هل انتهى نتنياهو سياسياً هذه المرة؟

نتنياهو يعيش مأزقاً كبيراً في الوقت الراهن، لكنه وبطبعه المراوغ يأمل بتحويله إلى مكسب، مثلما فعل مرات عديدة خلال سنوات حياته السياسية الطويلة التي أطالها بخبث ودهاء الثعالب. لكن بالطبع، فإن لكل شيء مهما طال نهاية.

اضافة اعلان

الحلفاء الذين يحتاجهم من اليمين ليتمكن من تشكيل حكومة مثل افيغدور ليبرمان، يتهمون نتيانياهو دائماً بالضعف أمام المقاومة في غزة، وعدم القدرة على المواجهة بطريقة تحل المشكلة بشكل جذري بحيث يجني تهدئة لفترة طويلة نسبياً بشكل متوازن في نفس الوقت مع حفظ قدرة الردع.

ترافقت مشكلة الشيخ جراح مع التصعيد بالإقصى ومفاجأة سيئة للغاية، متمثلة بوابل من الصواريخ من غزة. هو من ناحية يريد وقف صواريخ، خصوصاً بعد ما فوجئ بحجم القوة النيرانية ومداها وأضرارها البالغة، في نفس الوقت لتجنب الفاتورة الإقتصادية الباهظة لحرب شاملة في هذا التوقيت، وبعد موجات متتالية من الكورونا أنهكت إقتصاد الكيان.

إذن هو بين ضرورة إنهاء الحرب بأقل التكاليف الممكنة، لكن بشرط أن تنهي ذلك الإعصار المفاجئ والذي كاد أن يقتلع الكيان من جذوره بانتصار إعلامي وسياسي هو بأمس الحاجة اليه ربما قبيل إنتخابات مقبلة، فهو بحاجة لدفعة قوية تمكنه من الحصول على ما يلزم من أجل تشكيل حكومة.

ترك الفصائل الفلسطينية بالقدرات التي أظهرتها، والتي مازالت تخفي ربما أكثر مما ظهر بحسب الخبراء يعني نهاية نيتانياهو سياسياً. وإبقاء معادلة الردع الحالية تعني ربما خسارة شبه مؤكدة للانتخابات القادمة، والخروج من الباب الصغير للعمل السياسي ومواجهة مصيره في المحكمة التي تنظر منذ سنوات في قضايا الفساد الغارق بها هو وعائلته حتى أذنيه.

عامل معين وهو ذو حدين برز أيضاً بشكل مفاجئ عندما أنفجر الشارع العربي داخل الخط الأخضر في المدن العربية والمختلطة، وانهيار أسطورة الاسرلة والتعايش بسلام. على كلٍ هذا العامل بالتحديد، ربما يشكل وإن هز صورة دولة الإحتلال أمام العالم من جهة، كما أنه يشكل قنبلة موقوتة للجبهة الداخلية والمخاوف بأن تنتقل العدوى إلى مناطق السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية من ناحية أخرى.

إلا أن موضوع عرب الداخل ربما من أكثر العوامل التي يمكن أن يستخدمها نتيانياهو في صالحه لحشد حلفائه من أقصى اليمين، عبر تغذية شعبوية إستناداً على أن الأحداث الجارية تعتبر موحدة أكثر للشارع السياسي وخصوصاً اليمين المتطرف، بسبب التهديد المباشر ليهودية الدولة من الداخل، والذي عادةً يكون من أكثر العوامل التي قد تؤدي إلى وأد الخلافات حتى لو بشكل مؤقت، وبالتالي تدفع بإتجاه تشكيل حكومة وحدة بقيادة نتانياهو.

باختصار، فإن نهاية الإعصار الذي ضرب دولة الإحتلال مرهون بتحقيق إنتصار معنوي كبير لدرجة تمنح صورة نتانياهو زخماً كافي لشفاء صدور اليمين المتعطش للدماء العربية ولكسر شوكة غزة. مع الأخذ بالاعتبار ضرورة عدم الإنجرار وراء حرب مطولة غير مضمونة النتائج من ناحية، بالإضافة على عدم التعويل بشكل كافي على حماس الإدارة الأمريكية لسيناريو مثل هذا في الوقت الحالي على الأقل.

إذن نتانياهو الآن كمن يراقب مؤشرات المعركة في غزة باحثاً عن نصر كبير سريع ومؤثر، وعينه الأخرى على جبهته الداخلية وحلفاءه المستقبلين.

ففي اللحظة التي ستتاح له الفرصة لقنص إنتصار كبير وتجميع العدد الكافي من حلفاء سيتوقف على الفور. وهنا، تكمن خطورة رهانه، أولاً بسب تدهور الأوضاع في القدس، بالإضافة إلى عدم القدرة على التنبؤ بما تبقى من قدرات الكامنة عند الفصائل الفلسطينية.

فهو كمن يمشي على رمال متحركة، على إعتبار بأن أي مفاجأة سيئة أخرى تخبئها له جبهة غزة مثل إختطاف جنود، ربما تكلفه ما تبقى من مستقبله السياسي.

وعليه، فإنه الآن يلتف كالأفعى حول غزة في حالة تأهب لإقتناص فريسة ثقيلة مثل إغتيال رأس كبير أو إرهاق الفصائل لدرجة تقبل بتهدئة مطولة بشروطه هو هذه المرة.

إذن هو أمام سيناريو حياة أو موت على صعيد مستقبله السياسي، وفرصه تبدو متباينة بشكل كبير، لكن على الأرجح فإن هذا المستقبل لم يعد يبدو طويلاً هذه المرة على الإطلاق.

@malzawawi