ملاك من متلازمة داون تبدع بسوق العمل وأملها إكمال دراستها الجامعية

ربى الرياحي

عمان - بعينين يملؤههما التحدي والإصرار، تنظر الشابة ملاك الخطيب ابنة الـ25 عاما إلى حياة أفضل فيها الكثير من الطموح والنجاح والتميز، هي بشغفها الكبير تقبل على واقعها وكلها ثقة بأنها ستصل إلى حلمها يوما ما.
ملاك، كفتاة من متلازمة داون، لا تشعر بالنقص أبدا، بل على العكس ترى في نفسها شخصية مختلفة تؤمن بقدراتها قوية لا تعبأ بالصعوبات. دخولها سوق العمل لم يكن عبثيا أو نوعا من الشفقة، بل كان فرصة استحقتها وعن جدارة لكونها شخصية مجتهدة محبة للإنجاز لا تقبل بأن تستسلم للعثرات نهائيا. الحلم الأكبر لملاك وليس الوحيد هو الحصول على شهادة جامعية، هذا ما تطمح إليه وتسعى إلى تحقيقه مقررة التغلب على كل العوائق التي من شأنها أن تحبط عزيمتها. هي اليوم تعمل في فندق "لاند مارك"، تجاهد من أجل أن تصنع بصمتها الخاصة وتكون أكثر استقلالية.
"بداية كان الخبر صادما وغريبا بالنسبة لنا كأسرة"، تقول والدة ملاك إيمان بدار، لذلك كان لا بد لنا من وقت لاستيعاب الموضوع وتقبله، موضحة أن احتضانهم لملاك وتعاونهم لحمايتها وراحتها والتعامل معها على أنها طفلة عادية كغيرها بعد ذلك كلها أشياء مهمة رسمت طريقها وكانت بمثابة البوصلة لحياتها.
صحيح لم يكن الأمر هينا، كما تقول الأم لقلة الوعي بتلك الحالات، إضافة إلى انعدام التوجيه، لكن حاجة ابنتها للرعاية والاهتمام جعلتها تلقي كل قلقها ومخاوفها خلفها، مقررة أن تكون الداعم الأول لابنتها.
لا تنكر أنها بداية شعرت بالضياع، والسبب جهلها بهذا المرض، فهي كأم لم تكن تدرك ما المطلوب منها، وكيف يمكنها أن تكون لابنتها طوق نجاة ينقذها من التخبط، مشيرة إلى أنها لجأت للقراءة كثيرا لتتمكن من فهم المرض والتعرف على طرق وأساليب تساعدها على تزويد ابنتها بكل الخبرات الضرورية.
وكان هذا الاهتمام اللافت بها منذ سنوات عمرها الأولى مهما جدا، إذ جعلها أقوى وزاد من إيمانها بنفسها مستغلة ما تتمتع به من ذكاء لتكون قادرة على تحدي ذاتها أولا ومن ثم تحدي كل الذين قد يراهنون على فشلها.
ملاك التحقت بصفوف صعوبات التعلم في دولة الكويت، وهناك استطاعت أن تتفوق وتكون طالبة مجتهدة تطمح إلى الأفضل دائما. تعلمت القراءة والكتابة، لكنها لم تتوقف عند هذا الحد، بل أصرت على أن تنهل من العلوم المختلفة، إضافة إلى التركيز على تعلم اللغة الإنجليزية والتمكن منها جيدا.
وتبين والدة ملاك أن حب ابنتها للعلم ورغبتها في أن تكمل دراستها كغيرها واستعدادهم كعائلة لدعمها والوقوف إلى جانبها، هي كلها أمور تحرضها على أن تتمسك بحلمها أكثر، فهي لا تريد أن تكتفي بما هي عليه اليوم، بل تسعى بكل طاقتها لتطور من إمكاناتها وتكون في موقع أفضل يرضي تطلعاتها.

اضافة اعلان


طموحها، كما تقول والدتها، ليس له حدود، لذلك استحقت ملاك وعن جدارة وتميز أن تحصل على شهادة الدبلوم الأميركي، وهذا ما يدفعها اليوم لأن تلحق حلمها وكلها شغف بأن تحصل على الشهادة الجامعية.
وعن عملها في فندق "لاند مارك"، تقول الأم إنه بعد عودتهم من الكويت لم تجد ملاك ما تفعله رغم أنها حاولت كثيرا أن تبحث معها عن موهبة تشغلها وتملأ فراغها من خلال بعض الأنشطة التي كانت تشارك فيها، لكن ذلك لم يحدث فهي تريد أن تكون شخصية مميزة ومنتجة لها إنجازاتها وبصمتها.
اضطرار ملاك للبقاء في البيت فترة من الوقت لم يكن لمصلحتها لكونها إنسانة مليئة بالحياة وشغوفة، تحب أن تكون على قدر أحلامها، لذلك تمكنت من أن تنتزع فرصتها في العمل. الأم، دفعها خوفها على ابنتها من أن تصاب بالاكتئاب، لأن تعلق بأي أمل حتى لو كان ضعيفا، متوجهة بالشكر الكبير لجمعية "سنا" التي تسعى جاهدة لاحتواء هؤلاء الأبناء ودمجهم اجتماعيا ومهنيا، محاولة بذلك كسر النظرة النمطية تجاه هذه الفئة وتقديم يد العون لهم فقط بناء على قدراتهم وعلى روح التحدي التي يتسمون بها.
كما تخص بالشكر أيضا إدارة الفندق التي منحت ابنتها الفرصة وآمنت بها كإنسان له حقوق وعليه واجبات. تقول "هذا التعاون بين جميع الأطراف كفيل بأن يصنع من هذه الفئة نماذج ناجحة نفخر بها قادرة على إعالة نفسها".
أما عن الصفات التي تتميز بها ملاك، فهي شخصية محبوبة اجتماعية تحظى بالقبول دائما، منظمة ودقيقة في عملها ومخلصة إلى أقصى حد، ذاكرتها قوية جدا تهتم بحفظ التواريخ وأيضا تحرص على التوفير من راتبها لتستطيع أن تجمع ثمن أقساط الجامعة.
وتبين الأم أنه يمكن لابنتها الالتحاق بجامعات الكويت، وذلك لأنها تسمح باستقبال الأشخاص ممن لديهم صعوبات تعلم مع تهيئة كل الظروف المناسبة لهم، آملة بأن تطبق هذه الفكرة في جامعات الأردن لأهميتها ولكون التعليم حقا للجميع.
وتتساءل الأم "لماذا تحرم ابنتي من أن يكون لها تأمين صحي؟"، مستهجنة سبب الرفض الذي يعود لكونها من متلازمة داون، لافتة الى أهمية إعطاء اهتمام أكبر بهذه الفئة مع إعطائها الأولوية في العيادات والمستشفيات.
ملاك اليوم وبعد مرور 3 سنوات تقريبا على تشغيلها، استطاعت أن تثبت نفسها وتكون على قدر المسؤولية، وذلك بشهادة الجميع، هي تصر على حياكة أحلامها بالأمل والعزيمة رافضة أن تهزمها العقبات أو تحد من تقدمها.