"مطوى" الأثاث في إرث الأجداد.. حينما كان يدل على الخير الوافر

8ab38cee-untitled-1
8ab38cee-untitled-1

تغريد السعايدة

عمان- يمتاز المطوى الخشبي الكبير برائحة الماضي الجميل وإرث الأجداد الذين تناقلوه عبر عقود طويلة، حيث يوضع في ركن من أركان البيت الرئيسة؛ ليكون أحد أهم مقتنيات غرفة الجلوس الرئيسة، وتفتخر به نساء البيت كونه جزءًا من مهرها الغالي.

اضافة اعلان

لم يكن المطوى الخشبي يوماً إلا دلالة على جمالية المنزل، تعتني به المرأة وكأنه أغلى ما تملكه في المنزل، تعيد ترتيبه ما بين الحين والآخر، تتمتع المرتبات التي توضع عليه بالمتانة والجمالية، أو ما يُطلق عليه باللهجة العامية "الفرشة"، والتي غالباً ما تكون مصنوعة من الصوف الخالص، ويُضاف إليها الأغطية والوسائد.

منذ ما يُقارب الستين عاماً، والمطوى ثابت في مكانه، بل وتزداد مقتنياته عاماً بعد عام في منزل الحاجة أم ماهر (82 عاماً)، والتي تحرص على نظافة الفرشات، وتغسل أغطيتها ما بين الحين والآخر، لتبقى أقمشتها الملونة جميلة براقة، خاصةً وأن بعض تلك الأقمشة يزيد عمرها عن السبعين عاماً، ولم يدفعها التقدم وتغيير أثاث البيت إلى أن تتخلص من المطوى والذي أخذ حيزا كبيرا في غرفة الجلوس.

أم ماهر لا تعتبر أن وجود المطوى عائق في المنزل، كما يعتبره الأبناء، باعتبار أن "الفرشات" لم تعد مجدية ولا أحد يستخدمها للنوم، وأن غالبية تلك المقتنيات لم تُستخدم منذ عقود. فالأم تؤكد أنها لن تتخلى عنها، حيث تحتفظ فيها للضيوف وجزء من إرث ورثته عن أجدادها.

وتتحدث أم وائل عبدالله بكل حنين وحب عن هذا المطوى الخشبي، ففيه الكثير من ذكريات الصِبا، فمن بين المقنيات هناك مجموعة من البُسط التراثية التي كانت ضمن "جهاز العرس" من والدتها، وجميعها صنعت يدوياً، من خلال تعاون والدتها وقريباتها آنذاك، لذا، فإن القيمة المعنوية لديها تضاهي القيمة المادية، وليس لديها نية للتفريط بأي قطعة حتى وإن انتقلت إلى بيت جديد.

الخبير والكاتب في التراث الأردني الدكتور نايف النوايسة يتحدث عن هذا الجزء الرئيس في منزل الأبناء والأجداد منذ عقود، وما يزال الكثيرون يحتفظون به وله أكثر من مسمى في تراثنا الأردني، إذ يطلق عليه البعض ب "الوهد"، أو "المنهض"، بالإضافة إلى المطوى، الاسم الأكثر تداولاً في الأردن.

ويقول النوايسة إنه وفي القِدم كان المطوى المكان الذي توضع عليه المرتبات والوسائد، والأغطية، وكان يدون للمرأة في عقد الزواج ما يُعادل "قنطار صوف طبيعي من أجود أنواع الصوف"، ويُسجل في العقد الشرعي، وأن يتم اختيار الصوف من أغنام شخص معروف، وفي ذلك اهتمام بقدر مهر العروس.

بعد ذلك، يوضح النوايسة أن سيدات الحي والأقارب يجتمعن لتنظيف الصوف ومن ثم تنقيحه وغسله أكثر من مرة، ومن ثم عمل مجموعة كبيرة من المرتبات "الفرشات" والأغطية والوسائد، ويتم وضع أفضل أنواع القماش عليها، وكلما كان عدد الموجودات أكثر كلما اعتبر أهل العروس أن ذلك من زيادة قدرها ومهرها.

ولوضعها في المنزل، يتم تخصيص ركن كبير وبارز لها ثم ترتيبها بشكل منسق وتغطيتها بنوع قماش زاهي، يزيد من جمالية المقتنيات التي تتباهى بها العروس، لذلك يتم رفعها عن الأرض ووضعها على "المطوى" حتى وإن كان المنزل صغيرا أو حتى من بيوت الشعر آنذاك.

"بُسط ملونة جميلة، فرشات لا يقل عددها عن عشر.. وسائد مرّ عليها عشرات السنين، وبعض من الأقشمة المزينة" هي مقتنيات والدة سعاد أحمد، التي ما زالت تحتفظ بها الأم في غرفتها الخاصة، حتى بعد أن تم تجديد البيت الذي تعيش فيه الوالدة، ولكنها شددت على أن يبقى المطوى كما هو بما عليه من فِراش.

وتقول سعاد إن المطوى بتفاصيله له ذكريات جميلة في المنزل، خاصة أن غالبية ما عليه لم يتم استخدامها مطلقاً بل كانت للضيوف، وهو أمر متعارف عليه لدى الجميع، وكانت والدتها ما بين الحين والآخر تحتفظ ببعض النقود أو الأغراض الصغيرة ما بين "الفرشات" لذلك من كان يحتاج لبعض من القطع النقدية المعدنية يمد يده بين الفرشات ليجدها وقد تكون منسية في بعض الوقت.

ومن ضمن هذه المقتنيات كذلك، كما تقول سعاد، مجموعة من الملابس القديمة التي كانت ضمن جهاز العروس لوالدتها، ولكونها الآن لا تناسب الأم، قامت بوضعها ما بين "الفرشات" لتحافظ على ديموتها وتحميها من التلف، وتبقى دائماً أمام عينيها في مطواها الذي زاد عمره الآن على خمسين عاماً، ولكنه ما زال حاضراً كما هو دون تجديد أو تحديث سواء لخسب المطوى أو "الفرشات".

المطوى، كما يصفه النوايسة هو عبارة عن صندوق مفتوح من الأمام ويُصنع غالباً من الخشب، وكان قديماً من قطعتين يتم رفعهما عن الأرض، ويتم تعديل وتجهيز الحائط الذي سيتم إسناد المقتنيات عليه، وكانت الفتيات في السابق لا تتنازل عن وجود ما يقارب 6 إلى 5 فرشات في المطوى، وينضم لها فيما بعد البُسط التراثية والأقمشة وكل ما يمكن وضعه عليها.

وكانت هناك مجموعة من النجارين المشهورين في صناعة تلك المطاوي، ويتفننون فيها بحسب طلب الزبون، فيما كان بعضهم يطلبونها تقليدية، وبرفوف قليلة من الخشب تكفي لوضع ما تم إنجازه من الصوف، خاصة وأن الفرشات والمقتنيات كلما زاد عددها احتاجت إلى مطوى أكبر، وهذا دليل على "وجاهة أهل البيت".

ومن زيادة الاهتمام بالمطوى وتبعاته، تهتم السيدة بشكل كبير بنوع القماش الذي سيتم وضعه عليها، وبعض العائلات أثناء إرسال أثاث العروس إلى منزلها الجديد يقومون بحمله وإرساله مشياً على الاقدام أو من خلال ما يسمى "فاردة أو زفة"، لتتباهى العروس بمهرها وجهاز البيت الذي يتم نقله من بيت أهلها، لذلك كان وضعه على المطوى أمرا مهما للغاية ويُعتنى به، على حد تعبير النوايسة.

كما بين النوايسة أن هناك أهدافا أخرى للمطوى وهو الحماية من الحشرات الزاحفة، وخاصة في بيوت الشعر والبيوت الريفية، بالإضافة إلى حمايتها من الرطوبة ومياه الأمطار، فيبقى المطوى حاميا لتلك المقتنيات، ويتم وضع ملابس للأسرة في رفوفه إن سمح المكان لذلك، ومنهم من يعتبره مكانا لتخزين مونة المنزل أو المقتنيات الثمينة لربة المنزل.

ويرى النوايسة أن تشديد الكثير من السيدات على الاحتفاظ بالمطوى إلى الآن أنه صورة من صور المحافظة على إرث الأهل "الوالدين تحديداً"، إذ إن منهم من نقل مطوى والدته إلى منزله ووضعه في مكان بارز كذلك في منزله "المُحدث"، بل ويتفاخر بعضهم بهذا الإرث، حتى أن هنالك من يعتبره "زينة في المنزل" ويتعمد آخرون إلى صناعة مطوى فاخر وبخشب مميز وأشكال منحوتة بدقة ليوضع عليه "إرث الوالدين ومهر الأم ورائحة الماضي الجميل".