في رحاب الاستقلال.. التطلع لبيئة محفزة وداعمة للإبداع والابتكار وريادة الأعمال

تغريد السعايدة

عمان- يحتفل الأردنيون اليوم بالذكرى السادسة والسبعين لاستقلال البلاد، في مجتمع فتي يعمل من أجل رفعة الوطن وازدهاره وحمايته، ليكون الأردن منارة ومحط أنظار العالم في الريادة والإنجاز والإبداع.اضافة اعلان
الملك عبد الله الثاني وفي كل مناسبة لا يدخر كلاما في حق الشباب الأردني الذي يرى فيه وجه الأردن المشرق والمستقبل الذي يجب أن يستثمر فيه، وفي أحد لقاءاته تحدث عن اعتزازه "بالشباب الريادي الأردني، لمساهمته في تعزيز مكانة المملكة في ريادة الأعمال والابتكار وتمكنهم من تحويل التحديات التي فرضتها جائحة كورونا إلى فرص واعدة".
ولم تكن جائحة كورونا أقل وطأة على الشباب، بل كانوا الفئة الأكثر تضررا اجتماعيا ونفسيا واقتصاديا بشكل واضح، ولكن إصرار جلالته على سن التشريعات التي تتيح تحسين البيئة للشركات الناشئة كان لزاما لدعم الشباب، مع الإشارة إلى أن مبادرة الملك عبد الله الثاني في تأسيس ودعم أول حاضنة أعمال في المنطقة العربية في العام 2010.
وبتكاتف الجهود الرسمية والأهلية والدولية، لا يقف الشباب الأردني مكتوفي الأيدي، بل صنعوا من مقدراتهم المتواضعة المتاحة مشاريع تنموية حولت نسبة كبيرة منهم إلى أصحاب عمل ومشاريع ريادية، قادتهم إلى أن يكونوا من الأمثلة التي يتحدث عنها رياديو وإعلاميو العالم العربي عن تفوقهم وإنجازاتهم، كما في اشارة الإعلامي والريادي العربي أحمد الشقيري في أحد برامجه الشبابية إلى تميز الأردن في هذا المجال مقارنة بباقي الدول العربية.
وفي ظلال الحديث عن الاستقلال وتطلعات الشباب وأمنياتهم وطموحاتهم، هناك مجموعة كبيرة منهم يعملون بكل جد واجتهاد حتى أصبحوا من ريادي الأردن ومشاريعهم يُشار لها بالبنان، كما في الشابة نبال البطاينة، صاحبة مشروع إنتاجي صغير وناجح، كان شغفها في مجال صناعة مستحضرات التجميل الطبيعية واستثمار ما حولها من مواد، وأنشأت مشروعها خلال جائحة كورونا وما يزال قائما إلى الآن.
وتقول البطاينة أن قطاع ريادة الأعمال من أهم القطاعات الاقتصادية في العالم لما فيه من قدرة على ابتكار نماذج عمل تجارية تتحول لاحقا لشركات ومشاريع تقدم حلولا مبتكرة تساهم في رفد الاقتصاد المحلي وإيجاد الحلول المجتمعية مثل الفقر والبطالة، حيث لم تقف الظروف الاقتصادية الصعبة وغياب فرص العمل، عائقا أمام الشباب الأردني لإنشاء مشاريعهم الخاصة، وأن مشاركتها في دورات تدريبية خاصة ساعدتها على تقديم منتجات ذات جودة عالية، لتتحول من هواية إلى حرفة ومشروع إنتاجي.
كذلك الشابة العشرينية لانا الطراونة التي تقطن في الكرك، وكانت تجد صعوبة في البداية في تأسيس مشروعها الخاص وفق قدراتها ودراستها الجامعية، لتنتسب إلى إحدى الحاضنات التدريبية والتأهيلية للتدريب والريادة، وتؤسس مشروع Toys Corner.
وتقول الطراونة لـ "الغد" أنها استطاعت من خلال ريادة الأعمال تأسيس مشروع Toys Corner وهو منصة للألعاب التعليمية، ليكون هو سلاحها في تحدي مشكلة البطالة التي يعانيها الشباب الأردني، خاصة في ظل الظروف الاقتصادية الحالية، ولكن حب الانتماء والعمل والشغف، جعلها تصبح ضمن صفوف أصحاب الأعمال الناشئة، وتقول "تمكنت من تحويل نفسي إلى رائدة أعمال وساعدت كذلك مجموعة من العاطلين عن العمل في التشغيل في ذات المشروع".
ولكن تنوه الطراونة إلى أنه وبالرغم من أن أكثر النشاطات في دعم الريادة ركز على إعطاء الدورات التدريبية في تأسيس المشاريع وإدارتها "إلا أنني أتمنى أن يتركز النشاط الريادي في المستقبل على دعم هذه المشاريع لتتحول من طور الفكرة والبداية إلى طور التطور والنمو بهدف خلق جيل شبابي قادر على العطاء والإنتاج والإبداع".
إيمان البشابشة، فتاة أردنية تعيش في إحدى القرى، لم يكن لديها أي تصور لوظيفة قادمة، ولكنها حولت جزءا من موروث قريتها إلى عمل إنتاجي ريادي ناجح بكافة التفاصيل، وهو مشروع "بيت الجميد الكركي"، لتنهض بمكانة قريتها سياحياً واقتصادياً في قرية "محي" بعد أن تعاونت مع إحدى الحاضنات كذلك وهي "الجمعية الألمانية لتعليم الكبار ومركز مجتمع محلي محي، حيث كانت متطوعة معهم، وتلقت العديد من التدريبات والدعم للمشاريع الصغيرة من ضمن 15 سيدة تقدمن بذات الطلب لعمل مشاريع إنتاجية صغيرة.
وبعد نجاح مشروعها الصغير الذي يُمثل بالنسبة لها هدفا وغاية في ذات الوقت، وصورة عن قدرة الشباب الأردني على تجاوز العقبات، قامت بمساعدة وتشغيل سيدات أردنيات من ذات القرية، وكرست جزءا من عملها ووقتها للعمل التطوعي استهدف المشروع، وكانت جزءا من مشروع الترويج لمحافظتها، والتسويق لها سياحيا واقتصاديا، واستقطاب الزوار من مختلف الأماكن محليا وعالميا.
تلك نماذج شبابية، تمثل فئة عاملة نابضة بالحياة والحب للوطن ومقدراته، وكبيرة في طموحها وحبها للوطن، ومن هنا يتحدث المستشار والخبير في قضايا الشباب الدكتور محمود سرحان ان الاهتمام بالشباب لم يعد مسألة محلية أو أقليمية، بل أضحى مسألة عالمية لما للشباب من دور مهم وبارز ومميز في حجم المسيرة التنموية الشاملة والمستدامة بكل ابعادها السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والأمنية على حد سواء.
ووفق سرحان فإن هذه الاعتبارات العديدة تعتمد على القوى البشرية في الديمومة، ونحن نتحدث عن الاعتبارات البشرية ضمن العدد الأكبر من مجمل البناء الاجتماعي، وهم فئة الشباب، حيث نتحدث عن فئة عمرية تُشكل ما نسبته 20 % ممن هم ما بين سن الخامسة عشرة والرابعة العشرين، فيما يُشكل ما هم دون الثلاثين عاما في المجتمع الاردني 70 % من إجمالي عدد السكان وهذا يعني أننا مجتمع فتي بامتياز والشباب هم الفئة المؤثرة لدينا.
هذه الفئة العمرية هي محرك للطاقة والقوة والإمكانات للعمل، يقول سرحان، ولكننا بحاجة إلى توظيف واستثمار هذه الطاقات والإمكانات لصالح العملية التنموية الشاملة، والرقم هنا كبير وبحاجة إلى استثمار العمل مع الشباب وعمل استثمارات "مربحة" على المدى البعيد، كما أن الاهتمام بالشباب يكون من خلال برامج وسياسات عملية وواقعية تناسب الوضع الاجتماعي في ظل تعقيدات عالمية نشهدها اليوم وسريعة التغيير، وهذا من شأنه أن يساعدهم كذلك في مواجهة التحديات وإعداد العدة للأمة لنهضتها وتطورها كذلك، من خلال تلك التحديات الخارجية والداخلية.
هذه المواجهة تحتاج إلى الوعي والاقتدار لدى الشباب، على حد تعبير سرحان، وذلك يتطلب من جميع الجهات الحاضنة والمختصة بالشباب إلى غرس الأمل لديهم وتوفير الفرص الملائمة لهم ولمتطلباتهم، من خلال تهيئة البيئة الآمنة والداعمة والصديقة والجاذبة والمحفزة لهم، من أجل المزيد من العمل والعطاء خدمة لأنفسهم ولمجتمعهم وأوطانهم.
الاختصاصي والمدرب التربوي الدكتور عايش النوايسة يرى أن تأهيل الشباب يتعلق بالطريقة التي نربي فيها الأبناء منذ البداية، إذ من الأهمية بمكان ان نعمل ونركز على تطوير عمليات التعلم والتعليم بما يسمى بالتفكير المتدرج من الصفوف الأولى للصفوف العليا ومن ثم الجامعة وصولا للتفكير الإبداعي.
واليوم، وفق النوايسة، نحن بأمس الحاجة في التربية والتعليم التي تركز على النوع وليس على الكم، وهذا يعني اعطاء أهمية للإبداع والابتكار والريادة، وبالتالي نحن بحاجة إلى المنافسة في العنصر البشري الذي يعتمد عليه الاقتصاد بشكل كبير جدا، وخلق هذه المنافسة وفرص العمل الهدف منه السعي نحو القضاء على البطالة، كما أننا بحاجة إلى أن يكون لدينا تربية نوعية والتي ترتبط بنوعيات السلوكات والحياة التي نعيشها.
وطلاب وأطفال اليوم هم شباب المستقبل القريب، الذين باتوا يعملون الكثير من مصطلحات التعلم والريادة والاقتصاد، لذلك، يشدد النوايسة على ضرورة أن اعداد الطالب للحياة ويجب ان تكون هناك أفكار تتعلق بالمنهجيات الإبداعية كما في مشروع "إنجاز" وهو أحد المشاريع الوطنية المهمة التي تطرح أفكارا وتعلم الطلاب كيفيه التخطيط مستقبلا للمشاريع والحياة العملية فيما بعد.
كما أن تضمين وزارة التربية والتعليم لمنهاج مادة الثقافة المالية المطروحة في الصفوف، أمر إيجابي ومهم جداً، كما يرى النوايسة، لذلك يجب تحسين هذا المنهاج وتفعيله عبر الأنشطة الفعلية حتى تساهم بشكل جذري على تنمية سلوكات الريادة لدى الطلاب بشكل أكبر وربطها بما يسمى بإدارة المشاريع والتركيز على المنحى التطبيقي مع الطلاب ليعيشوا دورة المشروع كاملة، ومن ثم نعظم هذه الأفكار في المستويات الدراسية في الصفوف العليا والجامعة ومن ثم تتبناها ويصبح لدينا جزء من الثقافة، وتكون هناك فرص عمل نوعية مرتبطة بمخرجات التعليم.