هل يؤثر إدمان مقاطع "الريلز" في تلقي المعلومة وتقليص "حجم الذاكرة"؟

تغريد السعايدة في لحظة، يعتقد الشخص عند مشاهدة إحدى مقاطع الفيديو القصيرة المنتشرة عبر مواقع التواصل الاجتماعي أن دقائق أو حتى ثوان قصيرة سيقضيها لحين انتهائه من المشاهدة، ليتفاجأ بمرور ساعة أو أكثر يدخل خلالها لمتاهات مقاطع فيديو والتي تُسمى بـ “الريلز”. “الريلز” باتت الآن محور الحديث، لكونها قصيرة وجانية للأرباح لمن يقدمونها، فهي تحمل الكثير من المضامين السريعة وبوقت قصير، وهي ميزة أصبحت غالبية المواقع تقدمها، وأشهرها “التيك توك”، ليجد المتابع نفسه في تلك المقاطع وقد وقع في فخ “استنزاف الوقت” من دون وعي، وهو ما أثبتته دراسات نفسية متعلقة بالعالم الرقمي مؤخراً. وعبر رسالة على الواتساب، مضمونها مقطع ريلز قصير لا يجاوز الدقيقة من تطبيق “تيك توك”، لم تتوقع يقين السعد أن تجلس ما لا يقل عن 40 دقيقة متتالية وهي تتابع مقاطع قصيرة، لتكتشف انها لم تستطع الخروج من دوامة تلك المقاطع المسلية ومختلفة المضامين. وتقول يقين إنها منذ فترة طويلة تتابع مقاطع الفيديو “الريلز” على غالبية تطبيقات مواقع التواصل، ومن أبرزها الإنستغرام، التيك تيك، ومؤخراً الفيسبوك، الذي أدخل خاصية الريلز ليستفيد منها متابعي الفيسبوك، وتعددت الخيارات ليقين لتشاهد الكثير من المقاطع المسلية في غالبيتها. ولا تنكر يقين أن كثيرا من تلك المقاطع هي ليست ذات مضمون “نافع” وإنما في معظمها للتسلية والترفيه فقط، ولكن اللافت أن تلك المقاطع لها ملايين المتابعين من مختلف دول العالم، ومن مختلف الأعمار، ولكن تحاول أحياناً أن تتجنب مشاهدة مقاطع لا تناسب المجتمع الذي “نعيش فيه” على حد تعبيرها. وفي دراسة علمية جديدة تحدث الباحثون فيما يتعلق بظاهرة “الإشباع الفوري” أو”Instant gratification”، وهو مصطلح يحيل إلى الإغراء والميل إلى التخلي عن فعل ذي فائدة لكن بعيدة المدى، والتركيز بدل ذلك على فعل يقدم مكافأة فورية للنفس لتتلاشى بعد ذلك، وهو بالفعل ما يحدث خلال مشاهدة الشخص لمقاطع الريلز، والتنقل بينها بسهولة. ووفق العلماء القائمين على هذه الدراسات، فإن الإشباع الفوري للنفس من خلال الفائدة السريعة، مرتبط بما يُسمى بخاصية من خواص العقل البشري والتي يطلق عليها “ظاهرة عقل القرد The monkey mind phenomenon”، وذلك يعني التشبيه لحالة إدمان التشتت الذي أصبح سمة في عالم التواصل الاجتماعي، وذلك من خلال التنقل بينها بسرعة، وهو ما يشبه “تنقل القرد من شجرة إلى أخرى، بحثا عن المتعة المحصورة عنده في الموز، في حين نجد متعة الإنسان متمثلة أساسا في قتل وقت الفراغ والضجر، بأقل مجهود عقلي ممكن”، ومن هنا أطلق العلماء هذه الصفة على مدمني مقاطع الفيديو القصيرة أو “الريلز”. فيسبوك على سبيل المثال، تعتبر أن “ميزة ريلز من فيسبوك، هي طريقة جديدة لإنشاء مقاطع فيديو قصيرة وممتعة، وتعزيز فرص اكتشافك من قبل الجماهير الجديدة، وتصبح جزءا من المناسبات على فيسبوك، ويتيح للشخص تحويل أفكاره إلى حقائق ومشاركتها مع الجمهور. وتبين الدراسة كذلك أن “الإشباع الفوري يؤثر على حياتنا بطريقة سلبية تجعل الفرد يعتاد على تحقيق رغبات في اللحظة التي يريدها، وإن كانت النتيجة لحظية وهذا الإشباع الفوري وخلق المتعة بأقل مجهود ممكن”. الخبير والاختصاصي التربوي الدكتور عايش النوايسة يرى أن هذه المستحدثات عبر السوشال ميديا قد تكون غير محببة وغير مرغوبة، بل وان منها الضار غير النافع لمن يشاهده، ولكن في المقابل نرى أن عدد المشاهدات والمتابعات لها كبير جداً، فيما يتعلق بأشياء غير ذات معنى وجدوى. ووفق ما يقوله، هذا يتعلق كذلك بعملية توجه إعلامي كبير اتجاه هذه الأجيال، ولكن المفارقة كذلك أنها تأتي بطريقة سلبية وهذا له انعكاساته على الأفراد من مختلف الأعمار، كون الفئة المستهدفة هي فئة الشباب واليافعين، الذين يعتبرون سريعي التأثر والتعلق والتقليد لما يتم مشاهدته من مقاطع قصيرة تحمل مضامين مختلفة. ويرى كثير من الأهل أنها لا تحمل أي فائدة تنموية للابناء، سوى أنها تأخذ من وقتهم ساعات طويلة. اختصاصية علم النفس والنمو الاستشارية الأسرية الدكتورة خولة السعايدة ترى أننا في عالم السرعة بات الكثيرون يقدمون كل شيء بشكل سريع، وهذا جعل الناس تستمتع بالمقاطع القصيرة وتشعر بالملل من الطويلة منها، عدا عن أن الفكرة تصل بسرعة في حال كان المقطع قصيرا، وقد يعتبر هذا من إيجابيات “الريلز”. وتضيف السعايدة، من الناحية الأخرى نجد ملايين المقاطع القصيرة غير النافعة وغير المقبولة، قد يجد الشباب فيها نوعا من الترفيه والتسلية فقط، وسلبيتها أنها تعود الشخص على تلقي المعلومة السريعة، وعدم القدرة على متابعة المقاطع الطويلة، وهذا يؤثر على ذاكرتهم وقدرتهم على الاستيعاب، وعدم القدرة على الحفظ كذلك، وكأن الذاكرة أصبحت تُختزل وتقل مساحتها في عقل الإنسان، لان الذاكرة تبرمجت على المعلومة القصيرة. كما أن هناك تأثيرا بعدم قدرة الشخص على المثابرة ومتابعة معلومة طويلة كما في الحصة الصفية أو المحاضرة، كما تبين السعايدة، والاحساس بالملل سريعاً، وتأثر القدرات المعرفية والنفسية في ذات الوقت. كما أن المدمن على تلك المقاطع قد يجد صعوبة في تلقي المعلومة من مقطع طويل، أو بطريقة مختلفة. ويضيف النوايسة أنه فيما يتعلق بالفيديوهات الهادفة وذات محتوى نرى مشاهداتها قليلة، والسبب ان التوجهات الموجودة لدى الشباب والمتابعين هي توجهات تربطهم وتشدهم إلى ما هو للتسلية الآنية ومنهم من يجلس ساعات في متابعة تلك المقاطع أو “البث المباشر” لبعض هؤلاء الأشخاص من “مشاهير السوشال ميديا” الذين يقدمون ذلك المحتوى غير المفيد. ووفق النوايسة، فإن هذه الأمور التي يتم تقديمها بهدف التسلية والتي قد تتجاوز ما هو مقبول اجتماعياً وتروبوياً أحياناً، وظاهرة خطيرة مؤثرة على الشباب. لذلك، من الأهمية بمكان أن تكون هناك توجهات تربوية وتوعوية اتجاه هذا الأمر، الذي يستنزف الوقت لكل من يتابع تلك المقاطع على اختلافها، ومهما كان مضمونها، وذلك من خلال تضمين عمليات التوجيه والإرشاد في المدارس والمراكز الشبابية محاضرات توعوية موجهة لهم، للاستفادة من المحتويات المتعلقة بـ”إدارة الفهم” للفيديوهات القصيرة، كما في المقاطع التي تحمل مضمونا مناسبا من معلومات ثقافية معرفية تعليمية، وأن يُستفاد من تلك المقاطع من خلال ما يسمى بـ”التعلم الرقمي”. وتنوه السعايدة إلى “اننا كأولياء أمور ومعلمين ومربين يجب أن نتنبه إلى ضرورة عمل دراسات بحثية ونفسية، وليس ان تكون فقط مجرد ملاحظات، وأن تصل تلك الدراسات إلى معلومات حول تأثير ذلك على الأطفال والشباب وحتى كبار السن، كما هنالك حاجة إلى إعادة النظر في طرق توجيه المعلومة، وفترة الحصص المدرسية، على سبيل المثال، او من خلال الأون لاين، وطريقة تقديم المعلومة لهم ضمن متطلبات العصر التي يتلقى فيها الطفل المعلومة”. اقرأ أيضاً:  اضافة اعلان