهدد الصحة الجسدية والنفسية. ومن الجانب النفسي، يبين الدكتور علي الغزو أن الاضطراب ناتج عن التأثر ببعض الأفكار المغلوطة، والتقليد الاعمى لبعض الشخصيات أو المشاهير الموجودين على مواقع التواصل الاجتماعي. ووفق الغزو، فإن الاضطرابات تؤثر صحيا؛ جسديا ونفسيا، وما يرافق ذلك من شعور بالتوتر والضغط النفسي، فكثير من الأشخاص لا يعلمون جيدا طبيعة بنية أجسادهم ومدى تحملها، إذ إن الذي يريد اتباع حمية غذائية عليه أن يكون تحت إشراف اختصاصي تغذية بحيث انه يضع له البرنامج المناسب، بعيدا عن التقليد الذي قد يساهم بتدهو الحالة الصحية، فما يناسب جسدا لا يناسب غيره بطبيعة الحالة. ويلفت الغزو الى أن هذا الاضطراب، يرتبط بجانب فقدان تقدير الشخص لذاته، وغياب تقبل الذات، موضحا أن اضطرابات الأكل كفقدان الشهية او الشره المرضي، حالة نفسية يعاني منها بعض الافراد. وينوه الغزو إلى أنه لا بد من الوقوف على الأسباب والدوافع لأن يتجه الفرد لهذا السلوك، وتقييم الحالة، وذلك بحاجة إلى اختصاصي نفسي وجلسات توعوية إرشادية، فتلك عملية تشاركية ما بين الطب النفسي والعام في مرحلة السمنة الزائدة أو نقص الوزن، لذا لا بد من التدخل الطبي. ويرجح الغزو أن أغلب هذه الافكار تندرج ضمن الأفكار التي يتشربها ويتشبعها الشاب أو الفتاة من وسائل التواصل، مبينا أنه في حال تأخر العلاج قد تسوء الحالة وتصل لمرض بدني او نفسي، وهنا تصبح الأمور أكثر تعقيدا ويتطلب ذلك جهدا ووقتا أكبر. لذلك فإن العلاج النفسي يساهم بزيادة الثقة بالنفس، ويأتي ذلك بمساندة العائلة لتجاوز هذه الاضطرابات.

اقرأ المزيد:

السوشال ميديا ودعوتها المبطنة للفرار من الجسد

مؤثرات “السوشال ميديا”.. معايير جمالية “خيالية” تقلل ثقة الفتيات بأجسادهن

اضافة اعلان