في رمضان.. مساعدة المحتاج سلوك إنساني يترسخ بنفوس الصغار

جانب من مشاركة الكراتيه في بطولة الفجيرة "بريمير ليغ". - (من المصدر)
جانب من مشاركة الكراتيه في بطولة الفجيرة "بريمير ليغ". - (من المصدر)
رشا كناكرية عمان- يستعد الطفل يزن (14 عاما) للنزول للحي قبل ساعة من أذان المغرب وفي يده سلة مليئة بأكياس صغيرة تحمل التمر بداخلها، ووالده يحمل أكوابا من الماء ليوزعها على الصائمين مع اقتراب موعد الإفطار. تعلم يزن هذه العادة من والده وهو في السادسة من عمره وأصحبت جزءا أساسيا في شهر رمضان المبارك، واصفا أول يوم نزل به للحي بأنه لا يُنسى. ويقول “أخبرني أبي في وقتها أن الابتسامة التي سأراها على وجه الصائم ستصنع يومي وتجعله أجمل، وحينها لم أستوعب ما قاله وسألت في نفسي كيف لابتسامة بسيطة أن تجعلني بهذا السعادة؟”. هذا السلوك هو ما غير من شخصيته وكيفية تكوينها عبر السنوات، وجعلته يفهم أن مساعدة الآخرين يجب أن تكون جزءا لا يتجزأ من حياته، ومن وقتها وهو حريص على ،داء هذا السلوك الذي ما يزال يتعلم منه الكثير ويهذب من نفسه. بينما علاء (30 عاما) يدرك تماما أن التعاون ومساعدة الآخرين هو فعل تعلمه في صغره وعليه أن ينقله لأطفاله ليزرع هذه التعاليم والقيم الإنسانية فيهم كما فعل والداه من قبل. ولهذا اختار أن يبدأ بذلك في وقت مبكر ليترسخ الشعور بالمسؤولية تجاه الآخرين بداخلهم، ويزرع فيهم حب المشاركة والتعاون التي تساعد على نموهم ونضجهم بالطريقة الصحيحة، وتغير من أفكارهم وتسهم في تكوين شخصية قوية محبة للخير ومساعدة للآخرين. الاختصاصي الاجتماعي الدكتور محمد جريبيع، يبين أن هذه السلوكات تعد متجذرة في المجتمع الأردني سواء في شهر رمضان الكريم أو غيره من أشهر السنة، فهي جزء من القيم الدينية والاجتماعية التي تربينا عليها. ويضيف “هذه السلوكات عاشت معنا وتناقلناها عبر السنوات وأصبحت عادات وتقاليد تميزنا عن غيرنا ونتفاخر بها ونرسخها في عقول أطفالنا منذ نعومة أظفارهم”. ويتابع “في شهر رمضان المبارك، تزداد هذه السلوكات وتصبح ظاهرة بشكل أكبر رغم أهمية أن تكون هذه المفاهيم موجودة على مدار السنة، وليست مقتصرة على شهر الخير”. ويؤكد جريبيع أن هذه السلوكات هي جزء من التنشئة الاجتماعية لمساعدة المحتاج واليتيم ومن تقطعت به السبل، وهذا مرتبط بالتربية، “فالذي نتعلمه في الصغر يبقى معنا ونقتنع به ويترسخ لدينا بأنه السلوك الصحيح وبالتالي هذا ينعكس على بناء جيل مؤمن بهذه القيم”. ويشدد جريبيع على أن إظهار هذه السلوكات يعطي قيمة للمجتمع بسلوكات جيدة، مؤكدا أنها ظاهرة إيجابية تعزز من قيم التآخي ومساعدة الآخرين والتكافل الاجتماعي، وأكبر مثال على ذلك الفرق التطوعية التي تنتشر في الشوارع في شهر رمضان لتوزيع المياه والتمر على الصائمين. ويشير جريبيع إلى أن شهر رمضان هذه السنة مختلف تماما لأن المجتمع عاش عامين صعبين وحرم من بعض العادات والطقوس الرمضانية، ومع تخفيف الإجراءات تعود الحياة لما كانت عليه، ورغبة بالتعويض ولهفة الاشتياق لممارسة عادات غابت طويلا. ومن الجانب التربوي، يبين الدكتور عايش نوايسة أن رمضان هو شهر تربوي الى جانب العبادة، فإن الغاية من الصيام ليس الجوع والعطش وإنما الهدف منه التربية لغرس القيم الإنسانية عند الجميع كبارا وصغار. ويوضح نوايسة أن رمضان فرصة كبيرة لتنمية القيم وترسيخها لدى الأطفال، ومنها عدم الإسراف والتبذير ومشاركة الخيرات مع الجيران والمحتاجين وتوزيعها إلى جانب تنظيم الوقت وترتيب الأولويات وجدولة اليوم واستثماره بطريقة مفيدة، فهي فرصة للأهل لتنظيم العادات التي يمارسها الأبناء سواء في التحدث والتصرفات. ومن جانب آخر، هنالك فرصة لتبديل العادات الخاطئة وتصحيحها، إضافة إلى تعليم قيم التعاون ومساعدة الآخرين ونشر المحبة سواء بتوزيع الماء أو التمر في المسجد أو الحي أو على الإشارة الضوئية، مشددا على أهمية إشراف الأكبر سنا على الصغار للحفاظ على سلامتهم. وينوه نوايسة إلى أن هنالك عددا من الجمعيات الخيرية التي تقدم على مثل هذه السلوكات وتعمل على تعليم قيم المشاركة والتعاون ومن الممكن تشجيع الأبناء على الالتحاق بها وهذا جانب إيجابي. ويوضح نوايسة “إننا في وقت لا يمتلك الجميع مستلزمات أساسية لحياة كريمة”، لذلك فإن مساعدة الآخرين وتبادل الطبق اليومي بين الجيران من العادات الإنسانية التي من المهم إحياؤها عند الأبناء، وتعلمهم قيم التآخي، والوقوف مع الآخر في كل الظروف الصعبة. ويشير نوايسة إلى أن هذه السلوكات تغير وتنمي الأطفال من خلال توجيههم وإرشادهم للطريق الصحيح للمساعدة، ومن الممكن أن ينضموا لمجموعات مع بعضهم بعضا، وهذا الدور تساعد فيه المدرسة كما في البيت. ويشدد نوايسة على أهمية ألا يتناقض سلوك الأهل مع الذي يسعون في تعليمه للطفل، فهو يتعلم كل شيء من الأهل والأصدقاء وهكذا تتشكل شخصيته، فالمهم أن تزرع لديه حب الخير والتعاون ومساعدة الآخرين وهنا يكتسبها وتبقى كسلوك مستمر وليس فقط خلال شهر رمضان. ويختم نوايسة “نحن مجتمع إنساني وذلك يدعو لتقبل الآخر والتعاون والوقوف بجانبه في شهر الرمضان وغيره من الأشهر، لكي تتعاظم السلوكات الإيجابية لدى الكبار ولدى الأبناء بشكل أكبر”.اضافة اعلان