ماذا بعد بين إيران وإسرائيل؟

Untitled-1
الصراع الإيراني - الإسرائيلي مفتوح على الاحتمالات - (المصدر)
جون بولتون - (إندبندنت عربية) 30 نيسان (أبريل) 2024

يكتب جون بولتون، مستشار الأمن القومي الأميركي السابق، عن مآلات المواجهة بين طهران وتل أبيب، ويطلق تحذيرا شديد الأهمية من الأشهر الستة المقبلة. ويرى بولتون أنه أيا يكن ما تفضله إيران، فإنه ليس بوسعها أن تتجاهل حقيقة أن أي انتصار إسرائيلي حاسم ضد "حماس" سيضعف يضعف موقف طهران الإقليمي على نحو لا يمكن إصلاحه. ويرى أنه سيتعين على إيران ووكلائها أن يتخذوا قرارهم الخاص بشأن ما إذا كان عليهم القيام بعمل عسكري كبير، أو الانتظار حتى يتم تنصيب رئيس جديد.اضافة اعلان

                           *   *   *    
انتهت في الوقت الحالي أول دفعة من الهجمات الإيرانية العلنية على الأراضي الإسرائيلية ومعها الرد الإسرائيلي الذي شكل أول هجوم علني في الداخل الإيراني. ولكن، على الرغم من كل ذلك، لا يجب أن يخيل لأحد بأن ملالي طهران قد تخلوا عن استراتيجيتهم الكبرى الرامية إلى فرض الهيمنة في كل أنحاء الشرق الأوسط وفي صفوف المسلمين، ولا أن حربهم السرية طويلة الأمد ضد إسرائيل ستهدأ وتتراجع. غير أن التركيز ينبغي أن ينصب في الوقت الحالي على جهود إسرائيل الوشيكة للقضاء على "حماس" عسكريا وسياسيا، والتصدي للمقبل من خطة معركة "حلقة النار" الإيرانية.
ما يزال من غير الواضح حتى الساعة ما إذا اعتزمت إيران أن تبادر "حماس" إلى شن استراتيجية "حلقة النار" الكاملة خلال هجومها (الهمجي) في السابع من تشرين الأول (أكتوبر) 2023، وربما سيبقى ذلك مجهولاً لبعض الوقت أيضا. ولكن، أيا تكن أهداف إيران، فقد أدى الرد الإسرائيلي القاسي إلى شل قدرات "حماس" القتالية التقليدية. وفضلا عن ذلك، بدأ سكان غزة بالتحول ضد "حماس"، وهو أمر في غاية الأهمية بالنسبة إلى إسرائيل والعالم العربي على حد سواء. لا شك أن طهران أساءت الحكم على الاستقرار السياسي الداخلي لإسرائيل والنفور العالمي من أحداث السابع من تشرين الأول (أكتوبر) 2023. لكنّ من المرجح أن المرشد الأعلى للثورة الإسلامية، خامنئي، كان يعتقد أنه يمكن ترك "حماس" لمصيرها على أي حال. ومع ذلك، يجب أن يشعر بالقلق إزاء الدمار الذي أصاب "حماس"، على الرغم من أن إيران نفسها ووكلاءها (الإرهابيين) الآخرين (الحوثيين، و"حزب الله"، والميليشيات الشيعية العراقية والسورية) لم يعانوا إلا قليلا.
في الوقت الراهن تبدو إيران غير مستعدة للمخاطرة بخسارة مزيد من هذه الاستثمارات. ومن المرجح أن الملالي يدركون فعلاً مدى الضعف السياسي الداخلي لإدارة بايدن، كما يفعل معظم الأميركيين حتماً. ومع الشك الذي يهيمن على إعادة انتخاب بايدن لولاية ثانية، قد يكون من المبرر والمنطقي أن يشعر آيات الله الإيرانيون بالقلق من احتمال أن تؤدي أي هجمات أخرى ضد إسرائيل، بصورة مباشرة أو من خلال الجماعات المتحالفة معها، إلى رد فعل أميركي قوي بينما يحاول بايدن إظهار الدعم لإسرائيل. وربما تشير النتيجة غير المتوقعة للحملة الانتخابية الأميركية، وما قد تحمله من ولاية ثانية لترامب، إلى توقف مؤقت قصير الأمد من الجانب الإيراني. كما أن انتظار سقوط حكومة بنيامين نتنياهو قد يكون بمثابة هدية لإيران. فما من زعيم إسرائيلي آخر يدرك التهديد الإيراني بمثل هذا الوضوح، أو يمتلك تصميم نتنياهو على عدم وقوع إسرائيل فريسة لما سماه سلفه أرييل شارون، "المحرقة النووية".
ولكن، أياً يكن ما تفضله إيران، فليس بوسعها أن تتجاهل أن أي نصر إسرائيلي حاسم ضد "حماس" من شأنه أن يضعف موقف طهران الإقليمي على نحو لا يمكن إصلاحه. فإسرائيل ليست حتماً لاعباً متلقياً أو يكتفي بالرد في هذا الإطار، حتى لو اتبع البيت الأبيض في عهد بايدن هذه المقاربة. في الواقع، قد تستهدف إسرائيل بعد ذلك المخزون الصاروخي الهائل الذي يملكه "حزب الله"، والتهديد شبه الوجودي الذي يشكله. وإذا كانت إسرائيل تعتقد بأن إيران تخاف بما فيه الكفاية من التدخل الأميركي المباشر، فيمكن للقدس أن تتخذ إجراءات حاسمة ضد ترسانة "حزب الله" من دون الخوف من ضربات إيرانية مضادة كبيرة.
والأهم من ذلك أن حالة عدم اليقين التي تحيط بالانتخابات الأميركية المقرر إجراؤها في الخامس من تشرين الثاني (نوفمبر) المقبل لا توحي لطهران بوجهة واضحة. وعلى الرغم من أمر ترامب باغتيال قائد فيلق القدس قاسم سليماني، كاد إيمانويل ماكرون أن يقنع ترامب في قمة مجموعة السبع في بياريتز بلقاء وزير الخارجية الإيراني آنذاك جواد ظريف. وبذلك، حتى في ظل الضعف والتردد الواضحين اللذين يهيمنان على إدارة بايدن، يمكن لملالي إيران أن يقرروا انتظار قدوم ترامب مجدداً وفهمه المحدود لمصالح الأمن القومي الأساسية لأميركا. ومن شأن رفض القيام بمبادرات عسكرية كبرى جديدة قبل الخامس من تشرين الثاني (نوفمبر) أن يجنب تعريض الحوثيين أو "حزب الله" أو الميليشيات الشيعية -وحتى إيران نفسها- لهجمات عقابية تشنها القدس أو واشنطن. 
وفي هذا السياق أيضاً، تأخذ إيران في الاعتبار اصطفافها المتزايد وتقاربها مع المحور الصيني - الروسي سريع النمو. وهو نسخة معاصرة من التحالف الصيني - السوفياتي خلال الحرب الباردة، إذ تشكل بكين الشريك الأكبر وموسكو الجهة التابعة لها. وتقوم إيران ببيع روسيا مسيرات لاستخدامها ضد أوكرانيا. وزادت الصين مشترياتها من النفط والغاز من روسيا. وتسهل إيران التهرب الروسي من العقوبات المالية الدولية. وتدرس الصين ما إذا كانت ستتخذ خطوة حاسمة ضد تايوان، ربما قبل الانتخابات الأميركية، في وقت ما تزال وجهة نظر بكين (وموسكو) بشأن الانتظار حتى حسم الانتخابات الأميركية، أو اتخاذ خطوات كبيرة قبل ذلك الوقت، غير واضحة، مع وجود نقاط إيجابية وسلبية في كلتا الحالتين. ومجرد كون هذا موضوعاً لنقاش محتدم خلال حملة انتخابية رئاسية أميركية طاحنة على المستوى الحزبي هو أمر بالغ الخطورة وغير مؤكد، وعامل تعقيد كبير بالنسبة لروسيا والصين وإيران.
في غضون ذلك، أصبح التنسيق العلني بين إيران والشركاء الآخرين في محور بكين - موسكو، مثل كوريا الشمالية، أكثر وضوحاً. وسبق لإيران وكوريا الشمالية أن تعاونتا بصورة وثيقة منذ فترة طويلة في برامج الأسلحة النووية والصواريخ الباليستية، ولكن في الخفاء لأسباب لا تخفى. ولذلك، فإن التخلي عن أي ادعاءات بشأن العلاقات بينهما يشكل علامة على زيادة الثقة لدى هاتين الدولتين المارقتين اللتين تعملان على نشر الأسلحة النووية. ومن المؤسف أن خصوم أميركا يدركون كلهم أن رغبة ترامب في عقد "صفقات كبيرة" مع أعداء بلاده يمكن أن تطغى بسهولة على أي حسابات عقلانية للمصالح الوطنية الأميركية.
سيكون السيناريو الأكثر ترجيحاً للأشهر الستة المقبلة كالتالي: الهجمات الإسرائيلية ستترك "حماس" مجرد شبكة (إرهابية) متهالكة وستزيد القدس من حملتها ضد (الإرهابيين) المشتبه فيهم في الضفة الغربية وغزة. ومن شأن التوترات على طول الحدود اللبنانية بين إسرائيل و"حزب الله" أن تتزايد. ومع اقتراب موعد الخامس من تشرين الثاني (نوفمبر)، وربما اتضاح النتيجة والصورة الشاملة، سيتعين على إيران ووكلائها أن يتخذوا قرارهم الخاص بشأن ما إذا كان عليهم القيام بعمل عسكري كبير، أو الانتظار حتى يتم تنصيب رئيس جديد. ولا يحسبن أحد أن الأشهر الستة المقبلة ستكون هادئة.
*جون بولتون John Bolton: المستشار السابق للأمن القومي الأميركي.