هل المبالغة في المسامحة ضريبة يدفع ثمنها "الطيبون"؟

87
87
ربى الرياحي عمان- “الطيبة”؛ تلك الصفة التي لطالما يراها أشخاص “كنزا” إن توفرت في علاقتهم الاجتماعية، فتواجد هذه السمة في محيط العائلة أو الأصدقاء، وحتى في زملاء العمل، تعد مكسبا وأمرا إيجابيا، غير أن هنالك من يستغل وجودها، ليبالغ في اقتراف الأخطاء وتكرارها، وعلى قاعدة “ما هو طيب وبتحمل”. فرص كثيرة وتجاوز عن الزلات وتنازلات مستمرة من أجل إبقاء الود؛ كلها تفاصيل يقف خلفها الأشخاص الطيبون حينما يتأذون من أقرب الناس إليهم، ويدفعون ثمن ذلك. تعرض الثلاثينية أمنية حسين لخيبات متكررة من صديقتها، جعلها تكتشف أن المبالغة في التسامح “خطأ كبير” يمنح الطرف الآخر حق التهاون في المشاعر والأحاسيس، وكأنه ضمن الغفران على أخطائه وفي كل الحالات. هي بدأت تفهم أخيرا أن الناس ليسوا سواسية في مشاعرهم تجاهها وأيضا ليس جميعهم أنقياء يحملون نفس طيبتها، فمرارة الخذلان رغم قسوتها إلا أنها تمنح القوة داخليا وتعلم عدم الثقة لحد السذاجة، فالكل قابل للتغيير مهما كان عزيزا، لهذا السبب يجب أن تتوقع كل شيء ومن الجميع. وتشير إلى أن التعود على الغفران دائما قد يسلب الشخص الطيب حقه في الرد على من يسيء له ووضع حد لاستهتاره وأخطائه المتكررة، فالتجاوز المستمر بدافع الطيبة ومن دون اتخاذ أي موقف قد يكون سببا في استضعاف الشخص فقط لمجرد أنه طيب ومتسامح لأقصى حد. وتؤكد أمنية أن الفرص ليست أبدية وأن الود حتى وإن كان حقيقيا لا يهدم، لكن تكرار الأخطاء كافٍ لأن يبني الحواجز ويلغي الضمانات. من غير المنطق أن يكافأ الإنسان على طيبته بالإيذاء والخذلان، صفعات ليس لها أي مبرر يتعرض لها الشخص فقط لأنه أفرط في التسامح والتغاضي عن أمور لا تقبل ربما الصفح والتنازل. هناك أشخاص في الحياة يسيئون في فهم الطيبة بل في بعض الأحيان قد يجيزون لأنفسهم استغلال أصحابها، معتبرين التجاوز المستمر عن زلاتهم حقا من حقوقهم، غير مكترثين بمشاعر الشخص الطيب والأسباب التي تدفعه دائما لمسامحتهم والإبقاء عليه. كثيرة هي المرات التي يقابل فيها الطيبون الإساءة بالود، يعتذرون عن أخطاء لم يقترفوها للاحتفاظ بمن يحبون، حتى أنهم غالبا ما يلومون أنفسهم على كلام لم يكن مؤذيا بقدر ما كان حقيقيا يحاسبونها بقسوة وأيضا يفضلون ترك الكثير من المواضيع معلقة في العتمة لأنهم يعتقدون أن مجرد التفكير بفتحها أمر في غاية المخاطرة لكون ذلك قد يؤذي الآخر، لكن مع كل ذلك وإذا قرروا أن يكونوا أكثر اتزانا في طيبتهم يجدون هناك من يلومهم ويتهمهم بالتغيير. أما الأربعينية آلاء الصالح فتستنكر على أولئك الذين يلومون الطيب، حتى أنهم قد يشعرون بأنه خذلهم لكونه توقف عن منح الفرص لهم، يرفضون التفكير بأسباب تغير هذا الشخص مكتفين فقط بالنتيجة. وعن تجربة ما بعد انفصالها عن زوجها، تبين أنها واجهت الكثير من الاتهامات رغم صبرها الطويل عليه ومحاولتها إصلاح العلاقة بينهما، لافتة إلى أن مواقف كثيرة حصلت تجاوزتها مجبرة للحفاظ على بيتها. هي ضحت وقدمت التنازلات على أمل أن يعود زوجها إلى صوابه ويقدر كل ما تفعله من أجله، لكن ذلك لم يحدث فكان خيارها الوحيد أن تغادره دون رجعة. وتبين آلاء أن قرارها هذا جاء بعد سلسلة من الخيبات والصدمات التي لم يكن أحد شاهدا عليها غيرها، إذ إنها تحولت إلى شخصية حذرة جدا لا تثق بسهولة، فالذي يده بالنار ليس كالذي يده بالماء وأن من يتجرع العلقم ليس كمن يسكبه، كما تقول. الاختصاصي التربوي والأسري الدكتور عايش نوايسة، يبين أن على الإنسان أن يتعلم منذ الصغر كيف يواجه الحياة ويكون شخصا واثقا من نفسه يعرف جيدا كيف يتعامل مع محيطه ضمن القيم والأخلاق ووفقا للمعايير الاجتماعية، بحيث يساعده ذلك كله على حماية نفسه ووضع حدود للآخرين حتى لا يتحول إلى شخصية هشة ضعيفة. وبحسب رأي نوايسة، فإن من الضروري على الجميع التفرقة بين الاحترام والضعف وبين الطيبة والسذاجة، وأيضا مهم جدا تقدير الفرص التي تمنح للحفاظ على الود والعلاقات سليمة من أي خذلان أو أذى. وينوه إلى أن الحياة فيها الكثير من المواقف الصعبة والصدمات، لذا لا بد من تهيئة الشخص لمواجهتها حتى يستطيع أن يتخذ القرار الصحيح في وقته. ويلفت إلى أن الطيبة كصفة لا تعني أبدا المبالغة في تقديم التنازلات والإساءة للذات. ويؤكد نوايسة أن الإنسان مهما كان متسامحا وطيبا ومحبا لا يعني ذلك أن يأتي على كرامته ويؤذي نفسه بالسكوت على تصرفات تنتقص منه وتظهره في موقف الضعيف المستباح من قبل الآخرين، وخاصة أولئك الذين ينظرون إلى الطيبة على أنها سذاجة مستخفين بكل الفرص التي تقدم لهم، بل وأكثر من ذلك قد يرونها “تحصيل حاصل” وهذا بالطبع خطأ كبير يدفع ضريبته الطيبون. ويقول الاختصاصي النفسي الدكتور علي الغزو، أن الأشخاص الطيبين يتمتعون بدرجة عالية من الأخلاق والقيم ولديهم وازع ديني قوي ينعكس بوضوح في علاقاتهم سواء على مستوى العمل أو الأسرة أو المجتمع ككل. هذه الفئة تحديدا، وفق رأي الغزو، تكاد تكون قليلة جدا والتعامل معها يكون بأريحية، وهي موضع ثقة بالنسبة لمن حولهم، فمن المهم أن يكون الإنسان مرنا ودبلوماسيا يحظى بالاحترام والتقدير لكن من دون أن يبالغ في طيبته. وينصح الغزو الأشخاص الطيبين على وجه الخصوص بإخفاء نقاط ضعفهم الموجودة في شخصياتهم حتى لا يتم استغلالهم وحتى يتمكنوا من معرفة طبيعة الأشخاص هناك، وكذلك على صعيد المجتمع أيضا، يرى الغزو أن العلاقات في بدايتها يجب أن تبنى على أخذ حق وتقديم واجب. فالتوازن يمكن الشخص من أن يقدم نفسه بطريقة مناسبة، فهو ليس مضطرا لأن يظهر الصورة المثالية في شخصيته أو حتى الجانب السيئ منها، هذا كله يحميه من أن يستهلك نفسيا ويتعب أعصابه، إضافة إلى أنه يجنبه الاتهامات غير المبررة التي تشعره بأنه مقصر أو سيئ. اقرأ المزيد: اضافة اعلان