هل تستطيع إيران كسب حرب استنزاف اقتصادية مع إسرائيل؟

جندي إسرائيلي يفحص جزءاً من صاروخ باليستي إيراني سقط قرب مدينة عراد الجنوبية، 24 نيسان (أبريل) 2024 - (المصدر)
جندي إسرائيلي يفحص جزءاً من صاروخ باليستي إيراني سقط قرب مدينة عراد الجنوبية، 24 نيسان (أبريل) 2024 - (المصدر)

بينما يحبس العالم أنفاسه وهو يشاهد العنف المتصاعد في الشرق الأوسط، قد يتركز جوهر هذا الصراع في السؤال التالي: أي بلد في المنطقة سيتمتع بالوضع الأفضل للتعامل مع العقوبات؟ وعندما يتعلق الأمر بالحرب بين إيران وإسرائيل، فإنها لا تخاض بالوكالة فحسب، بل تدور أيضاً على الساحة الاقتصادية، وإن كان ذلك بصورة أكثر خفاءً.
*   *   *
للوهلة الأولى، يبدو أن حربًا كلامية بين إيران وإسرائيل حلت محل دوي الصواريخ والمسيرات. وأدلى خبراء الدعاية السياسية والتلفيق من كلا الجانبين بدلوهم في تبادل التهديدات المتبادلة الفورية.

اضافة اعلان


لكن من السابق لأوانه تنفس الصعداء. ليس ثمة سلام يتبلور في الشرق الأوسط- وليس بسبب العنف الشديد في غزة فحسب، حيث أسباب التوتر والصراع بين إيران وإسرائيل ما تزال كلها قائمة.


يصرف تركيزنا على ما تسمى الحرب "النشطة" انتباهنا عن الحرب الاقتصادية التي سبقت الضربات الصاروخية المتبادلة بين إيران وإسرائيل في نيسان (أبريل)، والتي من المرجح أن تزداد حدة الآن.


منذ العام 1979، تواجه إيران عقوبات أميركية متفاوتة الشدة، وتزداد العقوبات حدة بسبب الشبهات الأميركية حول المشاريع النووية الإيرانية. وخلال عطلة نهاية الأسبوع قبل الماضي، اتفق الجمهوريون بزعامة دونالد ترامب والديمقراطيون بزعامة جو بايدن في مجلس النواب الأميركي على فرض عقوبات أكثر صرامة– وربما عقوبات عسكرية– على إيران.


بطبيعة الحال، يعاني الإيرانيون العاديون من مصاعب، ولا يستطيعون الوصول إلى كل شيء، من الأدوية الحاصلة على براءة اختراع في الولايات المتحدة إلى قطع الغيار من "بوينغ" للطائرات القديمة. لكن النظام الإسلامي يتمكن من مواصلة الوقوف على قدميه وتمويل مشاريعه الصناعية العسكرية.

 

ويرغب النظام أن ترفع العقوبات– ولكن ليس على حساب إلغاء أجندته التي تتضمن مساعدات لعدويّ إسرائيل المجاورين لها، "حماس" و "حزب الله".


على النقيض من ذلك، مع تقييد الاقتصاد الإيراني بالعقوبات، تعتبر إسرائيل رائدة في مجالات العولمة والتكامل الاقتصادي وتكنولوجيا المعلومات مع الغرب الأوسع، وكذلك الآن مع دول عربية مثل دولة الإمارات العربية المتحدة.

 

وهذا يتناقض بصورة حادة مع العقود الأولى من عمر البلد، عندما رفضت مصر وصول السفن الإسرائيلية إلى قناة السويس وأثارت حرب العام 1967 من خلال منع الوصول إلى الميناء الإسرائيلي المطل على خليج العقبة.


حتى تشرين الأول (أكتوبر) 2023، بدت إسرائيل محصنة من حرب اقتصادية بقدر ما كانت محصنة من هجوم عسكري. وقد اقتصرت الحماسة لحركة مقاطعة إسرائيل وسحب الاستثمارات منها على مجموعات طلابية في جامعات النخبة الغربية– ألن يكبر خريجو جامعة كولومبيا ليصبحوا محللين استثماريين يوصون بشراء أسهم شركات التكنولوجيا الإسرائيلية؟


غير أن لإسرائيل نقطة ضعف. إنها غنية بالملكية الفكرية، لكن مواردها الطبيعية فقيرة، في حين تبدد إيران رأس مالها الفكري لأنها تملك نفطاً وغازاً يمكن إهدارهما في حرب سرية مع إسرائيل.


لا تكمن مشكلة إسرائيل اليوم في سحب الاستثمارات– ولو أن هناك مؤشرات إلى ذلك في بلجيكا وهولندا– بقدر ما تكمن في الحصار المادي التقليدي. فمن الهجمات على الشحن البحري في البحر الأحمر من قبل "الحوثيين"، حلفاء إيران في اليمن، إلى استيلاء الحرس الثوري الإسلامي على سفن مملوكة لإسرائيل في منطقة الخليج، تأخذ كلف التأمين وتسليم البضائع في الارتفاع. والطرق البرية البديلة إلى موانئ دولة الإمارات ومنها أكثر كلفة من الطرق البحرية في ما يخص البضائع الثقيلة– مثل المواد الغذائية والآلات والمركبات.
ليس أي شيء من هذا قاتلاً للاقتصاد الإسرائيلي، لكن اقتصاد السوق الحديث يعمل على هوامش الربح. ذلك أن إضافة الكلف تقلل من القدرة التنافسية.


وتشكل الاقتصادات الأوروبية تحذيراً بسبب الضربة الارتدادية التي تلقتها جراء العقوبات التي فرضها الاتحاد الأوروبي على الطاقة والمواد الخام الروسية.


ولا تستطيع القوة الجوية الإسرائيلية حماية شحنات البلد البحرية على بعد 1.000 ميل (1.600 كيلومتر) جنوباً من "الحوثيين"، الذين يظهرون بالفعل قدرتهم على تحدي السفن الحربية الأميركية والأوروبية التي "تضمن" الأمن للشحنات البحرية الغربية المتجهة عبر البحر الأحمر إلى قناة السويس.


ولا يقتصر استخدام إيران للقرصنة في البحار البعيدة والتهديد المتوطن بالعنف على سماء إسرائيل فقط، بل يستهدف الأرض أيضاً– على الأقل في الضفة الغربية التي لا تحظى بتغطية دفاعية كافية، وحيث تقع العديد من المواقع التي يقصدها الحجاج– وهو ما يقلص دخل إسرائيل من السياحة بصورة كبيرة.


وبسبب الحملة العسكرية على غزة، فضلاً عن المتطلبات الأمنية في الضفة الغربية وعلى الحدود اللبنانية والسورية، استدعيت أعداد كبيرة من العاملين للالتحاق بـ"جيش الدفاع الإسرائيلي".


في الماضي، حققت إسرائيل انتصارات حاسمة بسرعة. وحذر أول رئيس وزراء لها، ديفيد بن غوريون، من أنها لا تستطيع البقاء على قيد الحياة في حروب الاستنزاف الطويلة.


لقد أثبتت "حماس" صعوبة تحطيمها، بل ووحشية التداعيات. ألن تستمر الحرب مع "حزب الله" لفترة أطول وتعطل الاقتصاد الإسرائيلي أكثر؟ والأسوأ من ذلك أن إسرائيل خسرت شريكين إقليميين رئيسين كان دعمهما قيماً في العقود الأولى من الزمن من عمر استقلالها.


حتى العام 1979 وإبرام اتفاق السلام مع مصر، لم يكن لإسرائيل سوى صديقين إقليميين: إيران وتركيا– ليس من قبيل الصدفة أنهما مجتمعان غير عربيين في الشرق الأوسط. وباعت إيران في عهد الشاه النفط لإسرائيل، وكانت تركيا العضو العلماني في "حلف شمال الأطلسي" معادية للأنظمة المناصرة للفلسطينيين وللاتحاد السوفييتي في سورية والعراق المجاورين.

 

قد تكون بعض الدول العربية المسلمة صديقة لإسرائيل (بل وحليفة أحيانًا)، بينما إيران هي عدوها اللدود والرئيس التركي أردوغان يستقبل زعيم "حماس"، إسماعيل هنية، بقبلة.


ربما تكون قدرة إيران على البقاء على قيد الحياة بعد عقود من الخنق الاقتصادي المحتمل علامة على أن كون أي دولة أكثر بدائية اقتصادياً (وكذلك قمعية) يجعلها أقل عرضة للضرر من حرب اقتصادية.


يبدي المجتمع الإسرائيلي التماسك الأكبر في مواجهة التهديدات الخارجية– حتى الآن. وتعود الخلافية التي تثيرها شخصية بنيامين نتنياهو لدى الرأي العام إلى الظهور مع استمرار الحرب. وإذا أضفنا الكلف الاقتصادية والاجتماعية إلى الخسائر البشرية، فإن حالة جديدة من عدم اليقين تطارد إسرائيل.

 

اقرأ المزيد في ترجمات: 

 

إسرائيل عالقة في غزة