حظ الدولة!

مثل الفريق الذي يكون خاسرا ثلاثة-صفر، وقبل انتهاء المباراة بخمس دقائق، يقرر مدرب الفريق الخاسر تبديل مهاجم بمدافع لتعويض النتيجة.
منطقيا، لا يستطيع أن يفعل هذا المهاجم شيئا حتى لو كان حكم الساحة زوج خالته، وحارس الفريق المنافس أخاه بالرضاعة، والمدافعون أنسباءه، ومع ذلك تجد المدرب قد زج فيه بالوقت بدل الضائع لتعويض النتيجة ويعتبره إحدى الأوراق الرابحة، وهذا المهاجم يشبه المقدوس الذي لا نتذكره الا إذا جاء ضيف وأعددنا له عشاء من المنزل فنضطر للاستعانة به فقط لملء المائدة.اضافة اعلان
هذا المدرب، بكل تأكيد، لم يكن يلعب ورق الشدّة طوال وقت المباراة ليتفاجأ بعدها بالنتيجة، بل كان يتابعها أولا بأول، وكان من الممكن أن يفعل ذلك المهاجم شيئا لو تم تبديله بوقت أبكر، ولكن حين اكتشف المدرب أن خطته قد فشلت، قرر إجراء التبديل ليبين فقط أن سبب الخسارة تقصير المدافعين وليس الخطة الموضوعة.
تعامل المسؤولين الحكوميين مع قضايا الفساد يشبه تماما تعامل هذا المدرب مع تطورات المباراة، ففي قضايا الفساد لا  يتم إجراء اللازم والتدخل الا بالوقت بدل الضائع، وذلك لتبرير التقصير والفشل في الرقابة، ففي قضية المسكوكات الذهبية بعد أن أصبح مستودع دائرة الآثار خاليا الا من التنك والفخار تم اكتشاف القضية، وأخيرا في قضية الغزلان بعد أن أكلت وصرفت وأصبحت سمادا في محطة تنقية الخربة السمراء تم تشكيل لجنة التحقيق، وغيرها الكثير!
كمواطن عادي، مجرد أن ينتهي ترخيص سيارتي في صباح اليوم التالي يتم توقيفي من قبل دورية الشرطة ولا يطلب الا رخصة السيارة، وإذا ما قمت بقطع شجرة لزاب من أمام منزلك لأنها خلخلت الأساسات، يتصادف في اللحظة نفسها مرور مدير الحراج في المنطقة، حتى إذا فكرت بشراء شيء من العقبة وتهريبه تتفاجأ عند قدومك لمنطقة التفتيش بوجود وزير المالية ومدير عام دائرة الجمارك في زيارة تفقدية.
الدولة لها حظ مع المواطن العادي البسيط بحيث لا يستطيع أن ينفذ من غرامة مسقفات، بينما ليس لها حظ مع الفاسدين ولا تكتشفهم حتى لو قاموا بتأجير المدرج الروماني صالة أفراح!
فقدان أكثر من 100 غزال من المحمية، دليل على أن آخر مسؤول حكومي قام بزيارة المحمية وتفقدها ربما كان أيام الانتداب البريطاني، وقد تبين التحقيقات أننا قد نكون فقدناها في الحرب مع العدو الصهيوني وليس هناك أي شبهات فساد، والمصيبة أننا ما نزال نروج للمحمية وندعو السياح لزيارتها والاستمتاع بمشاهدة الغزلان وعلى أرض الواقع ليس فيها سوى القنافذ!
قد يكون بإمكان هيئة مكافحة الفساد أن تعيد أموالا مسلوبة الى خزينة الدولة، ولكن كيف ستعيد غزلانا أكلت مع التبولة؟!
الفساد تغلغل، ولا تستبعد أن يتم بيع تيجان الأعمدة الأثرية لمحجر، أو أن تجد خناجر وسيوف الرومان والبيزنطيين في سوق الجمعة، وقد يكون هناك من يؤجر الأراضي التي أقيمت عليها المعارك الإسلامية لزراعتها مقاثي فقوس!
الفساد لم يعد مختصرا على المسؤولين وأصحاب المناصب، بل من هم في أدنى درجات السلم الوظيفي أصبحوا فاسدين ولا يهابون بيع أي شيء مملوك للدولة.
استشرى الفساد لأنكم وعدتم بتقديم الفاسدين للمحاكمة، فلم تقدموا حتى اليوم سوى عقارب الساعة!