قلعة السلط تتداعى ولم يبق منها إلا جدار يستغيث

قلعة السلط تتداعى ولم يبق منها إلا جدار يستغيث
قلعة السلط تتداعى ولم يبق منها إلا جدار يستغيث

ارتبطت بالمنعة وعيون الماء الكثيرة الموجودة في المدينة

 

هادي النسور

اضافة اعلان

السلط – يستذكر المعمرون من أبناء مدينة السلط قلعتها التي كانت مضربا للقوة والمنعة عبر التاريخ.

تناوبت القلعة مع القاطنين حولها الدفاع عن المدينة في أوقات كانت فيها السلط محط استهداف الطامعين في موقعها المتوسط. ومن ذاكرة المؤرخ الشعبي سلامة الفليحان الريالات(85) عاما تطل أبراج قلعة السلط الشهيرة البالغ عددها ثلاثة قبل هدمها على يد ابراهيم باشا المصري الذي دخل السلط أواخر القرن التاسع عشر وقام بقصف القلعة من منطقة العيزرية بالمدافع لاحتلال موقعها الحصين والمتوسط في المدينة، مشيرا الى قيام أهل السلط مع الحامية التركية بالدفاع عن المدينة وعن قلعتها.

وترتبط القلعة بذاكرة السلطيين بعيون الماء الكثيرة الموجودة في المدينة منها عين "الزلام" وعين "النسوان" القريبتين من بيت أبو جابر وعين الدواب وعين الماء التي كانت تنبع من اسفل الجامع الكبير، والتي كانت موجودة في ساحة السلط الرئيسية إضافة الى عين" الزعطوطة " قرب الجامع الصغير.

ويستذكر الحاج عبدالرزاق اليعقوب النسور(75 عاما) وجود نفق أو ممر محفور في الصخر كان ينطلق من وسط القلعة وينحدر الى ينبوع الماء وسط المدينة (عين السلط) كي يتزود جنود القلعة بالماء في زمن الحصار، إلا أن هذا النفق الذي نما خبره وتفاصيله الى علمه من الكثيرين الذين سبقوه في العمر اختفى قبل عام 1938 بسبب كثرة المساكن التي انتشرت في تلك المنطقة.

وتذكر قيود بلدية السلط ان زلزال السلط الذي ضربها العام 1927 الذي يعرفه أهل المدينة(بسنة الهزة) قد تسبب في تشقق الحفر الامتصاصية التابعة للبيوت السكنية التي أقيمت فوق منطقة العين، ما أدى الى تسرب مياهها وتلويث مياه الينابيع على أثر ذلك. وفي العام 1928 قامت البلدية بتنفيذ مشروع للمجاري هو الأول في الاردن في تلك الفترة كان القصد منه الحيلولة دون تلويث مياه عين السلط الواقعة تحت المسجد الكبير الذي هدم هو الآخر وأعيد بناؤه بنمط عصري بعد أن كان معلما حضاريا ومعماريا فريدا من نوعه مثله مثل باقي بيوت السلط العتيقة.

وتشير المراجع التاريخية إلى أنه في عهد الملك الأيوبي المعظم عيسى بن الملك محمد العادل أخي صلاح الدين الأيوبي أمر في العام ( 1220م ) ببناء قلعة السلط لتشكل مع قلعة عجلون إلى الشمال حصنا عسكريا في مواجهة الحملات الصليبية حيث تمدّد المجتمع المحلي حول القلعة وبنى مدينة ازدهرت في الفترة الأيوبية-المملوكية.

يقول الدكتور محمد عطيات في النشرة الصادرة عن بلدية السلط الكبرى بعنوان" السلط .. سيرة مدينة في مسيرة وطن": إن السلط "بلغت أوج مركزيتها التاريخية والحضارية عندما اهتم الأمويون بشراء أبو سفيان ضيعة في ضواحي المدينة في أثناء تجارته في الشام، وقام ابنه يزيد بفتح السلط صلحا في بدايات الفتوحات الاسلامية".

ويذكر عطيات أن الصليبيين عندما استولوا على السلط هدموا قلعتها

وكانوا ينقلون نصف إنتاجها من الغلال والحبوب والفواكه الى ملك الفرنجة في القدس. وعندما استردها صلاح الدين الايوبي اعتمد على غلالها وحبوبها لمساعدة سكان القرى والمدن الفلسطينية التي هجرها سكانها بعد عودة أهلها بسبب تعطيل أعمال الزراعة عندهم نتيجة الحروب، وقام الأيوبيون ببناء قلعة السلط مرة اخرى .

وعندما اجتاح التتار بلاد الشام، بحسب عطيات، قاموا بهدم القلعة في العام 1260، غير أن الظاهر بيبرس أمر بترميم القلعة بعد أن اشترك اهل السلط في صد غزوة التتار في معركة عين جالوت وهزيمتهم فيها شرهزيمة.

ويورد عطيات أن ابراهيم باشا عندما قام بحملته على بلاد الشام احتل السلط وهدم قلعتها العام 1834، بعد أن رفض أهل السلط تسليم من لجأ اليهم من ثوار نابلس. ونتيجة لذلك تعرضت بيوت أهل السلط للخراب والتدمير وتشرد أهل المدينة في بلاد الشام واستمر ذلك حتى انحسار حكم ابراهيم باشا العام 1840 .

ومع عودة السلط الى الحكم التركي من جديد أنشأ الأتراك تنظيما إداريا جديدا أخضعت فيه السلط الى لواء البلقاء ومركزه نابلس، كما بنى الأتراك السرايا ( دار الحكومة ) العام 1869 في منطقة الساحة الواقعة في الجهة الشرقية من محلة الاكراد كما يشير" كتاب منطقة السلط الكبرى" الصادر عن بلدية السلط حيث أصبحت(الساحة) مركزا للأنشطة الرسمية والاجتماعية والتجارية، ثم توسعت الحركة التجارية شرقا عبر شارع الحمام وانتشر العمران شمالا وجنوبا عبر المنحدرات السفلى للقلعة والجدعة، وبحلول عقد الأربعينيات من القرن الماضي كانت منحدرات القلعة والجادور والجزء السفلي من منطقة السلالم زاخرة بالعمران السكاني.

وفي الوقت الراهن بني مسجد على أنقاض القلعة وتم إقامة نصب تذكارية للجنود الأتراك الذين قضوا في الحروب التي تناوبت على تراث المدينة وتاريخها وقلعتها التي باتت أثرا تاريخيا لم يبق منه إلا بقايا جدار يستغيث لإعادة ترميم القلعة وتجديد الحياة في أرجائها.