بيت شبلي: أول بيت في جبل الجوفة يعبق بالفن "فيديو"

جانب من بيت شبلي بشارات-(تصوير: محمد مغايضة)
جانب من بيت شبلي بشارات-(تصوير: محمد مغايضة)

غيداء حمودة

عمان- هو أول بيت بُني في جبل الجوفة، يعبق بالقدامة والفن ويطل على جبل القلعة من سفح جبل الجوفة؛ أحد جبال عمان التي تزهر بحكايا أهلها. بناه شبلي بشارات في العام 1932، وظل ابنه ممدوح بشارات محافظا عليه ويسكنه حتى اليوم.
كان قرار بناء بيت خاص في جبل الجوفة قد جاء بعدما أصبحت عمان عاصمة المملكة الأردنية الهاشمية، وبحسب ابن شبلي بشارات ممدوح بشارات والمعروف بـ"الدوق"، فإن أباه اختار جبل الجوفة لقربه من قصر رغدان، بعدما سكنوا منطقة السيل وسط المدينة لفترة من الزمن.
كان شبلي بشارات أول من فتح شارع طلوع جبل الجوفة من عند مجمع رغدان، والذي يسمى اليوم شارع "الجزائر"، ويستغرب ممدوح لماذا لم يسمى الشارع باسم من فتحه "شبلي بشارات".
وشبلي بشارات كان يملك أراضي في منطقة أم الكندم في خربة البشارات شمال الأردن، ومن ثم أصبح متعهدا؛ وهو من فتح الطريق بين حيفا وبغداد، وأنشأ شركة تجارية خاصة به مع شقيقه واصف بشارات.
ويبين ممدوح أنه لم تكن هناك آليات لنقل الحجارة والرمل اللازمين للبناء في ذلك الوقت. فكان والده قد جلب جزءا من الحجارة من فلسطين، وقاموا باستخراج الحجر أيضا من منطقة جبل الجوفة. أما الرمل، فقد تم نقله من منطقة السيل على الجمال.
أما البلاط، فقد تم جلب حرفيين من الشام وفتح لهم شبلي مشغلا لصنع بلاط البيت في شارع المحطة، وتم صنعه من شبه الفسيفساء البيزنطي.
يتكون البيت من غرفة ديوان وليوان (المدخل) وغرفة الخلوة و3 غرف نوم وغرفة طعام ومطبخ ومرافق أخرى. هنالك أيضا جزء سفلي للبيت كان يستخدم كغرف لحفظ المونة. وقد قام بهندسة البيت المهندس اللبناني سبع سماحة الذي كان له مكتب في القدس.
يملأ البيت الأثاث القديم المعتق، فطقم الكنب في غرفة الديون يعود إلى حوالي العام 1940، وظل حتى اليوم مُحافظا عليه.
أما غرفة الديوان اليوم فهي أشبه بمتحف تضم العديد من الأعمال الفنية واللوحات التي جمعها ممدوح بشارات. ويستذكر ممدوح كيف لم يكن هناك اهتمام بالفن على زمن والده، فقد كانوا يعلقون السجاد العجمي بدلا من اللوحات.
اهتمام ممدوح بالفن بدأ منذ كان عمره 18 عاما، عندما كان يدرس في مصر وتفتحت أعينه وخياله على آثار وتراث وتاريخ الفراعنة.
في البيت أيضا مجموعة من قطع الآثار التي قام ممدوح بإنقاذها من أماكن عديدة في الأردن مثل ماعين وأم قيس والغور. يقول ممدوح "لا يوجد اهتمام بالآثار، ووجدت نفسي مهتما بالحفاظ عليها بدون مصالح شخصية، بل كحارس أمين عليها". ويبين أنه قام بتسجيل جميع قطع الآثار الموجودة في البيت في دائرة الآثار للحفاظ عليهم، ويقول "أنا لا أملكهم".
للبيت حديقة واسعة، تنمو فيها أشجار من عمر البيت، وهي أشجار "أردنية بيئية"، بحسب وصف ممدوح، و"لا تحتاج إلى ماء كثير"، ومن هذه الأشجار الصنوبر واللزاب والخروب والفلفل والسرو والتوت.
"لم يتغير شيء في البيت"، وفق ممدوح، الذي حول بيت عبد الرحمن باشا ماضي الذي بناه في العام 1924 في شارع فيصل وسط البلد إلى "ديوان الدوق" في العام 2001 حُبا منه للمدينة وإيمانه بأهمية الحفاظ على تراثها وهويتها، فقط أضيفت له التدفئة المركزية بطريقة غير ملموسة.
ويستذكر ممدوح بشارات ذكرياته وحياته في زمن الأربعينيات من القرن الماضي، عندما كان لا يتجاوز عدد سكان عمان الـ200 ألف شخص.
يقول ممدوح "كان المشي شيئا أساسيا من حياتنا، فلم تكن هنالك سيارات"، ويضيف "كنا نمشي لوسط البلد وكنت أمشي لمدرسة المطران وأختي كانت تمشي إلى المدرسة الأهلية للبنات في شارع الرينبو حاملة السفرطاس النحاسي".
ويستغرب ممدوح كيف "اليوم تصف السيارات على باب المدرسة مع سائق"، واصفا الوضع بأنه "شيء مضحك مبكي".
ويضيف "كنا نقطع السيل، ونمر من شارع البتراء ونحضر الأفلام في سينما البتراء".
أما في منطقة الجوفة، فيبين أنه كان يسكنها أهالي عمان، بالإضافة إلى الأمير نايف بن عبدالله الأول الذي سكن المنطقة في قصر خاص به والذي تحول اليوم إلى "بيت الشعر".
المنطقة اكتظت بالسكان عندما قدم اللاجئون الفلسطينيون في نكبة 1948 إليها؛ حيث كان أول مخيم لهم في منطقة الجوفة، بحسب ممدوح، مما دعا بعض العائلات للذهاب والسكن في أمكان أخرى مثل جبل اللويبدة، و"لم يبق كثيرون في جبل الجوفة".
لم يفكر ممدوح يوما في ترك البيت، "فالبيت بيتي وعمان عاصمتي توفر لي حياة جميلة"، ولا يرى ممدوح سببا لفصل عمان بـ"عمان غربية وأخرى شرقية"، معتبرا عمان "عاصمة متلاحمة". ويبين "أنا أعيش في وسط عمان وقلب العاصمة، كما قلبي يقع في وسط جسدي".

اضافة اعلان

[email protected]