في القرى النائية.. نساء مكافحات يحملن "ثقل" البيوت والأسر

أم ابراهيم تعمل على إعادة تدوير خيم اللاجئين لإعادة الحياة الكريمة لعائلتها- (من المصدر)
أم ابراهيم تعمل على إعادة تدوير خيم اللاجئين لإعادة الحياة الكريمة لعائلتها- (من المصدر)
تغريد السعايدة عمان- ما بين ثنايا القرى، تلك التي أسموها بـ”النائية”، تفوح رائحة المثابرة والنجاح والسعي والريادة من سيدات لم يمنعهن البعد عن مظاهر الحياة الحديثة من أن يسطرن قصص نجاح باهرة، منهن رائدات في مجتمعن يعلن أسرهن بكل حب “وهناً على وهن”. وفي اليوم الذي يحتفى به باليوم العالمي للمرأة، قد تُسلط الأضواء على سيدات في مجال السياسة والقيادة والاقتصاد، ولكن هنالك نسوة يقفن على مسافة واحدة من سيدات العالم القياديات، فكلهن يقدن بيوتا ويحفرن الصخر لتسطير النجاح وتمهيد طريق أبنائهن. “الغد” سلطت الضوء من خلال جولات عديدة على مجموعة من السيدات الرائدات بمشاريعهن ممن حاربن الظروف سعيا نحو النجاح. في جنوب الأردن وفي قرية جرف الدراويش تحديداً، وجدت وداد مناعين نفسها من العام 2018 تبحث عما يمكن أن يفيد سيدات المجتمع الذي تعيش فيه، وهي قرية تبعد مئات الكيلومترات عن العاصمة عمان وعن مركز محافظة الطفيلة، وقررت ان تؤسس جمعية تحتضن فيها السيدات وتبحث لهن عن مداخل الرزق من باب، وباب آخر للثقافة والتعليم والتوعية. ومن مبلغ لا يتجاوز مائتي دينار، صممت مناعين أن تكون اللبنة الأولى للنهوض بسيدات مجتمعها، ليكن منتجات، لا يقفن خلف شبابيك البيوت ينتظرن العون، بل ينهضن ليكسرن جمود الفقر، فلكل واحدة منهن قصة عظيمة تحكيها لعائلتها في كل مساء. نساء یحاربن الفقر ویسطرن قصص نجاح للنهوض بعائلاتهن تقول مناعين إنها لا تتمنى أن ترى سيدات مجتمعها ينتظرن المعونة ويستسلمن لليأس، لذلك كانت تلك الجمعية باباً لهن للاجتماع، للحديث، للبحث والسعي، فكان أن أوجدت فرص عمل لهن من خلال تنمية مهاراتهن اليومية، والتنسيق مع مبادرات خيرية لتوفير فرص عمل لهن. وكان لمناعين ما تتمنى بأن أسست الجمعية وافتتحت عدة مشاريع تنموية فيها جعلت من جرف الدراويش مصدر رزق وإلهام للسيدات بألا يفقدن الأمل، وأن تعود كل سيدة لبيتها تبحث عن العمل الذي يمكن أن تبدع فيه بين أروقة قرية تفتقد للكثير من الخدمات الرئيسة. وفي الأردن، البلد الذي احتضن ملايين اللاجئين في أحلك الظروف، كانت السيدات منهن على المحك في أن يثبتن قوتهن في التحمل وحماية عائلاتهن، بل أن غالبيتهن كن دون أزواجهم، ليقفن وحيدات في مواجهة الحرب واللجوء وينسجن قصص إبداع ويثبتن أن المرأة هي سيدة كل يوم وليس فقط يوم واحد. أم إبراهيم التي التقطت “الغد” قصتها خلال تواجدها بإحدى بازارات المنتجات اليدوية، لم تقدم منتجاً معتاداً للزائرين، بل انتظرت حتى أنعم الله عليها بمسكن “كرفان” لتجمع بواقي الخيمة التي أوتها مع عائلتها وتحولها إلى قطع فنية تبيعها لتعتاش منها وعائلتها، ولا تنتظر أن يضع متبرع أو فاعل خير “كيساً” على باب الكرفان لتقدمه لأبنائها وهي مكتوفة الأيدي. وتعمد أم إبراهيم التي تقطن في مخيم الزعتري، إلى جمع بواقي الخيم بعد خروج العائلات منها، لتعيد إنتاجها، وتحاول ان توفر لعائلتها حياة كريمة عبر زيادة المدخول المادي لهم، بعد أن جارت عليها عجلة الحرب وهدمت حلمهم الكبير ودمرت محلات تجارية كانت تملكها العائلة يوماً ما. قصة أخرى بين شوارع السلط القديمة، حيث تقف الحاجة السبعينية حورية شحادات تمارس عملها اليومي الذي يشد الزوار إليها، حيث تعمل في مخبز خاص تم تقديمه لها من إحدى المبادرات الخيرية لـ “مسار الخير”، وكانت قد جالت العديد من محافظات المملكة لتكون معيلة لعائلتها ولنفسها بعد أن أجبرتها الظروف على ذلك. لم تستسلم شحادات لظروفها على الرغم من تقدمها في السن، ورغم التعب الذي بدا واضحاً على ملامحها بعد عقود من التربية والعمل، إلا أنها ما تزال تقف أمام مخبزها لتصنع الخبز وتقدمه للزبائن، وتعود أدراجها تحكي قصة نجاحها الفردية لسنوات عمرها التي بلغت من الكبر عتيا. “رمضان والعيد على الأبواب وهذه فرصتي لزيادة دخل عائلتي ومساعدة زوجي”، هكذا تقول بثينة محمود التي تعمل في مطبخها الانتاجي الصغير دون كلل أو ملل، تحاول مرة أن تجمع مصاريف “الدروس الخصوصية” لابنها حتى تساعده على النجاح في الثانوية العامة، ومن ثم مبلغاً آخر للزوج لسد مصاريف البيت، ومبلغا آخر لباقي أفراد الاسرة لتلبية بعض المتطلبات. وتقول بثينة إنها بقيت لسنوات طويلة دون عمل بعد أن تزوجت واصبح لديها ابناء في مراحل دراسية مختلفة، وهنا بدأت تظهر الحاجة إلى العمل، ولكونها لم تكمل دراستها الجامعية، حاولت أن تستفيد من عملها اليومي في المطبخ كوسيلة للكسب المادي، لتصنع وهي بين المواعين ومواد المطبخ، قصة نجاح. بضع دجاجات، وبيضاتٍ معدودة، كانت هي سبيل فاطمة براهمة من الأغوار لتبني هي كذلك شخصية مستقلة وصاحبة “مُلك” بسيط يؤمن المأكل لأبنائها، بعد أن وقفت مكتوفة الأيدي بعد وفاة زوجها، وفي “رقبتها” طفلان من الأيتام بحاجة إلى رعاية، لتكون تلك الدجاجات هي مشروعها الكبير في عطائه لها. براهمة تعيش في منطقة بعيدة في شمال المملكة، لا تعلم طريقاً للمدن وضواحيها وعمرانها الكبير، ولكنها صنعت عالمها الخاص بها وبطفليها، لتكون أماً وأباً، وحاضنة لهما. هي كغيرها من سيدات المناطق النائية، تبحث عمن يعينها لشق طريق العمل البيتي الإنتاجي، فوجدت في الجمعيات الخيرية مأوى لها ولعشرات السيدات من ذات المنطقة. حاولت براهمة بهذا العمل الإنتاجي الصغير، أن تلفت النظر كذلك لمئات النساء من منطقة الأغوار اللواتي يقبعن تحت أشعة الشمس الحارقة للعمل في “القطاف” وبمقابل مادي قليل جداً، ونسبة كبيرة منهن إما كبار سن، أو فتيات صغيرات في العمر، بدا عليهن التعب والكِبر مبكراً”، على حد تعبيرهن. في اليوم العالمي للمرأة، وخلف كل بابٍ من أبواب تلك القرى والمناطق النائية وخيم اللاجئين، تقبع نساء حاربن الخوف والفقر والتنمر والحياة القاسية، خلف تلك الأبواب أيضا، تنام سيدات باحثاتٍ عن حياةٍ كريمة، عن عمل لا يتململن منه، بل يشعرن بقيمة عطائهن وعظمة أن يكن “أمهات قويات منتجات كريمات حاضنات معطاءات لا يبحثن عن منصات مواقع السوشال ميديا، بقدر انهن يبحثن عن لقمة عيش كريمة وملبس ومسكنٍ آمن”.اضافة اعلان